نحن و الحكومة
طرح رئيس مجلس الوزراء د. عاطف عبيد بصراحة وبوضوح, مجموعة من المعادلات الصعبة تواجه الحكومة, وطلب أن يشارك أصحاب الرأي والخبراء مع مراكز البحوث والجامعات في إيجاد الحلول العملية لها, ولعله أراد بذلك أن ينشغل الجميع بموضوعات مفيدة بدلا من تبديد الطاقة والوقت في المناورات الفارغة, والجدل العقيم حول موضوعات لم تعد تشغل أحدا في العالم في القرن الجديد, ولعله أيضا أراد أن يدرك الجميع أن عملية التحول الكبري في المجتمع والتخلص من بقايا ورواسب الماضي تحتاج الي جهدي الحكومة والشعب معا.
والتحول الأكبر يجب أن يحدث أولا في طريقة تفكير الناس وسلوكهم.. فقد عاش المجتمع المصري مرحلة يسميها علماء الاجتماع مرحلة المجتمع الأبوي, الذي تقوم فيه الحكومة بدور الأب ولي الأمر.. وكانت الحكومة تملك كل وسائل الانتاج والثروة.. وتتحكم في الدخول والإنفاق.. وترسم للمواطن طريقه وأسلوب حياته وتتكفل بتوفير احتياجاته من المهد الي اللحد.. وقد انتهت هذه المرحلة في العالم ببلوغ الشعوب سن الرشد, وقدرة الفرد علي امتلاك أمره, وتمسكه بحقه في اختيار طريقه وتحديد مصيره, وامتد الاختيار واتسعت الحريات لتشمل كل شيء ابتداء من اختيار الحكام الي اختيار نوعية التعليم والعمل.. وببلوغ الشعوب سن الرشد أصبح للشعوب الدور الأكبر في قيادة المجتمع وحل مشكلاته.
وخلال العقدين الأخيرين, تحقق الكثيرفي مجال التغيير.
ومازالت أمامنا تحديات أو معادلات صعبة منها مثلا: هل يمكن تحسين دخول الأفراد دون تحقيق زيادة حقيقية في النمو السنوي للناتج المحلي..؟ وهل يمكن أن تؤدي زيادة معدلات التنمية الي تحسين مستوي المعيشة مع استمرار الزيادة السكانية التي وصلت الي أكثر من2% سنويا, بينما معدل التنمية5% سنويا..؟ وهل يمكن أن تقوم الحكومة بتحسين التعليم والعلاج وتوسيع مظلة التأمينات لتشمل فئات جديدة محرومة من الضمانات ليومها وغدها, دون زيادة حصيلة الضرائب..؟ كيف يمكن أن تلبي الحكومة مطالبنا بزيادة الإنفاق علي الخدمات وزيادة الأجور دون زيادة مواردها..؟ وهل يمكن زيادة الانتاج دون زيادة الاستثمارات في المشروعات الانتاجية..؟ وكيف يمكن زيادة الاستثمارات دون زيادة المدخرات من ناحية, وتشجيع الاستثمارات الأجنبية من ناحية أخري..؟ وهل يكفي ما حققته الحكومة من تحسن في عجز الموازنة ومعدل التضخم والديون الخارجية, دون إيجاد حل لمشكلة البطالة..؟ وهل الحل في توظيف الخريجين في الحكومة وقد وصل عدد الموظفين في الحكومة إلي خمسة ملايين ونصف مليون موظف, ووصل بند أجورهم الي25 ألف مليون جنيه في السنة..؟
هذه الأسئلة الصعبة لابد أن نصل الي إجابات صحيحة لها.. ومهما تختلف الاتجاهات الفكرية والاجتماعية التي ستحكم تفكيرنا, فإن نقطة البداية هي أن إلقاء الأعباء كلها علي الحكومة ليس هو المنهج الصحيح في التفكير والعمل.. المنهج الصحيح هو أن يتحمل كل المواطنين المسئولية.. وأن يصل شعور كل مواطن بالمسئولية الي المساعدة في حل هذه المشكلات, وإحساس كل فرد بأنه يجب أن يعمل شيئا, ويمد يدا لمساعدة الحكومة, وإدراك الصغير والكبير أن الحكومة وحدها في أي بلد لا تستطيع بناء جميع مكونات القوة والنهضة, ولكنها تستطيع ذلك اذا ساهم المجتمع كله معها, وأصبحت هذه القضايا والمشكلات أمورا تشغل المجتمع كله دون استثناء, ولا تبقي فيه فئة أو جماعة ـ أو فرد ـ مكتوفة اليدين في انتظار أن يهبط الحل لكل المشكلات من الحكومة.
نطالب بزيادة المدخرات.. فماذا فعلنا..؟ ونطالب بتشجيع الصناعات المحلية والحد من الاستيراد لكي تعمل مصانعنا ويجد أبناؤنا فرصة عمل ولقمة عيش فلماذا نشتري المستورد وله بديل محلي..؟ ونتحدث عن المعجزة اليابانية أو الصينية أو الماليزية ونلخصها في التفاني في العمل والإخلاص والجدية والاتقان والعطاء بأكثر من الأخذ.. فلماذا لا يكون كل واحد منا كذلك..؟ ونتفهم خطورة مشكلة السكان فلماذا لا نتحمل المسئولية في إيقاف هذا الطوفان لكي يجد الأبناء فرصة أفضل للحياة..؟
إن ما طلبه رئيس مجلس الوزراء من الجميع هو المشاركة, ليس فقط المشاركة في الحكم والقرار.. ولكن أيضا المشاركة في المسئولية وتحمل الأعباء والعمل, كل واحد في مجاله.. وليس في ذلك جديد.. فكل دول العالم التي تقدمت لم تتقدم إلا بعد أن أصبحت المشاركة سلوكا يوميا.. والالتزام والانضباط والجدية في العمل جزءا لا يتجزأ من تكوين العقل والضمير.. وأصبح كل مواطن يسأل نفسه: لكي تحقق الحكومة ما أريد ماذا علي أن أقدم أولا؟! لأن الحياة أخذ وعطاء, واذا قامت علي الأخذ فقط يختل الميزان.. وهذا هو السبب في أن هذه المعادلات ليست صعبة عندهم ومازالت صعبة عندنا..