وصايــا الدكتــورة زينـب رضـــوان (1 - 2 )

رحلت الدكتورة زينب رضوان عن عالمنا منذ أيام بعد أن قضت سنوات عمرها فى البحث العلمى والخدمة العامة ، وكانت قدوة لتلاميذها فى التواضع والوطنية والتفانى فى العمل والدفاع عن الإسلام بمفاهيمه السمحة بعيدا عن التشدد والتعصب.
والدكتورة زينب رضوان عميدة كلية الدراسات العربية والإسلامية، وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ووكيلة مجلس الشعب السابقة ، وعضو فى المجلس القومى لحقوق الإنسان ومشاركة فى العديد من المؤسسات الدولية، ومؤلفة العديد من الكتب فى الفكر والفقه والشريعة تميزت بالعمق والأصالة والتزمت بالمنهج العلمى كان من بينها كتاب عن المرأة فى المنظور الإسلامى.حرصت على أن يراجعه شيخ الأزهر الأسبق الشيخ جاد الحق على جاد الحق، والدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر السابق، والشيخ محمد الغزالى الفقيه والداعية الإسلامى الكبير، والدكتور على جمعة مفتى الجمهورية السابق، بينت فيه بالدليل أن مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة من المبادئ الأساسية فى الدين الإسلامى، وأنه مبدأ قائم على جوهر الإسلام الذى يؤكد القيمة الإنسانية بين البشر جميعا، ويقرر للرجل والمرأة حقوقا متساوية فى الأهلية، وحيازة المال، وتملك العقار، والتعاقد، والتكسب، والمصالحة، والتقاضى، ويحتفظ للمرأة بشخصيتها المدنية الكاملة وبأهليتها فى تحمل الالتزامات وإدارة أموالها، ولم يعط الإسلام للمرأة الحق فى طلب العلم فقط بل جعله فريضة واجبة عليها واعترافا بشخصية المرأة فى نطاق الدولة سوى الإسلام بينها وبين الرجل فى حق المشاركة السياسية وقررت الأحكام الشرعية فى الإسلام حق المرأة فى العمل، وفى إطار الحياة الزوجية أعطى الإسلام للمرأة حق اختيار الزوج، والحق فى حضانة الطفل، والحق فى الانتقال بالطفل، وأتمنى أن تقرر وزارة التربية والتعليم تدريس هذا الكتاب فى المرحلة الثانوية وأن تقوم وزارة الأوقاف بترجمته إلى اللغات الأجنبية للرد على الادعاءات التى يروج لها أعداء الإسلام بأنه دين يحرم المرأة من حقوقها الإنسانية وقد أصبح وضع المرأة فى أى مجتمع معيارا أساسيا لدرجة تقدم هذا المجتمع، وإذا تخلفت المرأة فإن ذلك سيؤدى حتما إلى تخلف الرجل لتأثيرها كأم وشريكة حياة وابنة، وتخلف المرأة يعنى تخلف نصف المجتمع وبالقطع يمثل تخلفها عائقا للتنمية.
***
كانت الدكتورة زينب رضوان تقول إن التشريع الإسلامى جاء لتصحيح الأوضاع الظالمة للمرأة قبله وجاء الإسلام ليقرر وحدة الجنس البشرى فى المنشأ والمصير أمام القانون وأمام الله، وفى الدنيا والآخرة، لا فضل إلا للعمل الصالح، ولا كرامة إلا للأتقى، ويكرر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المعنى فى أحاديثه:
(.. كلكم لآدم وآدم من تراب) (والناس سواسية كأسنان المشط) وفى سورة الإسراء آية:70 يقول الله تعالى ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) تأكيدا للمساواة بين البشر جميعا فى الكرامة الإنسانية دون تفرقة بين الرجال والنساء.
***
ومن الحقائق القرآنية الكبرى إعطاء المرأة أهلية كاملة فى جميع التصرفات المدنية والمالية والشخصية ويبح لها إدارة أموالها وبحقها فى التملك وللمرأة المتزوجة شخصيتها المدنية الكاملة وثروتها الخاصة مستقلة عن شخصية زوجها وثروته ولا يجوز للزوج أن يأخذ شيئا من مالها بدون رضاها وليس من حق الزوج أن يتصرف فى شىء من أموالها واملاكها إلا بإذن منها وللمرأة فى الإسلام الحق فى التعليم تماما مثل الرجل وفى الحديث: طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة والحديث خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء أى ذات الشعر الأحمر وهى السيدة عائشة التى اشتهرت بالرواية والفقه، وكذلك أختها أسماء بنت أبى بكر التى اشتهرت برواية الحديث، ومن شهيرات العصر الأموى أم البنين زوجة الوليد بن عبد الملك التى اشتهرت بالفصاحة وقوة الحجة وبعد النظر وكان الخليفة يستشيرها فى أمور الدولة. وكانت السيدة سكينة بنت الحسين بن على سيدة نساء عصرها، وكانت عائشة بنت طلحة بن عبد الله من النساء اللائى نبغن فى الأدب.. وفى العصر العباس كانت للنساء مكانة عالية فى الأدب والفقه واللغة والطب والأسماء كثيرة جدا.
وأقر الإسلام مشاركة المرأة فى ميدان القتال، وكانت عائشة بنت طلحة حفيدة أبى بكر الصديق تناضل الرجال بالسهام والنبال وجمع الرسول صلى الله عليه وسلم بين الرجال والنساء فى كثير من الحروب وأسماء النساء المسلمات اللائى كانت لهن القيادة للجيوش كثيرة أيضا ولا يتسع المجال لذكرهن وتكفى بطولة أم حكيم بنت الحارث التى خاضت معركة بين الروم والمسلمين وهى عروس وقد استشهد زوجها أمامها فانتزعت عمود الفسطاط الذى شهد ليلة زفافها وصرعت به سبعة من الأعداء عند القنطرة التى لاتزال معروفة حتى اليوم باسم قنطرة أم حكيم والأمثلة يضيق بها المقام فى كل العصور الإسلامية.
وأيضًا سوى الإسلام بين المرأة والرجل فى الحقوق السياسية وكانت للمرأة مبايعة الرسول مستقلة عن الرجل، وذلك إقرار لكيان المرأة المستقل، وكذلك مساواتها للرجل أمام القانون وفى الحق فى العمل وفى الحياة الزوجية فلها الحق فى اختيار الزوج، ولها وحدها الحق فى العودة أو عدم العودة إلى زوجها بعد الطلاق وليس لأحد أن يرغمها، ويشترط الإسلام أن يكون الرجل مساويا للمرأة فى المركز الاجتماعى والمالى ولا يشترط أن تكون المرأة كفئا للرجل، وعقد الزواج فى الإسلام عقد رضائى يقوم على الإيجاب والقبول، ومن حق المرأة أن تشترط على زوجها أن تقيم فى بلدها أو فى بيتها والا يتزوج عليها وغير ذلك من الشروط باتفاق الطرفين كأى عقد من العقود، وللزوجة أن يحسن الزوج معاملتها وأمر الله صريح (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء19 وفى الحديث (خيركم خيركم لأهله) و(ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم) وأمر الله فى كتابه (ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف).
***
والرجال قوامون على النساء فما معنى القوامة؟ فى المعجم وصف شخص بأنه قوام أهل بيته أى إنه يقيم شأنهم فى التكليف بالقيام على رعاية النساء، وتفضيل بعض الرجال على بعض النساء لا علاقة له بالقيمة الإنسانية للرجل والمرأة ولكن التفاضل على ما يميز بعض الناس على غيرهم فى مثل الذكاء والتقوى والمال وقوة البدن، ومن النساء من فضلهن الله على الرجال (السيدة مريم العذراء طهرها الله واصطفاها على نساء العالمين وأم موسى، وأمرأة فرعون التى ذكرها القرآن على أنها المثل الأعلى للمؤمنين والسيدة خديجة رضى الله عنها وأمهات المؤمنين جميعا. وطاعة المرأة للرجل ليست مما ينقص كرامتها وحقوقها، وليست سلطة قاهرة يمارسها الرجل على المرأة مما يتعارض مع المودة والرحمة وهما الأصل المقرر فى القرآن للعلاقة بين الرجل والمرأة.
***
وإذا كان الإسلام قد قرر حق الرجل فى الطلاق وفرض عليه التزامات بمؤخر المهر ونفقة العدة فإنه أعطى للمرأة الحق فى طلب الطلاق (الخلع) كما أجاز لها أن تنص فى عقد الزواج على أن لها الحق فى إيقاع الطلاق والكاره للحياة الزوجية هو الغارم فإذا طلق الرجل فعليه المؤخر ونفقة العدة وإذا طلقت المرأة تتنازل عن حقها تجاه الزوج، وللزوجة حضانة الطفل بعد الطلاق، أما التفاوت بين الرجل والمرأة فى الميراث فليس فى كل الحالات، فللذكر ضعف نصيب الأنثى بوجه عام، ولكن إذا كانت الابنة وحيدة فلها نصف التركة، وإن كانتا ابنتين فلهما الثلثان من الميراث ولأمهما الثمن وما بقى فهو للعم. أما الأخوة من الأم فإن حق الرجل فى الميراث يكون مساويا لحق المرأة.. وهذا موضوع يحتاج إلى تفصيل وخلاصته أن التفاوت أو المساواة فى الميراث بين الرجل والمرأة يتوقف على المواءمة بين الحقوق والمسئوليات لكل منهما ولا علاقة له بانتقاص قيمة المرأة.
لقد بذلت الدكتورة زينب رضوان جهدًا علميا كبيرا لبيان موقف الإسلام من المرأة ولو ترجمت كتبها فسوف تكون أكبر دفاع عن الإسلام فى مواجهة حملات التشويه فى الخارج التى تصوره على أنه يجعل للمرأة وضعا متدنيا ومهينًا ويتعارض مع المبادئ والحقوق الإنسانية.. وجزى الله الدكتورة زينب رضوان خيرا لإخلاصها فى الدفاع عن الإسلام

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف