دراسة عن الفضائيات الإسلامية دراسة عن الفضائيات

ازداد عدد الفضائيات الإسلامية زيادة كبيرة حتى أصبحت الآن أكثر من 80 قناة، وازداد تأثيرها فى فكر وسلوك جمهور عريض من المشاهدين من مختلف الأعمار والثقافات ويعتبرونها مرجعيتهم التى يتلقون منها معلوماتهم عن العقيدة والشريعة والأخلاق ويثقون فيما يقوله المتحدثون فى برامجها عن الحلال والحرام، وكثير من متابعى هذه القنوات يعتبرون المتحدثين فيها قدوتهم فى الحياة ومصدرهم لمعرفة منهج الإسلام فى التعامل مع قضايا الدين والدنيا وما يتصل بعلاقاتهم وشئون عباداتهم وحياتهم اليومية
هذا التأثير الكبير يلقى على الفضائيات الإسلامية مسئولية دينية واجتماعية كبرى، وتدعوها إلى أن تقوم بإجراء مراجعة موضوعية للسلبيات والايجابيات فى أدائها. وهذا ما دعا مراكز البحوث الخاصة بالإعلام والرأى العام إلى اجراء دراسات ميدانية عن هذه القنوات، وتحليل مضمون المواد التى تقدمها، وآخرها دراسة للدكتورة مروة الصيفى انتهت فيها إلى أن القنوات الإسلامية فى الفترة الأخيرة أعادت رجال الدين إلى صدارة الساحة الإعلامية وأصبح بعضهم يتمتع بشهرة جماهيرية واسعة، وتتعمق آراؤهم فى عقول الناس، ويمتد تأثيرهم إلى الشباب وإلى الاطفال الذين يشاهدون هذه البرامج مع أهاليهم كما يتأثرون بالقنوات والبرامج الإسلامية المخصصة للأطفال.
***
ومن تحليل مضمون القنوات الإسلامية فى التليفزيون لاحظت الدكتورة مروة أن معظمها لا يقدم إعلاما دينيا بالمفهوم العلمى للإعلام، ومع ذلك فهى تؤثر فى تشكيل الرأى العام بما فى ذلك آراء بعض المتحدثين تعليقا على الأحداث والشخصيات السياسية بما فى هذه الآراء من تجاوزات فى التعبير أحيانًا يصل إلى حد التحريض واستسهال الحكم بالكفر والإفتاء بالقتل. وبسبب انتشار فتاوى التكفير اعتزل بعض الدعاة المعتدلون التعامل مع هذه القنوات كما فعل الدكتور وسام عبد الوارث رئيس مجلس إدارة قناة الحكمة التى أذاعت فى شهر مايو 2012 دعوة المصريون للجهاد واقتحام وزارة الدفاع حتى لو أدى ذلك إلى مزيد من الدماء، كما أطلقت قنوات أخرى نداءات تدعو للجهاد ضد أصحاب الآراء السياسية المخالفة، وتردد أن الديمقراطية والليبرالية كفر وحرام شرعا ومن يعتنقها كافر، وبعض الدعاة يرددون أن المسلمين يجب أن يخوضوا حربا حتى النصر أو الشهادة للقضاء على «الكفار» من أصحاب «الفكر» المخالف لهم، وشهدت ساحات المحاكم قضايا اتهم فيها دعاة بازدراء الدين المسيحى، وسب نساء مصر. ومن بعض القنوات الإسلامية انطلقت نداءات لمحاصرة المحكمة الدستورية ومدينة الانتاج الإعلامى مع وصف الإعلام بأنه «إعلام فاسد» واهتمت بإذاعة هتاف بعض المتظاهرين «الشعب يريد تطهير الإعلام»، و «الشعب يريد تطهير القضاء» وهكذا.
وإذا كانت سياسية بعض القنوات الإسلامية تعبر عن التشدد والتوسع فى التحريم والتكفير، فإن هناك قنوات أخرى تعتمد سياستها على الاعتدال والتعبير عن سماحة الإسلام والدعوة إلى احترام أهل الأديان الأخرى، وفى نفس الوقت هناك قنوات تخلط بين الفتوى الدينية وبين الرأى السياسى، وهذا ما دعا الإعلامى المعروف عاطف عبد الرشيد الرئيس السابق لقناة الحافظ ومؤسس قناتى الناس والبركة إلى القول بأن الفضائيات الإسلامية قبل الثورة لم تكن تتحدث فى الأمور السياسية وإلا تعرضت للإغلاق وكانت تقتصر على الموضوعات الدينية والاجتماعية، ولكن بعد الثورة تحولت لهجتها إلى الجرأة فى الطرح والنقد وبعض المتحدثين فى لغتهم إسفاف لا يليق برجال الدين، ولهذا دعا الإعلامى عاطف عبدالرشيد هذه القنوات إلى الألتزام بأخلاقيات الإسلام وأن تكون نموذجا يقتدى به الناس فى تعبيرهم وتعاملاتهم، وألا تكون مفتوحة أمام «دعاة»، لا تتوافر فيهم القدرة على ضبط العبارة والتواصل مع الجمهور ويخاطبون الناس كما أمر الله (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ). وأن يجادلوا من يختلف معهم( وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) دون اللجوء إلى العنف فى التعبير والتجريح والسب والتكفير، كما دعا هذه القنوات إلى الرجوع عن الحجة التى يرددونها بأنهم يردون على قنوات فضائية سياسية فيها تجاوزات فى التعبير ويتعاملون بالمثل، وهذا يخالف أمر الله( وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى). ووصفه سبحانه وتعالى للمؤمنين بأنهم(وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً
***
ولا ينبغى السكوت وقد تحولت بعض القنوات الإسلامية إلى ساحات حرب مشتعلة بين المسلمين الشيعة والسنة، أو بين السلفية والصوفية.. وهكذا وبالطبع ليست كل القنوات الإسلامية سواء، وإذا كان بعضها يسىء إلى الإسلام ويقدم لأعداء الإسلام مادة خصبة للهجوم عليه، فإن بعضها الآخر يخدم الإسلام ويقوم بدور مهم فى التعليم والتوجيه والتوعية بمبادئ الإسلام والدعوة إلى التقارب والتعاون بين أصحاب الديانات والمذاهب المختلفة.
***
ولا شك فى أن وجود القنوات الفضائية الإسلامية ضرورة شرعية لتصحيح المفاهيم المغلوطة والغامضة السائدة فى الخارج وفى الداخل لدى جمهور كبير من المسلمين، فإن الواجب الدينى يفرض عليها أن تراجع برامجها وسياستها الإعلامية، وتعيد إختيار المتحدثين ومقدمى البرامج ممن يحسنون التعبير عن الإسلام، والاستعانة بخبراء متخصصين فى الإعلام الدينى، وهذا تخصص قائم بذاته لا يحسن كل أحد القيام به لمجرد أنه عمل مذيعا فى التليفزيون أو لمجرد أنه يتحدث بلغة قرآنية، ولا يمكن أن تستمر بعض القنوات الدينية فى استخدام تقنيات لا تناسب الإعلام الحديث وما حدث من تقدم فى الإمكانات والوسائل والأدوات التقنية وفى أساليب العرض المناسب للتليفزيون، وبالإضافة إلى ذلك فإن التعدد والتشتت يجعل هذه القنوات فى وضع يضعف بعضها بعضا والأفضل أن تلتقى على كلمة سواء، وتتفق على وضع ميثاق شرف أو مدونة سلوك تلتزم بها لتكون صورة مشرفة للفكر الإسلامى الرشيد ولإخلاق الإسلام والالتزام بأمر الله بالدعوة بالحكمة وبالموعظة الحسنة وبالجدال بالتى هى أحسن... ويرتبط بذلك بأن تقتصر القنوات الإسلامية على القضايا الدينية والتوجيه الإسلامى وتبتعد عن التورط فى المسائل السياسية أو إثارة الحساسيات الدينية أو الطائفية بين أصحاب الأديان والمذاهب المختلفة، وعدم السماح لغير المتخصصين بإصدار الفتاوى الدينية، وان تهتم أكثر بالجانب الاجتماعى والأخلاقى فى العقيدة الإسلامية، وتفتح حوارات لبلورة مفاهيم الاقتصاد الإسلامى الذى يحتاج إلى جهود كبيرة من علماء الدين وعلماء الاقتصاد وعدم الاكتفاء بالحديث عن المبادئ العامة لآن الاقتصاد الإسلامى يجب أن يصاغ صياغة محكمة فى نظرية متكاملة فيها المبادئ وفيها كيفية التطبيق فى قضايا مسائل الحياة المعاصرة (البنوك - التأمين على الحياة وعلى الممتلكات.. الخ) هذه مسائل أولى باهتمام وتركيز القنوات الإسلامية بدلا من تركيزها المبالغ فيه على الشكليات فى المظهر والملبس، بينما المظهر لا يجعل الإنسان مسلما وما يجعل الانسان مسلما هو ما وقر فى القلب وصدقه العمل.. والمخلصون فى رغبتهم للاصلاح يراجعون أنفسهم بين الحين والحين لإصلاح السلبيات والتوسع فى الايجابيات، وكل أعمال البشر فيها أخطاء ونقائص تحتاج إلى تصحيح و(كلكم خطاء إلا من رحمته) هكذا قال لنا رب العزة

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف