فى انتظار قمة عمان

ما أشبه الشعب الفلسطيني‏,‏ وهو يتطلع إلي القمة العربية المقبلة بالغريق الذي يمد يده علي أمل ان يجد من ينتشله‏..‏ وقد ضرب هذا الشعب العظيم مثلا نادرا في التضحية وتحدي الموت والجوع والحصار والاستمرار في رفض الخضوع لجبروت الاحتلال الإسرائيلي‏.‏ ولايحتاج الشعب الفلسطيني من الزعماء العرب مزيدا من بيانات التأييد والإشادة ببطولاته‏,‏ كما لا يحتاج إلي اعلانات الإدانة والشجب لارهاب الدولة الإسرائيلية‏,‏ ولكنه يحتاج إلي عمل‏..‏ عمل ينقذه مما هو فيه الآن‏..‏ عمل مهما يكن صغيرا إلا أنه أفضل الف مرة من تلال البيانات المؤيدة والقرارات المعطلة‏.‏

وللحق‏,‏ كانت القمة الطارئة التي عقدت في القاهرة في أكتوبر الماضي بداية لتحرك عربي بالقول والعمل معا‏,‏ وبالبيانات والإجراءات‏..‏ ولأول مرة أصبحت اجتماعات القمة العربية دورية تعقد سنويا بعد أن كانت قد وصلت إلي مرحلة الشلل الكامل‏,‏ ولأول مرة ايضا تشكل لجنة لمتابعة تنفيذ القرارات من وزراء خارجية‏9‏ دول‏..‏ ولأول مرة تتحول بعض القرارات من الورق إلي الواقع وتكتسب حياة وحيوية تدعو للتفاؤل‏.‏ وعلي سبيل المثال قررت القمة الطارئة انشاء صندوقين بمبلغ مليار دولار لدعم الانتفاضة وانقاذ المسجد الأقصي‏,‏ وسددت الدول العربية نحو‏30%‏ من هذا المبلغ‏,‏ وبلغ مادفعته‏292‏ مليون دولار‏,‏ بخلاف ماقدمته السعودية خارج الصندوقين وقيمته‏30‏ مليون دولار‏,‏ وتونس خمسة ملايين دينار تونسي‏,‏ والإمارات‏15‏ مليون دولار‏,‏ واليمن‏2,8‏ مليون دولار‏.‏


وحين استمعت لجنة المتابعة إلي تقرير من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وجدت ان الموقف في الاراضي الفلسطينية غاية في الصعوبة‏,‏ فقد تحولت هذه الاراضي إلي سجون محاطة بأسوار وخنادق ودبابات‏,‏ والخروج والدخول محظور‏,‏ والعمل والتعليم ممنوعان‏,‏ والمستشفيات تعاني نقص الادوية لعلاج الآلاف من المصابين برصاص جنود الاحتلال الإسرائيلي‏,‏ والسلطة الفلسطينية عاجزة عن دفع رواتب وأجور الشرطة والموظفين وتكاليف تسيير المرافق الاساسية‏(‏ المياه والكهرباء والصرف الصحي‏..‏ الخ‏)‏ ولاتستطيع تقديم مساعدات لعشرات الآلاف من الأسر التي لم يعد لها دخل‏,‏ ولم يعد للرجال والنساء والشباب فرصة عمل الا ان يحملوا الحجارة ويخرجوا للاحتجاج علي الحصار والاحتلال‏,‏ ويعودا وهم يحملون الشهداء والمصابين‏..‏ وهذه هي حياتهم اليومية الآن‏!‏

وكان من أهم قرارات القمة الطارئة تبرع العاملين في الدول العربية بأجر يوم للشعب الفلسطيني فماذا كانت حصيلة تنفيذ هذا القرار؟


قدمت لجنة دعم الانتفاضة السعودية‏221‏ مليون ريال مساعدات مباشرة إلي المناطق الفلسطينية‏,‏ وقدمت سلطنة عمان‏3,3‏ مليون دولار‏,‏ وقدمت الأردن لوازم ومعدات طبية ومستشفي ميدانيا‏,‏ وقدم برنامج المساعدات الانسانية في الامارات‏10,9‏ مليون دولار للشعب الفلسطيني مباشرة‏.‏

تحركت الدول والشعوب العربية للوقوف إلي جانب الشعب الفلسطيني‏,‏ ولكن هذه الحركة كانت أقل من حجم الكارثة الانسانية التي يعيش فيها هذا الشعب البطل‏,‏ الذي أعلن انه مهما يحدث فسوف يستمر في تقبل الموت‏,‏ ولن يتوقف عن طلب العدل والحق والحرية ولو قدم ثلاثة ملايين شهيد‏!‏


المساعدة المالية وتوفير لقمة الخبز والدواء هي القضية الأولي‏..‏ ولكن لاتقل عنها أهمية وخطورة قضية الحصار السياسي الدولي الذي يعانينه الشعب الفلسطيني والذي تقوده الولايات المتحدة حتي ان جهود الدول العربية في مجلس الأمن واجهت الفشل في التوصل إلي قرار بإرسال بعثة من المراقبين للاراضي الفلسطينية للمساهمة في وقف العنف الإسرائيلي وحماية المدنيين والاطفال من الجرائم ضد الانسانية التي ترتكبها الدولة الإسرائيلية‏,‏ لكن الموقف الأمريكي ظل معارضا من الأساس قيام مجلس الأمن بالنظر في الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة‏,‏ ورفضت الولايات المتحدة رفضا مطلقا ارسال مراقبين من الأمم المتحدة إلي المناطق الفلسطينية دون موافقة اسرائيل‏,‏ ومن غير المعقول ان يعلق انقاذ الشعب الفلسطيني من القتل علي موافقة القاتل‏,‏ وإسرائيل كدولة احتلال لايمكن ان تعلن قبولها وجود مراقبين ليشاهدوا ويسجلوا الجرائم البشعة التي ترتكبها‏.‏

أمام القمة اقتراح من وزراء الخارجية بمنح السلطة الفلسطينية قرضا شهريا‏40‏ مليون دولار لمدة‏6‏ أشهر ويتم بحث كيفية سداد هذا القرض عندما تتمكن السلطة الفلسطينية من ذلك‏,‏ في الوقت الذي بلغت قيمة التبرعات التي وصلت إلي اسرائيل للتعويض عن خسائر اعلان حالة التعبئة وتكاليف الحصار والقتال أكثر من عشرة مليارات دولار وفقا لأقل التقديرات التي نشرتها الصحف الأمريكية‏.‏


وحتي قرار القمة الطارئة بدعم الاقتصاد الفلسطيني والسماح باستيراد السلع والمنتجات الفلسطينية دون قيود الكمية والنوعية واعفائها من الرسوم الجمركية واعتماد شهادات المنشأ الفلسطينية‏,‏ فقد اكتشفت لجنة المتابعة ان هذا القرار نفذته بعض الدول العربية ولم تنفذه دول أخري‏,‏ ووقفت التعقيدات البيروقراطية دون تنفيذه‏,‏ ولم تنفذ الدول العربية قرار القمة الطارئة بتقديم شكوي ضد اسرائيل لمنظمة التجارة العالمية والمؤسسات الدولية الأخري لرفع الحصار والعزل الاقتصادي الذي تفرضه سلطات الاحتلال الإسرائيلي علي المناطق الفلسطينية‏,‏ ولم تنفذ الدول العربية قرار القمة الطارئة بالمقاطعة العربية لإسرائيل ومازال الموضوع مطروحا للتشاور‏.‏

ليست هذه كل القضايا فهناك غيرها كثير وكثير‏,‏ كلها تصل إلي حقيقة ان الموقف العربي هو مفتاح المواقف الدولية لأنه من غير المطلوب ان نطلب من الآخرين ان يساعدونا بأكثر مما نساعد انفسنا‏,‏ ولقد بدأت خطوات علي طريق جديد وأمامنا نتائج اعمال حقيقية تمت ولكنها أقل مما يجب في ظل الحالة البائسة التي وصل إليها الشعب الفلسطيني‏,‏ والأمل كبير في أن تكون القمة المقبلة دفعة أكبر وخطوة أوسع علي طريق العمل المطلوب الآن‏:‏ العمل ولاشيء سوي العمل وإرادة العمل‏..‏ أما النيات الطيبة ومشاعر الأخوة وبيانات الشجب والتأييد فإن لدينا منها مايكفي العالم كله‏!

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف