ضمانات لنزاهة الانتخابات

اعتدنا أن نشهد في المعارك الانتخابية كثيرا من الممارسات التي نشكو منها دائما لما فيها من تجاوزات وخروج علي القانون والاخلاق‏..‏ والمرشحون عادة يستبيحون لانفسهم في الأنتخابات مالا يباح في غيرها‏..‏ فيستخدمون كل مافي ايديهم من أسلحة ضد خصومهم ابتداء من التشهير بهم والكذب عليهم‏,‏ واشعال حرب الشائعات‏,‏ وتلويث السمعة بالحق وبالباطل‏,‏ إلي اثارة النزعات العصبية والقبلية‏..‏ إلي غير ذلك من أساليب لها خبراء‏,‏ ويتقبلها الجميع علي أنها ضرورة من ضرورات اللعبة الانتخابية لايمكن التخلي عنها‏.‏

والتبرير المعلن لهذه الممارسات تابع من المبدأ الميكافيلي المشهور بأن الغاية تبرر الوسيلة‏..‏ وقد بدأت معارك الانتخابات هذه المرة مبكرة‏,‏ وظهر منذ البداية اشتعال الحماس‏,‏ إلي حد أن بعض المرشحين يعتبرونها مسألة حياة أو موت‏..‏ ويزيد من حرارة المعركة أن كل لجنة فرعية ستكون تحت الاشراف المباشر للقضاء‏,‏ وهذا لايعطي للمرشحين فرصة للمناورة إلا خارج اللجان‏..‏ وفضلا عن ذلك فان الجو المحيط بالمعركة الانتخابية يساعد علي رفع درجة حرارتها اكثر وأكثر‏..‏

أولا‏:‏ لأن الانتخابات تأتي وفيها خمسة أحزاب تواجه انقسامات داخلية وصراعات حول رئاسة كل حزب منها وسوف تنعكس هذه الحالة علي مرشحي وانصار هذه الاحزاب مهما يكن عددهم وتاثيرهم محدودا‏..‏ فليس غريبا أن تشهد الساحة ممارسات انفعالية خاطئة‏,‏ ومحاولات للابتزاز السياسي والانحراف الحزبي كتعبير عن الشعور بالضعف السياسي والتنظيمي وفقدان التأثير في الشارع‏.‏ وكما هي العادة فأن المشاغبة هي وسيلة العاجزين‏.‏

ثانيا‏:‏ أن الاحزاب الشرعية المعلنة ليست وحدها في هذه المعركة‏,‏ ولكن ستدخل المعركة عناصر من احزاب ممنوعة تحت عباءة جديدة وبمسميات مختلفة‏,‏ وهناك ايضا الحزب الخفي الذي سيعمل ويتحرك دون أن يظهر وكأنه شبح‏,‏ وهناك جماعات تتلقي أموالا ومعونات من الخارج بعضها من مصادر معلومة وبعضها من مصادر غير معلومة‏,‏ بعضها للأهداف المعلنة وبعضها لأهداف اخري خفية وتتخذ من الاهداف المعلنة ستارا‏.‏ خاصة أن هناك احزابا مفتوحة لكل العناصر وليست لها هوية سياسية واضحة ويمكن استغلالها بسهولة وهي في حالة التسيب والتفكك الحالية‏.‏

ثالثا‏:‏ أن هناك قوي وفئات لاتريد أن يكون تمثيلها في البرلمان بمقدار حجمها السياسي الحقيقي‏,‏ وتسعي إلي الحصول علي مقاعد أكبر من حجمها السياسي لضمان مصالحها وليكون لها وجود مؤثر في التشريع وتوجيه السياسات والتأثير علي الحكومة‏.‏

رابعا‏:‏ أن في المجتمع عوامل يسهل استثمارها واستغلالها خاصة النزعات القبلية والعصبية‏..‏ الخ‏,‏ وقد اساء بعض المرشحين في الانتخابات الماضية استغلال هذه العوامل واستخدموا العنف بكل صوره إلي حد استئجار مجموعات من البلطجية واستخدام السنج والأسلحة وسجلت محاضر الشرطة العديد من المعارك التي اثارها هؤلاء المرتزقة الذين يتم استيرادهم من انحاء مختلفة‏,‏ ويبدو أن لهم مقاولين لتوريد هذه المجموعات وهي جاهزة تحت الطلب‏.‏

في نفس الوقت فان القيادة السياسية حريصة علي ان تجري الانتخابات نظيفة‏,‏ وبمنتهي النزاهة والحياد‏,‏ وتكون المعركة الانتخابية منافسة شريفة علي الخدمة العامة‏,‏ وبعيدة عن كل صور العنف والخروج علي القانون‏,‏ وأن تتاح الفرصة لظهور قيادات جديدة وشخصيات اكثر قدرة واحتراما‏,‏ واكثر تعبيرا عن التقدم الحضاري والنضج السياسي الذي تحقق للمجتمع العربي‏.‏ كما تكرر القيادة السياسية دعوة الناخبين إلي مراعاة تمثيل كل الفئات والقوي‏,‏ بما في ذلك الشباب‏,‏ والاقباط‏,‏ والمرأة‏,‏ واعطاء الفرصة لحصول احزاب المعارضة بوجود مناسب في مجلس الشعب الجديد‏..‏

ولكي تكون نتائج المعركة الانتخابية معبرة عن واقع المجتمع المصري بصدق‏,‏ فان ذلك يقتضي بذل جهد كبير من الإعلام والاحزاب والمثقفين لحفز المواطنين علي الاشتراك في عملية التصويت‏,‏ ولتكن هذه الانتخابات هي نهاية السلبية واللامبالاة مما كان مثار الشكوي في كل انتخابات سابقة‏..‏ ومناخ الانتخابات هو المناخ المناسب لاستغلاله سلبيا أو ايجابيا أما لاثارة المواطنين وخداعهم وأما لزيادة وعيهم بالقضايا والمصالح الوطنية‏,‏ وزيادة ارتباطهم بأهداف التنمية والديمقراطية ومن صالح البلد ألا تضيع هذه الفرصة نتيجة انانية بعض المرشحين بتحويل هذه المعركة السياسية إلي معارك شخصية تحركها العصبيات والانفعالات والتركيز علي قضايا هامشية علي حساب المصلحة العامة والأهداف القومية‏.‏

وفي هذا الاطار يمكن التقاء المرشحين من الاحزاب والمستقلين للاتفاق علي مايمكن اعتباره ميثاق شرف يحدد المسموح والمحظور‏,‏ ويتعهد فيه الجميع بعدم الخروج علي الشرعية والقانون والاخلاق‏,‏ وأن تكون المنافسة في اطار نظيف‏,‏ وألا تلجأ الدعاية الانتخابية إلي المهاترات واثارة المشاعر أو تهييج المشاعر أو استخدام العنف أو الاعتداء علي المنافسين وانصارهم‏..‏ والتزام المرشحين بميثاق الشرف يمكن أن يمنع كثيرا من المعارك والمصادمات ويحقن دماء كثيرة ويحمي ارواحا يمكن ان تكون ضحية العنف كما حدث في الانتخابات السابقة‏,‏ ويمكن تكوين لجان من حكماء كل محافظة وكل مدينة لمراقبة تنفيذ هذا الميثاق‏.‏

وإذا اتفق المرشحون علي الالتزام بحد مناسب للانفاق علي الدعاية وجذب الانصار فسوف يساعد ذلك علي تقليل الاعتماد علي العنف والوسائل غير الاخلاقية وغير المشروعة‏..‏ لأن الاستفزاز الذي يتمثل في المبالغة في انفاق الملايين من اصحاب الملايين يجعل المرشحين الذين لايملكون الملايين يلجأون الما استخدام اساليب اخري اقرب إلي الارهاب لمواجهة ارهاب المال‏.‏

وإذا كانت مسئولية الإعلام والمثقفين في المقام الأول لترشيد السلوك الانتخابي للمرشحين والناخبين باعتبار مسئوليتهما القومية غير الحزبية وغير المنحازة‏,‏ فان الاحزاب عليها مسئولية كبري‏,‏ وبدلا من تقليدها لما يحدث في المعارك الانتخابية في البلاد المتخلفة عليها أن تعمل علي تقليد مايحدث في المعارك الانتخابية في الدول المتقدمة وهذا هو مايتفق مع درجة النضج السياسي والاجتماعي التي وصل إليها المجتمع المصري‏..‏ ونحن لانسمع عن معارك تستخدم فيها الأسلحة النارية وفرق البلطجية في الانتخابات الأمريكية أو الأوروبية‏..‏ فلماذا لايكون ذلك عندنا‏..‏

وعلي الحزب الوطني تقع المسئولية الأكبر‏..‏ باعتباره حزب الأغلبية‏..‏ وهو الحزب الأكثر خبرة وكفاءة‏..‏ وعليه أن يكون القدوة ويضرب المثل الذي يحتذي في هذه المعركة‏..‏ والتزام الحزب الوطني بميثاق الشرف الاخلاقي في المعركة هو الضمان لضبط الأداء الانتخابي عموما‏..‏ ورقابة الحزب علي السلوك الانتخابي لمرشحية وانصارهم‏,‏ ومحاسبة بشدة كل من يخرج علي اطار الشرعية والقانون والاخلاق‏,‏ سيكون هو العنصر الحاسم في ضبط سير المعركة الانتخابية‏,‏ ولن يجد الآخرون حجة لاستخدام الأساليب غير القانونية أو غير الاخلاقية‏.‏

ولأن الحزب الوطني هو الأكثر تنظيما فهو الاقدر علي أحكام الرقابة علي مرشحيه وهم الأكثر عددا والأكثر تأثيرا وانصارا‏..‏

والأكبر دائما هو المسئول عن رعاية الاصغر حتي ولو كان منافسا له‏..‏ علي الاقل في هذه المرحلة التي نسعي فيها إلي تقوية المعارضة ليشتد عودها وتبلغ مرحلة الرشد‏.‏

أما المثقفون فان قلة منهم تشارك في المعارك الانتخابية والاغلبية تقف موقفا سلبيا مكتفية بدور المراقب أو الناقد للسلوك والممارسات والأداء‏..‏ ولم نعد نحتاج إلي مزيد من النقد والفلسفة والنظريات‏..‏ فهذا وقت العمل‏..‏ وإذا لم يشارك المثقفون في هذه المناسبة القومية التي لاتتكرر إلا كل خمس سنوات وتحدد شكل البرلمان القادم‏,‏ و‏..‏فاذا تركوا الأمور يسيرها غيرهم من ذوي الثروة أو السطوة أو القوة‏,‏ فما فائدة أن يملأوا الساحة بعد ذلك بالشكوي والنقد من وجود أعضاء في مجلس الشعب يسيئون إلي المجلس وإلي الديمقراطية وإلي النظام‏..‏ ما فائدة النقد بعد ان تخلوا عن واجبهم‏..‏ وواجب المثقفين أن يشاركوا في هذه المعركة الانتخابية بدور قيادي ويسهموا في جعلها معركة حضارية نظيفة‏..‏ فاذا لم يقوموا بواجبهم فلن يكون للمجتمع حاجة لنقدمهم وتحليلاتهم وفلسفاتهم بعد ذلك‏.‏

ولقد اعتدنا ان نلقي بالمسئولية واللوم دائما وفي كل أمر علي الحكومة أليس هذا هو الوقت المناسب لكي نقوم نحن ايضا بمسئوليتنا‏..‏؟


 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف