ملامح ميثاق جديد
اذا تعمقنا في دراسة وتحليل بيان الرئيس مبارك, في افتتاح الدورة البرلمانية, فسوف نجد فيه ملامح ميثاق جديد للعمل الحزبي والإصلاح السياسي بشكل عام, وسوف نلاحظ أن هذا الميثاق يهدف الي تعميق الممارسةالديمقراطية, وزيادة مساحة الحريات, وفتح الطريق أمام الأحزاب جميعا لكي تزداد قوة وحضورا وفاعلية وتأثيرا في صنع القرار وصياغة المستقبل.
وقد استطاعت لجنة مجلس الشوري الخاصة بدراسة هذا البيان, أن تضع يدها علي ملامح هذا الميثاق الجديد, الذي يمكن تلخيص الخطوط الرئيسية فيه في نقاط محددة:
أولا: إن الرئيس مبارك يقدم نموذجا غير مسبوق في القيادة, فهو رئيس حزب خرج من المنافسة في المعركة الانتخابية فائزا بالأغلبية, وأقصي ما يمكن أن يقوله رئيس أي حزب فائز في العالم, هو أن يشير بكلمة تهنئة الي الأحزاب المنافسة علي ما حصلت عليه من مقاعد في البرلمان, ومن أصوات الناخبين, ولكن الرئيس مبارك خرج علي هذا التقليد ليطلب من أحزاب المعارضة أن تزيد صلتها بالجماهير لكي تكون أحزابا فعالة ومؤثرة في سياسات الدولة, وكان تعليق لجنة مجلس الشوري, أن هذا الأمر يدعو للابهار, لأن هذه الدعوة أمر لم يحدث من قبل, فلم يحدث أن طلب رئيس حزب من الأحزاب المعارضة أن تعيد تقويم تجربتها في الانتخابات, وتعيد النظر في بنائها التنظيمي, وفي أسلوب أدائها السياسي وحركتها الجماهيرية, لكي تزداد قوة وتكتسب مزيدا من المصداقية وتفوز بثقة الجماهير, والحقيقة أن هذه الملحوظة في محلها, وترجع الي أن الرئيس مبارك ليس رئيس حزب فقط, وكل ما يعنيه أن يفوز حزبه بالأغلبية كسائر رؤساء الأحزاب في العالم, ولكنه قبل ذلك, وفوق ذلك, زعيم, ومصلح, وقائد, وبهذه الصفة فإنه ينظر الي كل المصريين والي كل الأحزاب بمعيار واحد, وهو يؤمن بأن الحيوية والتجدد في الحياة السياسية, والقوة في أحزاب المعارضة, هي الضمان لاستقرار المجتمع, واستمرار مسيرة الاصلاح علي الطريق الصحيح, وتقويم كل انحراف وكشف كل خطأ, ومحاسبة كل مخطيئ مهما يكن موقعه, وفيه أيضا ضمان لتمثيل كل القوي والتيارات والاتجاهات السياسية, ومن خلال التفاعل الإيجابي بينها يتحقق الأمان والضمان لمسيرة العمل الوطني, والاستقامة والنزاهة للقائمين علي شئون الحكم, والانضباط في المجتمع, وتكون حلقات الرقابة الشعبية محكمة ومتغلغلة في كل المستويات.. وكل هذه الضمانات هي التي يريدها الرئيس مبارك كقائد وكزعيم.
وهو كقائد وزعيم يرتفع بهذه الدعوة فوق كل الأحزاب ليكون راعيا للحياة السياسية وللتعددية الحزبية كلها, وحارسا لكل الأحزاب وحريصا علي حمايتها ودعمها, وهذا أمر لا يفعله إلا حسني مبارك, الذي يهمه أمر أحزاب المعارضة بقدر ما يهمه أمر الحزب الوطني, سواء بسواء, ولا يصدر ذلك من رئيس حزب الأغلبية ولا من رئيس دولة, ولكنه يصدر من زعيم شعب, ومن الإصلاح السياسي والحزبي عموما يبدأ الميثاق الجديد للعمل الوطني.
ثانيا: إن ضمان نزاهة الانتخابات هي المبدأ الثاني في جوهر الإصلاح السياسي, وقد تحقق ذلك بالإشراف القضائي علي الانتخابات الأخيرة, ويحتاج اكتمال هذه الخطوة التاريخية الي معالجة للثغرات التي ظهرت في التطبيق, ويشير اليها تقرير مجلس الشوري مثلا, وهي زيادة أعداد الناخبين في كل لجنة مما أرهق المواطنين والقضاة, ولم يكن الوقت كافيا حتي بعد زيادة ساعتين مما عرقل مباشرة الحق الدستوري لبعض الناخبين, مما يستلزم انقاص عدد الناخبين في اللجان وزيادة اللجان الفرعية, وليس هناك ما يمنع من زيادة مراحل الانتخاب الي أرب مراحل بدلا من ثلاث, اذا كان ذلك ضروريا, مادام الهدف أن يكون المجلس النيابي مرآة حقيقية تعكس إرادة الناخبين بوضوح ودقة.
وفي هذا السياق, تظهر أهمية ما لاحظته لجنة مجلس الشوري من ضرورة تنقية جداول الانتخابات, وإصدار تشريع بنظر الاعتراضات علي المرشحين علي وجه السرعة وخلال وقت محدد, حتي لا تضيع الفرصة علي أصحاب الحقوق, وقد أظهرت الانتخابات الأخيرة ضرورة إصدار تشريع لوضع حد فاصل لحم تنازع الاختصاص بين القضاء الإداري والقضاء المدني, وبينهما وبين مجلسي الشعب والشوري, كما أظهرت ضرورة وضع تشريع جديد لتعريف العامل والفلاح تعريفا دقيقا جامعا مانعا لا يحتمل اللبس أو التحايل.
وهذه بعض ملامح الميثاق الجديد, ويحتاج الأمر الي عودة بالتحليل والدراسة في ضوء تقرير مجلس الشوري الذي تميز بالعمق والأصالة.