نريد . و نريد من مجلس الشعب

مع كل مجلس شعب جديد يتجدد الأمل في ان يحقق خطوة أوسع نحو مزيد من القدرة علي تحمل مسئوليته‏,‏ وتأكيد الممارسة الديمقراطية السليمة‏,‏ والمشاركة الايجابية في صناعة كل قرار وكل قانون‏..‏ والأمل في مجلس الشعب الجديد أكبر من الآمال التي كانت معقودة علي غيره‏.‏

مجلس الشعب الجديد يبشر بأن مصر سوف تشهد حياة برلمانية قوية تعبر فيها كل القيادات والقوي السياسية عن نفسها في جو من الحرية الكاملة والتسامح‏.‏ والحرص علي رعاية مصالح الشعب اولا‏,‏ والإسهام في تجديد الحياة السياسية وزيادة الفاعلية والحيوية فيها‏,‏ والدفاع عن مصالح غير القادرين علي الدفاع عن مصالحهم من أصحاب الصوت الغائب في وسط ضجيج وصخب اصحاب الصوت العالي‏..‏ وليكن الهدف الذي لايمكن التفريط فيه أو الحيدة عنه هو الحفاظ علي وحدة الوطن‏.‏


ومن حسن حظ مجلس الشعب الجديد انه يبدأ عمله في جو من الثقة الشعبية في قدرته علي أداء دوره الدستوري دون تفريط أو تهاون‏,‏ وباحترام كامل للدستور والقانون‏,‏ خاصة في أول قضية ستعرض عليه وهي قضية صحة عضوية بعض الأعضاء وهل سيكون الدستور والقانون وحدهما معيار الحكم أم ستدخل الاعتبارات الأخري التي اساءت إلي صورة ومكانة مجلس الشعب السابق‏..‏

والاسئلة التي تواجه مجلس الشعب كثيرة‏..‏ هل سيمارس الرقابة علي اعمال الحكومة ضمانا لحسن الأداء ونزاهته‏..‏؟ وهل سيدقق في دراسة القوانين الجديدة لتصدر مبرأة من العيوب الدستورية وعيوب الصياغة نتيجة التسرع‏..‏؟ وهل سيقدم الاعضاء هذه المرة النموذج والقدوة للقيادة السياسية الممثلة للشعب والملتزمة بالتجرد‏,‏ والموضوعية‏,‏ والنزاهة‏,‏ والشجاعة في الحق‏,‏ والحرص علي الصالح العامة قبل المصالحة الخاصة‏,‏ والالتزام بخدمة الجماهير في الوطن كله وليس في دائرة أو محافظة أو مدينة علي حساب غيرها‏..‏؟

ولقد سبق ان طالب الرئيس حسني مبارك مجلس الشعب السابق بأن يؤدي واجبه بالكامل‏,‏ وكرر امامه اكثر من مرة ان رقابة مجلس الشعب علي أعمال الحكومة ضمانة اساسية لحسن الأداء‏,‏ ورقابة الشعب علي سائر المؤسسات والمرافق هي الوسيلة لمحاربة الفساد‏,‏ وأن هذه الرقابة لكي تكون رشيد تتطلب توافر عدة شروط‏:‏ الفهم المتبادل بين الحكومة ومجلس الشعب والتعاون بينهما لتحقيق الأهداف القومية وهي أهداف يجب ان يلتف حولها الجميع بصرف النظر عن انتماءاتهم الحزبية‏,‏ ومصالحهم الشخصية‏,‏ ولن يتحقق ذلك إلا بالاحتكام إلي الحقائق‏,‏ والتمسك بالنزاهة‏.‏ بذلك يسهم المجلس في تصحيح كثير من أوجه القصور‏,‏ وتغيير كثير من التعقيدات وحل كثير من المشاكل التي تزيد صعوبة الحياة علي الفئات الأولي بالرعاية في المجتمع من الفقراء والمهمشة وذوي الاحتياجات الخاصة وضحايا البطالة والغلاء‏.‏


نريد من مجلس الشعب الجديد لكي يرتفع إلي مستوي هذه المرحلة الدقيقة التي يمر فيها المجتمع بعملية التحول الشامل‏.‏ في ثلاث جبهات في وقت واحد‏:‏ التحول السياسي الديمقراطي‏,‏ والتحول الاقتصادي لتجاوز الصعوبات القائمة والقادمة‏,‏ والتحول الاجتماعي في القيم والسلوك وبناء العقول والعلاقات الاسرية والاجتماعية‏.‏ ولكي يرتفع المجلس إلي مستوي هذه المرحلة لابد ان يضع امامه قانونا يحكم عمله في كل لحظة‏:‏ هو احترام حرية الرأي‏,‏ واتاحة الفرصة لكل الآراء للتعبير عن مواقفها بصرف النظر عن انتمائها الحزبي أو الفكري‏..‏ ولتكن هذه الحرية من أجل البناء والتصحيح والوصول إلي الأفضل والاكمل من الخيارات المطروحة وليست وسيلة لتمزيق الوطن واهدار قواه‏..‏ الحرية يجب ان تكون لهدف واحد هو المصلحة العامة‏..‏ ولتكن الاهداف القومية العليا موضع اتفاق من الجميع‏,‏ ولا تكون موضع خلاف أو منازعة‏,‏ وهذا الاتفاق العام علي مصالح الوطن العليا هو السياج الحقيقي لحرية وسلامة وتقدم الوطن‏,‏ وهو الضمان الحقيقي لسير العمل البرلماني والشعبي في الاتجاه الصحيح دون ان تضل الخطي‏,‏ أو تختلط الأمور‏,‏ او تضيع الحقيقة والمصلحة الوطنية في ضجيج الاصوات العالية‏.‏

ولقد تكررت مطالبة الرئيس مبارك للمجلس السابق بأن يأخد المجلس وفقه في دراسة مستفيضة لمشروعات القوانين لكي تصدر صحيحة من الناحية الدستورية‏,‏ ومحكمة الصياغة‏,‏ وخالية من الثغرات‏,‏ ولكن ذلك لم يتحقق كثيرا‏..‏ وطالب كثيرا بأن يحرص مجلس الشعب علي تحقيق التوازن بين مصالح فئات الشعب المختلفة‏,‏ والتوازن بين الحقوق والواجبات‏,‏ والحرص علي حماية وتأكيد البعد الاجتماعي في كل مشروع وكل قانون‏,‏ وتعميق قيم العمل‏,‏ وتشجيع مبادرات الأفردا‏,‏ ومراعاة استقرار المجتمع‏,‏ والمساواة بين الأفراد امام القانون دون تفرقة بين كبير وصغير‏..‏

وفي اكثر من مرة وضع الرئيس مبارك أمام مجلس الشعب السابق تصوره للمجتمع الذي يطالب المجلس بالمساعدة في تحقيقه‏..‏ مجتمع يسوده الترابط ولايجور فيه القوي علي حق الضعيف‏..‏ مجتمع مفتوح تسوده ديمقراطية صحيحة‏..‏ مجتمع الكسب الحلال بلا شروط إلا شرطا واحدا ان يؤدي حق المجتمع في الضرائب‏..‏ مجتمع يسمح بمراجعة الآراء باستمرار دون تصلب في الرأي أو تطرف في المواقف‏..‏ مجتمع لايضيق فيه مسئول بالنقد أو يعلو فيه المسئول فوق المساءلة‏..‏ مجتمع تعلو فيه أصوات الذين يعملون للمستقبل ويبتعد فيه الذين يعملون علي اثارة غبار الماضي وتصفيتة حساباته‏..‏


هذا بعض مانريده‏..‏ فهل سيحقق مجلس الشعب آمالنا فيه بأكثر مما فعل السابقون‏..‏؟


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف