نظرية السلام الإسرائيلى

لمجزرة التي يتابعها العالم علي شاشات التليفزيون‏,‏ في المدن الفلسطينية‏,‏ ليست أول مجزرة‏,‏ ولن تكون الأخيرة‏..‏ وباراك ليس أول سفاح إسرائيلي يداه ملطختان بدم الفلسطينيين ولن يكون الأخير‏..‏ وابتسامة الخداع الإسرائيلي في وجه بيريز وعباراته المراوغة عن إمكان تحقيق سلام يرضي كل الأطراف‏,‏ ليست الأول ولا الأخيرة‏..‏ فقد عايشنا كل ذلك أكثر من نصف قرن‏,‏ حتي أصبحنا نشعر بالغثيان من الغطرسة الإسرائيلية من ناحية‏,‏ والنفاق الإسرائيلي من ناحية أخري‏..‏ ولم يعد أحد من العرب يصدق أن في إسرائيل صقورا وحمائم‏,‏ ولكنها تمثيلية كبري يؤدي فيها البعض دور الحمائم‏,‏ الي أن تنتهي الصقور من إنجاز مهمتها‏.‏

هذا هو مايحدث في المدن الفلسطينية‏..‏ ليس فيه جديد‏..‏ القتل والهدم والطرد والحصار‏,‏ هو هو‏,‏ كما ظل يحدث منذ نصف قرن‏..‏ الجديد فقط هو وجود السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني رهينة في يد الاحتلال الإسرائيلي‏..‏ وإضافة عنصر جديد في زيادة أوهام السلام هو المباحثات والمفاوضات واللقاءات التي تتم برعاية الولايات المتحدة منذ عشر سنوات‏,‏ ولم تحقق شيئا للفلسطينيين‏,‏ بينما حققت الكثير للإسرائيليين‏.‏

ويبدو أن العرب يجب أن يدركوا أن العنف والغطرسة واغتصاب الأرض‏,‏ هي الوجه الحقيقي لإسرائيل‏..‏ هي طبيعة التكوين والوجود‏..‏ ومنذ البدايات الأولي بعد الحرب العالمية الأولي‏,‏ وضعت بذور الدولة الإسرائيلية في أرض الفلسطينيين بالإرهاب وسفك الدماء‏..‏ عصابات تشن غارات مفاجئة لتقتل الفلسطينيين وتنتزع منهم كل يوم قطعة من أرضهم‏..‏ وتشن غارات علي حدود الدول العربية المجاورة‏..‏ وفي نفس الوقت لاتترك مناسبة إلا وتطرح عرضا للسلام‏,‏ وتتهم العرب بأنهم هم المعتدون‏,‏ والإسرائيليون في موقف الدفاع عن النفس لا أكثر‏..‏ هذا السيناريو القائم علي المغالطة والكذب والنفاق السياسي‏,‏ ظل يتكرر كما هو مع تغيير في الإخراج يتناسب مع ظروف كل مرحلة‏.‏


ونظرية السلام الإسرائيلي تقوم منذ البداية‏,‏ علي فرض الأمر الواقع‏,‏ وجوهرها الضغط علي الفلسطينيين‏,‏ الي أن يستسلموا‏,‏ ويسلموا بكل شروط إسرائيل‏,‏ ويوقعوا بالتنازل عن أرضهم وحقوقهم‏,‏ ويقبلوا العيش تحت الحصار الدائم مهددين بالجوع والقتل في أي لحظة‏,‏ وراضين بالحياة في الشتات بعيدا عن وطنهم‏,‏ لكي تستقبل إسرائيل اليهود من كل أنحاء العالم‏..‏ ويعيش علي أرض الفلسطينيين يهود لم يعرفوا هذه الأرض من قبل‏,‏ لا هم‏,‏ ولا آباؤهم وأجدادهم‏.‏

ونظرية السلام الإسرائيلي‏,‏ تعني أن يلتزم الفلسطينيون بتنفيذ كل ما تطلبه إسرائيل‏,‏ بما في ذلك اعتقال من يفكر منهم في مقاومة الاحتلال‏,‏ أو يعلن رفض اغتصاب أرضه وبيته‏,‏ بينما لا تنفذ إسرائيل شيئا مما تلتزم به‏..‏ أي أن تكون لها الحرية في أن تنفذ أو لا تنفذ ما توقع عليه من اتفاقات وتعهدات‏..‏ وليس للفلسطينيين حتي حق الاعتراض‏.‏

وهذه النظرية قديمة‏,‏ فقد كان زعماء عصابات الإرهاب الصهيوني الأوائل‏,‏ يتحدثون عن السلام في أعقاب كل مذبحة يرتكبونها‏,‏ ويتهمون الفلسطينيين بأنهم هم الذين يرفضون السلام ويعملون ضده‏..‏ وقد اتضحت معالم نظرية السلام الإسرائيلي في عام‏1957,‏ حين سئل بن جوريون عن موقف إسرائيل من عودة بعض الفلسطينيين المطرودين الي وطنهم‏,‏ فأجاب‏:‏ إننا نعرض علي العرب ميثاقا للسلام لمائة عام‏,‏ ولكن الساعة لايمكن أن تعود الي الوراء‏,‏ وإسرائيل لايمكن أن تقبل اللاجئين الفلسطينيين‏,‏ والحل العملي العادل هو توطينهم في المناطق الخالية من السكان‏,‏ والغنية بثرواتها الطبيعية‏,‏ في سوريا والعراق‏!,‏ وما قاله بن جوريون هو مايقوله اليوم باراك بعد‏43‏ عاما‏,‏ أي أن النظرية هي هي‏..‏ والفارق في الإخراج‏.‏


وجولدا مائير‏,‏ لم تخجل من أن تعلن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة‏,‏ في نوفمبر‏1960:‏ إن إسرائيل تعلن بكل وضوح أنها لايمكن أن تسمح بعودة أي لاجيء الي أرضه‏..‏ وحتي بعد خروج بن جوريون جاء بعده أشكول وقيل إنه أكبر حمامة سلام‏(‏ تماما كما قيل عن باراك عندما جاء‏),‏ وقيل إنه الممثل للتيار المعتدل الرافض للحرب‏(‏ وما أكثر ما يقال اليوم عن تيار إسرائيلي معتدل راغب في العدل والسلام‏),‏ وأعلن أشكول بعد يوم واحد من توليه‏:‏ إن إسكان اللاجئين في البلاد العربية هو الحل الوحيد الذي يتفق مع مصالحهم الأساسية ويتفق مع مصالحنا كذلك‏,‏ وأضاف‏:‏ لم تحل مشكلة لاجئين كبيرة في التاريخ الحديث بإعادتهم الي موطنهم الأصلي‏..‏ ولم يذكر أحد أن إسرائيل هي النموذج الفريد لدولة قامت علي أسطورة أن كل يهود العالم لهم الحق في أرض فلسطين‏..‏ أما الفلسطينيون فليس لهم الحق في وطنهم ووطن أجدادهم التي عاشوا عليها آلاف السنين‏..‏

محور نظرية السلام الإسرائيلي‏,‏ الاستيلاء علي أرض فلسطين‏..‏ واغتصاب القدس والمسجد الأقصي‏..‏ كانت القدس مدينة موحدة فقسموها شطرين‏,‏ وقالوا القدس الغربية لإسرائيل‏,‏ والآن يقولون القدس الشرقية أيضا لإسرائيل‏,‏ والمقدسات الإسلامية التي مازالت حتي اليوم‏,‏ وفي ظل الاحتلال الإسرائيلي‏,‏ مملوكة لأوقاف المسلمين‏,‏ وهي التي تتولي إدارتها‏,‏ تريد بالدبابات والطائرات والصواريخ إرهاب الفلسطينيين ليرضخوا ويقبلوا بتسليمها للسيادة الإسرائيلية‏..‏ وتريد من العرب والمسلمين أن يصدقوا الأكذوبة الكبري بأن المسجد الأقصي هو هيكل سليمان‏,‏ وأن قبة الصخرة المشرفة هي جبل الهيكل‏..‏ ولا ندري ماذا لديهم من أساطير لاغتصاب أراضي ومقدسات أخري‏..!‏ وليس بعد المسجد الأقصي ما هو عزيز‏..‏


نظرية السلام الإسرائيلي‏,‏ قائمة علي إلزام العرب بأن يفتحوا أبوابهم وبلادهم وعقولهم وأسواقهم لها‏..‏ وتغلق إسرائيل أبوابها في وجوههم‏..‏ وأن يقبل العرب ـ طواعية ـ الوقوع في شرك الانقسام لكي تقطع كل دولة علاقاتها بكل دولة عربية‏,‏ ولو علي مراحل‏,‏ لكي تبقي الروابط في المنطقة هي التي تربط بين إسرائيل وكل دولة عربية علي حدة‏,‏ وتنفرد إسرائيل كقائدة للمنطقة‏,‏ بامتلاكها التكنولوجيا الحديثة‏,‏ وسيطرتها علي الأسواق والعقول وعلي الأرض‏..!‏ ولذلك تضرب إسرائيل سرا وعلانية‏,‏ فكرة القومية العربية‏,‏ وكل دعوة للوحدة‏,‏ أو حتي التقارب أو ما هو أقل مثل تصفية الأجواء العربية‏,‏ وتعتبر كل لقاء عربي هو عمل عدواني موجه ضدها‏,‏ وإسرائيل توقد النيران من وراء ستار وبأيدي عملائها لإشعال العداوات والحروب السياسية والإعلامية‏,‏ بل والحروب الاقتصادية بين الدول العربية وبعضها‏..‏ وتعرقل كل تقارب أو تعاون اقتصادي عربي‏..‏ لكي تصبح إسرائيل هي دولة المحور‏..‏ وتروج لفكرة أنها جزيرة الديمقراطية والتقدم العلمي والتكنولوجي والحضاري‏,‏ وسط محيط من الجهل والتخلف‏..‏ وهذه بعض جوانب الاستراتيجية الإسرائيلية للسلام‏..‏ فما هي الاستراتيجية العربية‏..‏ موضوع يستحق التفكير‏.

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف