حساب المحافظين
في أول لقاء للرئيس مبارك مع المحافظين الحاليين ـ منذ أكثر من عام ـ حدد الرئيس لهم تكليفات محددة, وكان واضحا في حديث الرئيس أن كل محافظ سوف يكون موضع حساب حساب لقياس مدي نجاحه في حل مشكلات المواطنين في محافظته, والاقتراب منهم, والتفاعل اليومي معهم بالاستماع لشكاواهم, وشرح الحقائق لهم. وبهذا المعني لخص الرئيس وظيفة المحافظ في أنها وظيفة سياسية, ووظيفة تنفيذية في الوقت نفسه, وتحتاج إلي قدرات قيادية خاصة, ومهارة في التواصل مع المواطن.
ولقد مرت فترة كافية للدراسة والتعرف علي طبيعة ومشكلات كل محافظة, واعتقد ان هذا هو الوقت المناسب للحساب علي ما تحقق وما لم يتحقق من التكليفات التي جاءوا لتنفيذها.. واعتقد أن كفاءة كل محافظ قد أصبحت ظاهرة ملموسة.. والمواطنون في المحافظات يتابعون فكر وعمل المحافظ, ويكونون عنه فكرة واضحة, يتعاملون معه علي أساسها..
لقد طلب الرئيس من المحافظين سعة الصدر, والنزول إلي الميدان للتعرف علي الحقائق والمشكلات بأنفسهم علي أرض الواقع, كما طلب منهم تسهيل الاستثمار, وإزالة العقبات أمام المستثمرين, وتشجيعهم علي إقامة مشروعات جديددة توفر فرص عمل للشباب, وطلب منهم أن يلتزموا بتطبيق مبدأ المساواة بكل دقة, وعدم اللجوء إلي الاستثناء من القواعد العامة التي تسري علي سائر المواطنين.. وطلب منهم بوضوح الابتعاد تماما عن المحسوبية والالتزام بالشفافية, والابتعاد عن الشبهات.. وحدد الرئيس للمحافظين هدفا له الأولوية في هذه المرحلة هو اعطاء الأولوية للاسكان المنخفض التكاليف لمحدودي الدخل.. وطلب منهم المتابعة اليومية للمرافق والخدمات التي تمس الحياة اليومية للمواطنين والرقابة الصارمة علي المسئولين عنها.. وطلب منهم الضرب بكل قوة علي أي بادرة أو مظهر للفساد أو الانحراف.ماذا حقق كل محافظ من هذه التكليفات..؟
هناك محافظون انجزوا الكثير, وتغلبوا بنجاح علي مشكلة نقص التمويل لمشروعات التطوير والتنمية, باكتساب ثقة المواطنين في جدية العمل ونظافة يد العاملين في كل مشروع, فاستطاعوا بالمشاركة الشعبية أن يضيفوا إلي الميزانية المخصصة لمحافظاتهم أضعافا مضاعفة من رجال الأعمال وأيضا من المواطنين العاديين, لأن المواطن لن يتردد في أن يسهم بماله وجهده وفكره إذا وجد قيادة جادة ونظيفة ومخلصة ومتحمسة..
بعض المحافظين حققوا نجاحا واضحا وملموسا, وبعضهم اكتفي بالحديث عن إنجازات تمت في عهد سابق علي توليه وينسبها لنفسه, أو يتحدث عن أفكاره وأحلامه وكأنها إنجازات تمت وأصبحت واقعا, وبدلا من أن يقول سنفعل كذا إن شاء الله يقول فعلنا ذلك, والناس تسمع وتلمس الحقيقة بنفسها, والكذب ليس له أرجل كما يقول المثل العامي.
وحقيقة أن المحافظين تواجههم مشكلة استمرار المركزية في ممارسات بعض الوزراء والوزارات رغم أن القانون ينص صراحة علي أن الإدارة المحلية هي التي تتولي انشاء وإدارة جميع المرافق العامة.. وجميع الاختصاصات التي تتولاها الوزارات, ولكن الوزراء يسلبون بعض المحافظين هذا الحق ولا يستطيعون ذلك مع غيرهم, والأمر يتوقف علي شخصية المحافظ, وقدرته علي استيعاب طبيعة العمل في كل مرفق وإدارة, وسلامة قراراته, وقدرته علي التنسيق والتعاون مع الوزراء والوزارات, لأن المسألة ليست مسألة صراع السلطة, ولكنها مسأة العمل معا بفكر موحد مع الوزراء لتنفيذ سياسة الدولة.. وحقيقة أن الأمر يقتضي تفويض المحافظين بسلطات وصلاحيات الوزراء والأجهزة المركزية ليمارسوا عملهم عن الحساسيات والمعوقات البيروقراطية التي تأتيهم من الأجهزة المركزية.
وحقيقة أيضا أنه آن الأوان لحسم قضية المركزية واللامركزية في الإدارة المحلية, وهي مازالت قضية معلقة تنتج عنها مشكلات كثيرةتنعكس علي مصالح المواطنين أولا وأخيرا.. وهذا هو الوقت لوضع نظرية واضحة للإدارة المحلية تحقق التوازن بين المركزية واللامركزية, بحيث لاننحاز إلي المركزية المطلقة أو اللامركزية المطلقة, ونتوصل إلي صيغة محددة بالقانون ذلك بحيث لا تطغي احداهما علي الأخري.
هذه الحقائق معلومة وهي بالفعل عقبة تعوق بعض المحافظين ولكن بعضهم الآخر استطاع أن يتغلب عليها بإيجاد جسور للتفاهم والتعاون والتكامل مع الأجهزة المركزية, وتوصل إلي حل المعادلة الصعبة من خلال العمل والممارسة والمرونة في التعامل دون انتظار تغيير القوانين والنصوص.
ثم أن نجاح المحافظين مرتبط بعلاقتهم بالمجالس الشعبية المحلية وبأعضاء مجلسي الشعب والشوري, ومع الأحزاب ورئيس الجامعة, لأن المحافظ لا يستطيع أن يعمل وحده مهما تكن قدراته وهو يواجه تطلعات المواطنين واحتياجاتهم التي تفوق القدرات المالية والميزانية المحدودة المتاحة له, ولكن بعض المحافظين استطاعوا أن يحققوا مبادرات ناجحة وبعضهم لم يستطع, خصوصا وأن العلاقات الشخصية مازالت تلعب دورا في تسهيل أو تعويق العمل. والمحافظون الذين استطاعوا اكتساب ثقة الوزراء وتكوين علاقات جيدة حصلوا علي نصيب الأسد, بينما اكتفي الآخرون بالشكوي والانتظار.!
والخلاصة أن شخصية المحافظ وقدراته هي العنصر الحاكم في نجاحه, ولذلك يحتاج الأمر إلي مراجعة وإعادة نظر في أداء كل محافظ لكي يشعر المواطنون بأن هناك من يرعاهم ويستمع إليهم من قريب.