الإصلاح الإقتصادى

نتحدث كثيرا عن ضرورة الإصلاح السياسي‏,‏ والإصلاح الاقتصادي‏,‏ والإصلاح الاجتماعي‏,‏ والإصلاح الإداري‏,‏ ولكننا دائما نغفل نقطة البداية لكل ذلك‏,‏ وهي الإصلاح الثقافي‏,‏ بالرغم من احساسنا واعترافنا جميعا بأن ثقافة المجتمع في حاجة الي تغيير شامل‏,‏ لترسيخ قيم إيجابية جديدة‏.‏

والحقيقة أن أجهزة الثقافة الحكومية تعمل منذ سنوات دون فلسفة واضحة‏,‏ أو هدف محدد‏,‏ وتختزل مفهوم الثقافة في شيء واحد هو الفن‏,‏ والفن ـ مع أهميته البالغة ـ رافد من روافد الثقافة وليس كل الثقافة‏,‏ بل إن هذه الأجهزة تختزل مفهوم الفن في إقامة احتفالات ومهرجانات الرقص واستيراد الاتجاهات الغربية في الفن‏,‏ التي تعبر عن أزمة مجتمعات مختلفة عن مجتمعنا‏.‏


غاب عن أجهزة الثقافة الحكومية الاحساس بمسئوليتها عن تجديد الفكر والعقل المصري‏,‏ وغرس قيم جديدة تدعم جهود الإصلاح والتطوير والتحول القائمة في المجالات الأخري‏,‏ واختارت أن تواجه فكر التعصب والإرهاب بأن تفتح الأبواب للنقيض ليدخل فكر الانحلال والتحلل‏,‏ بدلا من أن تقدم فكرا إيجابيا صحيحا بديلا للفكر المريض والجامد‏,‏ والانتهازي الذي يروج له الإرهاب والتعصب‏.‏

ولا نستطيع أن نلمس خطا فكريا محددا وواضحا للأجهزة الحكومية في ميادين الثقافة‏,‏ ولا نعرف بالتحديد ماذا تريد‏..‏ ولماذا تقدم ما تقدمه وما هي الأهداف التي تريد أن تحققها‏..‏ وواضح أن هذه الأجهزة تعمل بدون سياسة محددة وواضحة‏,‏ ولا تضع في اعتبارها أن الثقافة سلاح شئنا أم أبينا‏..‏ وهذا السلاح إما أن نستخدمه لمصلحتنا أو ضدنا‏,‏ ولكي تكون الثقافة سلاحا معنا فلابد أن يكون في أيدي حراس للمجتمع وللقيم والأهداف‏,‏ التي يقوم عليها هذا المجتمع‏,‏ ولابد أن يكون هذا السلاح موجها ضد أعداء المجتمع وليس الي أبناء المجتمع‏,‏ وأن يكون موجها للدفاع عن المجتمع وعن القيم ولا يوجه في الاتجاه الخاطيء‏.‏


الثقافة هي الأساس في تكوين العقل وغرس الأفكار والاتجاهات النفسية الشعورية واللاشعورية‏..‏ وبالتالي من الممكن أن تكون الثقافة قوة ومن الممكن أن تكون مصدر الضعف‏,‏ كذلك من الممكن أن تعمل علي ايقاظ الوعي لدي الناس‏,‏ ومن الممكن أن تعمل علي تغييب الوعي‏..‏ وأيضا من الممكن أن تكون عاملا يحرض علي التمسك بالمباديء أو يحرض علي التخلي عنها‏..‏ وأن تكون مع الحرية والتغيير والتجديد والبناء‏,‏ أو علي النقيض من ذلك‏..‏ فأين يمكن أن نضع جهود الأجهزة الحكومية الآن‏..‏ وفي أي اتجاه تسير‏..‏ وماذا حققت هذه الأجهزة‏..‏؟

والثقافة في الأساس مرتبطة بالمسئولية‏..‏ وكل مثقف اذا كان مثقفا بحق‏,‏ وثقافته ليست بضاعة فاسدة أو مغشوشة‏,‏ فهو مسئول بالضرورة‏,‏ ومسئولية المثقفين أكبر من مسئولية غيرهم‏,‏ فإذا تخلي المثقف عن مسئوليته الاجتماعية والأخلاقية والوطنية‏,‏ فإنه يكون قد ارتكب خيانة للمجتمع‏,‏ وللثقافة ذاتها‏..‏ وبالثقافة يستطيع المثقف أن يسهم في انحلال وتدهور قيم المجتمع‏,‏ وانحلال وتدهور الشخصية القومية‏,‏ ويجذب المجتمع الي السقوط‏,‏ ويستطيع ـ اذا كان مثقفا واعيا ومدركا لمسئوليته ـ أن يسهم في رفع القيم الإيجابية في المجتمع‏,‏ ويكون له الدور الأكبر في بناء عوامل التماسك والقوة ودوافع العمل والاخلاص والنزاهة‏,‏ واخلاقيات المواطنة السليمة والانتماء‏..‏ بالثقافة يمكن أن يحدث اختلال في التوازن في المجتمع‏,‏ ويمكن معالجة كل اختلال يحدث وإعادة التوازن الي المجتمع‏..‏


الثقافة ليست مجرد مهرجانات واحتفالات ورقص وتسلية‏..‏ الثقافة ليست عملية عابثة‏..‏ والمثقف لايمكن أن يتحول الي مهرج أو قائم بوظيفة تلهية الناس عن حقائق حياتهم وضرورات تقدمهم‏..‏ الثقافة ـ باختصار ـ هي البناء‏..‏ والارتقاء‏..‏ والحرية‏.‏

وأتمني أن يقرأ كل مسئول عن الأجهزة الحكومية في الثقافة الكتاب القيم الذي صدر أخيرا للدكتور نبيل عزمي‏,‏ وهو من خبراء تكنولوجيا المعلومات‏,‏ وكتابه عن الثقافة العربية وعصر المعلومات كي يدركوا أن المفاهيم التي يديرون بها أجهزة الثقافة مفاهيم قديمة لم تعد صالحةفي عصر المعلوماتية‏,‏ وليدركوا أيضا أن الثقافة أصبحت تشمل الفكر‏,‏ والمعلومات‏,‏ واللغة‏,‏ والتربية‏,‏ والإعلام‏,‏ والقيم‏,‏ والمعتقدات‏,‏ والإبداع الفني‏,‏ وفي غياب عنصر من هذه العناصر يصبح البناء الثقافي ناقصا‏.‏


من أين نبدأ الإصلاح الثقافي‏..‏؟

نقطة البداية لكل اصلاح أن تقوم به قيادات راغبة في الإصلاح‏,‏ وقادرة عليه‏,‏ ولها قبول من عموم المثقفين لكي تحتل موقع القيادة عن رضا واقتناع منهم‏.


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف