البعد الغائب عن التسوية
كل مشروعات التسوية للقضية الفلسطينية وللصراع العربي ـ الاسرائيلي تراعي فقط اعتبارات وضمانات أمن اسرائيل, ولا تعمل حسابا لأمن الفلسطينيين أو أمن العرب.. والمساعي الأمريكية جميعها تريد ان تجعل ضمانات أمن اسرائيل في أولوية المسئوليات العربية.. بحيث يصبح العرب مسئولين مسئولية كاملة عن أمن الدولة الاسرائيلية وكل المستوطنات والمستوطنين بصرف النظر عن مسألة العدل اذا كان الي جانب الفلسطينيين والعرب, أو الاغتصاب واستخدام القوة اذا كان الي جانب اسرائيل.
وانحياز اسرائيل للمشروع الصهيوني القائم علي الاطماع والعنف والاغتصاب يمكن أن يكون مفهوما لانه يتسق مع طبيعة نشأتها وتكوينها وتركيبة شعبها, فلا يمكن ان يكون مقبولا, لان كل ما بني علي باطل فهو باطل, وكل دولة تقوم علي الظلم لابد ان تنتهي أسوأ نهاية, ولن تكون اسرائيل بأفضل من الامبراطورية الرومانية, أو دولة هولاكو وجنكيزخان, أو نظام النازي, أو الاتحاد السوفيتي السابق.
ان كانت الحلول القاذمة علي اقرار مبدأ الظلم والاغتصاب مفهومة من جانب اسرائيل وغير مقبولة, فان هذه الحلول ذاتها اذا جاءت من الولايات المتحدة بالذات فانها تكون غير مفهومة وبالطبع فهي غير مقبولة علي المدي القصير أو علي المدي الطويل.
فالولايات المتحدة تري وتسمع التهديدات الاسرائيلية علي لسان رئيس الوزراء باراك بمواجهة شاملة مع كل الدول العربية, ولا تتحرك الادارة الامريكية أو يصدر عنها ما يشير الي رفض أو استنكار هذه التهديدات التي تمثل نكوصا وتراجعا خطيرا في استراتيجية اسرائيل التي ظلت تعلنها منذ توقيع معاهدة السلام المصرية ـ الاسرائيلية عام1979.. فقد سايرت اسرائيل المناخ العام المليء بالتفاؤل الذي اشاعته الولايات المتحدة بان مرحلة استخدام القوة أو التهديد باستخدامها قد انتهت ولن تعود, وان اسرائيل حريصة علي الا تسيل الدماء من أي جانب, وان ينمو الاطفال الفلسطينيون والعرب والاسرائيليون في ظل السلام والتعايش والقبول المتبادل.. ولقد تكررت هذه الوعود الأمريكة والاسرائيلية كثيرا منذ عام1979.. وتكررت علي لسان الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الاسرائيلي بعد توقيع الاتفاق الفلسطيني الاسرائيلي الخاص بالترتيبات الانتقالية للحكم الذاتي الفلسطيني في البيت الأبيض في13 سبتمبر1993, وتكرر أيضا بعد توقيع وثيقة القاهرة الخاصة بالخطوات التنفيذية للاتفاق والوضع في غزة وأريحا وذلك في9 فبراير1994. وتكرر مع توقيع الاتفاق بين اسرائيل والأردن.. وهناك ملف كامل يضم عشرات الاتفاقات وآلاف الوعود الأمريكية والاسرائيلية ومع ذلك فها هو باراك يتحدث عن المواجهة الشاملة ويعلن انه اعطي للجيش الاسرائيلي حرية الفعل.!
والفلسطينيون والعرب, لم يكونوا أبدا في أي وقت هم البادئين بالعدوان علي اسرائيل, ولكن العكس هو الذي يحدث منذ82,67,56,48, والعرب لم يقتحموا أرض دولة اسرائيل ولكن القوات الاسرائيلية هي التي اقتحمت دائما الأراضي العربية, والدماء دائما تسيل علي الأرض العربية وليس علي الأرض الاسرائيلية, والتخريب في المدن والقري والمنشآت العربية.. ينطبق ذلك علي جميع الحروب العربية ـ الاسرائيلية كما ينطبق علي الانتفاضتين الأولي والثانية.. ساحة القتل دائما هي الأرض العربية.. والقتلي دائما من العرب.. والباديء بالعدوان دائما هو اسرائيل.
معني ذلك انه ليس هناك تهديد حقيقي لأمن اسرائيل يستدعي كل هذا الانحياز الأمريكي إلي جانب إسرائيل وضد المصالح العربية والأمن العربي. لان التهديد في الماضي والحاضر والمستقبل موجه الي الفلسطينيين والعرب. ولو كانت الولايات المتحدة تريد اقرار السلام في المنطقة وانهاء الصراع بين العرب واسرائيل فليس أمامها إلا أن تراعي مبدأ العدالة وتحقيق التوازن العادل بين المصالح الاسرائيلية والمصالح العربية.. وبين ضمانات الأمن لاسرائيل وضمانات الأمن للعرب.. فهذا هو الطريق أيضا لضمان المصالح الأمريكية في المنطقة ولاستمرار العلاقات العربية ـ الأمريكية علي أساس من الثقة.
ولكي يتحقق ذلك فلابد ان تعيد الولايات المتحدة النظر في موقفها من الانحياز الكامل لاسرائيل بحيث لا يصل الي درجة يصبح فيها انحيازا ضد العرب. واذا رأت أن أمن اسرائيل يقتضي ان تكون لها حدود آمنة فان الدولة الفلسطينية أيضا يقتضي أمنها ان تكون لها حدود آمنة.. واذا كانت الولايات المتحدة تؤيد وتمول بناء المستوطنات الاسرائيلية فلابد أن تضمن ان تكون هذه المستوطنات علي أرض اسرائيل وليس علي ارض الدولة الفلسطينية.. علي الاقل بالعودة الي الحدود التي كانت قبل غزو اسرائيل للعرب عام67.. واذا كانت الولايات المتحدة تؤيد وتمول تهجير اليهود من جميع أنحاء العالم الي اسرائيل مع انها ليست وطنهم ولا وطن آبائهم ولا اجدادهم ولا صلة لهم بها إلا العقيدة الدينية والاساطير المتصلة بها.. فلابد علي الأقل ان تعطي نفس الحق للفلسطينيين المشردين الذين طردوا من وطنهم وبيوتهم ومزارعهم التي يملكونها.. وهم ولدوافي هذه الأرض هم أباؤهم واجداد اجدادهم.
وباختصار: فان كل حل يراعي توفير كل ما تطلبه اسرائيل بحجة الأمن ويتجاهل الحد الأدني من اعتبارات الأمن للفلسطينيين ودولتهم. وللعرب ودولهم.. لن يكون حلا.. لان الفلسطينيين والعرب هم الأكثر تعرضا للعدوان الاسرائيلي والأكثر احتياجا للأمن وضماناته وهذا هو البعد الغائب في مشروع التسوية الأمريكية..