حقائق و أكاذيب عن الانتخابات

ليس غريبا أن يستمر البعض في الحديث القديم المعاد عن تزوير الانتخابات‏,‏ وأن يسعي إلي الاثارة ويوجه الاتهامات دون دليل‏,‏ فهناك دائما من تغلب عليهنوازعه وانحيازاته‏,‏ فيفقد الشعور بالتغير‏..‏ تتغير الدنيا حوله‏,‏ ولكنه لا يري الا الصورة الذهنية المنطبعة في عقله‏,‏ ولا يري الواقع الجديد ولا يعترف به‏,‏ وهذه الظاهرة اما ان تكون حالة نفسية يتجمد فيها الفكر والرأي فلا يقدر علي متابعة الواقع المتغير‏,‏ واما أن تكون هناك دوافع ومصالح وارتباطات معينة تجعل هؤلاء يمارسون مهمة التضليل وتشويه الحقائق‏..‏ واسوأ صور الانحياز تتمثل في انحياز العلماء‏,‏ ولذلك شدد الله عقاب العلماء اذا ضلوا أو اضلوا غيرهم‏.‏

فالحقائق امامنا تجعلنا نأمل في أن تكون المعركة الانتخابية هذه المرة مختلفة عن المعارك الانتخابية السابقة‏,‏ بعد أن أصبح اشراف القضاء كاملا وشاملا علي جميع مراحل العملية الانتخابية ابتداء من التحقق من شخصية الناخب والتصويت في اصغر لجنة‏,‏ حتي نقل صناديق الانتخاب من اللجان الفرعية الي اللجان العامة إلي عملية فرز الاصوات‏,‏ وإعلان النتائج‏,‏ وبعد ان اعلن رؤساء احزاب المعارضة انهم مطمئنون إلي نزاهة وسلامة الانتخابات في ظل هذا الاشراف القضائي الكامل‏,‏ ولكن هناك دائما ملكيين أكثر من الملك‏,‏ وهناك دائما من يجيد استخدام اسلحة المزايدة والمغالطة‏,‏ أو يتقمص شخصيته دون كيشوت ويحارب طواحين الهواء‏,‏ ولا أعرف ان كان الدكتور سعد الدين إبراهيم من الفئة الأولي‏,‏ أو من الفئة الثانية‏,‏ أو أنه نسيج وحده وحالة خاصة‏.‏


فقد افتعل الدكتور سعد الدين إبراهيم زوبعة بلا مناسبة‏,‏ حين ألقي محاضرة في الجامعة الامريكية دعا اليها مندوبي الصحف الامريكية والتليفزيون الامريكي‏,‏ وكان محور المحاضرة هو التشكيك في نزاهة الانتخابات تحت اشراف القضاء‏,‏ وإعلانه عن تشكيل مجموعات لمراقبة ورصد عملية الانتخابات‏,‏ وكتابة تقارير عنها دون ان يفصح لأي جهة سيقدم هذه التقارير‏.‏

وإذا كان اصحاب المصلحة الأولي في نزاهة الانتخابات قد اعلنوا ثقتهم في سلامة وحرية الانتخابات‏,‏ ونشرت الصحف تصريحاتهم بأنهم يطمئنون إلي نزاهة القضاة‏,‏ واكدوا انه لا يمكن ان يتطرق الشك لحظة في عمل يتم تحت اشراف القضاء المصري الذي يشهد العالم باستقلاله ونزاهته‏,‏ ومحافظته علي قيم وتقاليد القضاء الرفيعة التي يتوارثها جيل عن جيل‏.‏


وليس غريبا بعد ذلك ان تتلقف بعض الصحف ومحطات التليفزيون الامريكية ما قاله الدكتور سعد الدين ابراهيم لتجعله مادة للتشكيك والتشويه في الحياة السياسية في مصر عموما‏,‏ في اطار حملات بعض وسائل الاعلام الامريكية علي مصر بدوافع معروفة‏,‏ ولاهداف ليست خافية‏..‏ وكان المأمول من الدكتور سعد الدين ابراهيم وامثاله ان يقوموا بدور آخر غير تغذية آلة الاعلام الأمركية بالمواد التي تساعدها علي الاستمرار في تشويه صورة مصر‏,‏ وممارسة الضغط الاعلامي والسياسي عليها‏..‏ كان المأمول ان يقوم مع الوطنيين من اصحاب الرأي بدور ايجابي ومفيد في ترشيد الناخبين والمرشحين إلي الارتقاء بالمنافسة في المعركة الانتخابية الي المستوي السياسي الذي يليق بهذه المرحلة التي وصل اليها المجتمع المصري‏....‏

فإذا كانت القيادة السياسية قد التزمت والزمت جميع الأجهزة التنفيذية بالحياد‏,‏ وتعهدت باجراء انتخابات حرة ونزيهة انطلاقا من المبدأ الجوهري الذي تقوم عليه الحياة السياسية بأن الوطنية ليست حكرا علي حزب دون حزب آخر‏,‏ وكل الاحزاب المشاركة في الانتخابات احزاب وطنية‏,‏ تعمل وتتافس تحت علم مصر‏,‏ والهدف هو اختيار مجلس نيابي يمثل كل فئات المجتمع‏,‏ وكل الاحزاب‏,‏ ويعبر تعبيرا صادقا عن ارادة واختيار المواطنين‏.‏

إذا كان هذا هو التزام القيادة السياسية‏,‏ وهو التزام موضع ثقة المصريين دون استثناء‏,‏ وفي مقدمتهم زعماء المعارضة الذين التقوا بالرئيس‏,‏ واعلنوا أنهم يضعون ثقتهم فيه باعتباره ر ئيس كل المصريين‏,‏ والراعي للديموقراطية وحرية الرأي‏,‏ والسند الأكبر للتعددية السياسية في مصر‏..‏ هل من المفيد بعد ذلك ان يستبق احد الاحداث‏,‏ ويحكم علي المستقبل‏,‏ ويكرر محاولات التشكيك في نزاهة الانتخابات مقدما وقبل ان تبدأ‏,‏ ويستمر في تشويه الحقائق‏...‏ ويوجه الاساءة الي القضاء الذي يمثل قدس الاقداس في مصر‏,‏ ولا يقبل احد في مصر المساس به‏.‏


وكل صاحب رأي حر عليه الآن واجب ينبغي الا يتخلي عنه‏,‏ هو ان يسهم في ان تجري الانتخابات المقبلة بأسلوب حضاري‏,‏ ويوجه جهده الي الناخبين والمرشحين‏,‏ ليدعوهم إلي ان يجعلوا من هذه الانتخابات ساحة لصراع الافكار والبرامج‏,‏ وليست ساحة للصراعات الشخصية او الصراعات العائلية والقبلية‏,‏ وأن يجعلوا المنافسة منافسة شريفة ملتزمة بالقيم الاخلاقية‏,‏ لكسب ثقة الناخبين‏,‏ ومن أجل المصالحة العامة والخدمة العامة‏,‏ وأن يكونوا في غاية اليقظة والأنتباه لرفض كل محاولة للخروج علي الشرعية‏,‏ أو ممارسة العنف‏,‏ أو التراشق بالالفاظ وتبادل الاهانات وتجريح الاشخاص‏..‏لتكون معركة راقية في اطار الاحترام المتبادل والحرص علي المصلحة العامة‏,‏ وليكون المرشح قدوة‏,‏ باعتباره قيادة سياسية‏,‏ تسعي إلي أن تحتل مقعدا في السلطة التشريعية التي تقرر مصير البلاد‏,‏ والتي تمارس أخطر المسئوليات في التشريع والرقابة علي الحكومة‏.‏

هذا هو واجب المفكرين والمثقفين المخلصين لبلدهم‏,‏ وهذه هي المناسبة التي يظهر فيها معدن الرجال‏..‏ هل هم مع الهدم أم مع البناء‏...‏ وهل هم مع الإصلاح أم هم مع التشكيك والتشويه لكل إصلاح‏..‏ وهل اختاروا القيام بدور إيجابي نافع ام اختاروا القيام بدور سلبي يضر ولا ينفع؟‏..‏ فهذا هو وقت تحقيق ما يطلبه الجميع‏..‏ اختيار اعضاء في مجلس الشعب المقبل تتوافر فيهم المقومات التي تجعلهم قادرين علي المشاركة بفاعلية وايجابية في قيادة البلاد‏,‏ والمحافظة علي هيبته وكرامة السلطة التشريعية‏,‏ والتعبير بقوة وشجاعة عن ارادة الجماهير ومطالبها ومصالحها‏,‏ وصياغة القوانين اللازمة لاستكمال مسيرة الاصلاح وتحديث المجتمع‏.‏


كنت ارجو ان يكون الدكتور سعد الدين ابراهيم معنا‏,‏ وليس علينا‏,‏ أن يدفع ولا يعوق‏,‏ وأن يوجه خطابه إلي المصريين وليس لغيرهم‏,‏ وأن يكون لسان صدق وحق‏,‏ وأن يعبر عن الامل والتفاؤل اللذين يشعر بهما المصريون في هذه الانتخابات‏...‏ كنت ارجو ان ينظر بعين الإنصاف إلي ما يجري في مصر من تطورات في اتجاه التصحيح والاصلاح‏,‏ ولم اكن اتصور أن هناك عيونا لا تري‏,‏ وعلماء يعرفون الحق وينكرونه‏,‏ ربما لانهم وقعوا في الضلال‏,‏ وربما لانهم اختاروا ان يضللوا‏,‏ وكل إنسان يختار الدور الذي يناسبه‏.


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف