قضايا النظام الإعلامى العربى

كنا ننتظر اجتماعات وزراء الاعلام العرب هذا العام بصفة خاصة علي أمل أن يحسموا القضايا المهمة المعلقة منذ سنوات‏,‏ والتي تؤجل دائما اكتفاء بتكرار الاحاديث عن التعاون والتضامن العربي‏,‏ وكنا ننتظر أن تظهر الي الوجود هذه المرة ملامح نظام اعلامي عربي جديد وقرارات عملية للعمل المشترك في هذا المجال الذي يرتبط بتكوين العقل والوجدان والمستقبل‏.‏

وعلي سبيل المثال فان هناك موضوعات تحناج الي الجدية مازالت تنتظر الحل علي يد وزراء الاعلام أو غيرهم من القيادات العربية‏,‏ أولها أن الدول الكبري تحتكر المؤسسات الاعلامية الدولية‏,‏ وتنفرد ثلاث وكالات أنباء غربية بالسيطرة علي الأخبار هي المصدر الاساسي‏-‏ إن لم تكن المصدر الوحيد للاخبار والتحليلات التي تتكون علي أساسها الرؤية العربية للأحداث والتطورات وتتكون علي أساسها العلاقات والمواقف العربية‏,‏ بل يتكون علي أساسها العقل والوجدان العربي‏..‏ وحتي الآن لم تشرع الدول العربية في انشاء وكالة أنباء عربية موحدة قوية تتابع ما يجري في العالم بعيون عربية ومن المنظور العربي ولخدمة المصالح العربية‏..‏ وعلي الأقل يمكن ان تكون هذه الوكالة بداية لعمل عربي مشترك يدل علي ان الكلمات يمكن أن تتحول يوما الي حقائق‏.!‏

وقد نبه المجلس القومي للثقافة أكثر من مرة الي وسائل الاعلام التي تستخدمها الدول العربية وتزهو بامتلاكها مصنوعة في الخارج وتستوردها الدول العربية‏,‏ وليس في العالم العربي أي صناعة من الصناعات الخاصة بمستلزمات الاتصال والاعلام‏..‏ والوضع الراهن لتكنولوجيا الاتصال في العالم العربي لا يطمئن‏,‏ وكان من الممكن البدء في تنفيذ مشروع طويل المدي لانشاء صناعة واحدة من الصناعات الخاصة بانتاج المعدات التكنولوجية اللازمة في المؤسسات الاعلامية علي ان تقوم هذه الصناعة بأموال وخبرات وكوادر عربية وتكون مدرسة لاعداد كوادر لصناعات تكنولوجية أخري‏,‏ ونبدأ بخطوة نعلن بها أنه يمكن للعالم العربي انشاء شركات عابرة للحدود العربية‏,‏ والمستثمرون العرب لهم أموال في الشركات الأجنبية الكبري متعددة الجنسيات التي تصب في النهاية في خدمة الاقتصاد الأوروبي والأمريكي‏.‏

ومع أن كلمة العولمة أصبحت تتكرر في كل اللقاءات العربية علي كل المستويات‏,‏ ومعها الاعلان عن خطط وأفكار لمواجهة مخاطر العولمة علي الهوية والثقافة العربية‏,‏ إلا أنه لم يظهر الي الوجود مشروع واحد يدل علي الرغبة أو القدرة علي مواجهة مخاطر العولمة‏..‏ فإن مظاهر التبعية الاعلامية تزداد في الاعلام العربي عموما‏,‏ وانظر الي الافلام والمسلسلات ونشرات الأخبار والبرامج العلمية والفنية والثقافية فسوف تجد أكثرها برامج غير عربية‏..‏ وسوف تجد ان الحضور الغالب في وسائل الاعلام العربية للثقافة الأمريكية وسوف تلمس ان النظام العالمي الجديد في السياسة القائم علي هيمنة القطب الواحد‏,‏ هو ذاته النظام الاقتصادي العالمي الجديد‏..‏ والنظام الاعلامي العالمي الجديد‏..‏ وكلها وجوه لحقيقة واحدة‏..‏ وفي الوقت نفسه فان التباكي مستمر علي انهيار نظام القيم والاخلاق العربي‏,‏ وضعف الثقافة العربية وتراجع اللغة العربية‏,‏ ونشكو من انتشار الولاءات خارج الأوطان العربية‏,‏ وتقليد الأجيال الجديدة من الشباب للسلوك وأسلوب الحياة والتفكير الأمريكي‏,‏ وانتشار العنف علي الطريقة الأمريكية التي تؤمن بأن القوة هي الوسيلة الوحيدة لحل المنازعات علي أي مستوي‏..‏ بين الأفراد‏..‏ أو بين الجماعات‏..‏ وان كل فرد عليه ان يكون مستعدا لحماية نفسه‏,‏ ومتقبلا لفكرة ان يكون قاتلا أو مقتولا‏,‏ وعليه ان يتحرك والمسدس في خصره‏..‏ وبقدر براعته علي التقاط المسدس واطلاق الرصاص تكون فرصته في النجاة وفرض ارادته علي الجميع‏..‏ ومثل هذا التفكير‏,‏ أو منهج التعامل مع الآخرين يجعل الآخر دائما هدفا للعدوان ومصدرا للعدوان في الوقت نفسه‏,‏ مع أن القيم والثقافة العربية ليس فيهما هذا القدر من العنف‏..‏ وفي فترة من الفترات كانت هناك افلام واغان وبرامج عربية يتبادلها العرب بشكل غير رسمي وغير منظم وكانت تعكس الروح العربية وتساعد علي زيادة التقارب بين العرب‏..‏ ولكن الأمر الغريب ان الكلام عن التضامن العربي ازداد جدا بينما أوشكت أن تختفي هذه الافلام والاغاني والبرامج التي توحد الوجدان العربي‏..‏ وظهر الاتجاه المعاكس‏..‏ الاتجاه الي إثارة المشاعر والحساسيات ونبش الجراح واحياء الذكريات الاليمة في الماضي‏..‏ وظهر الاتجاه الي هدم ما يبنيه دعاة التقارب والتفاهم بين العرب‏..‏ ووزراء الاعلام ووزراء الثقافة العرب يجتمعون سنويا ويصدرون بيانات مملوءة بالكلمات الجميلة عن العمل العربي المشترك‏,‏ ولا نري هذا العمل المشترك في مجال الاعلام والثقافة بالقدر الذي ينبغي ان يكون‏.‏

ونحن نلمس ما ينشر ويذاع في العالم من اكاذيب وتشويه لصورة العالم العربي وما يجري فيه‏..‏ والاختيار المتعمد للسلبيات لعرضها علي الرأي العام في الخارج حتي أصبحت صورة العرب والمسلمين في الذهن الغربي مرتبطة بالعنف والارهاب والقسوة والتخلف والجهل والغلظة وغير ذلك من الصفات التي تدسها وسائل الاعلام في الغرب بذكاء شديد في البرامج والاحاديث‏..‏ وقد رأينا كيف جعلوا من سلمان رشدي بطلا عالميا وقصته للصفحات الأولي والبرامج التليفزيونية المتميزة‏,‏ وروجوا للأكاذيب التي روجها عن الاسلام ورسوله وحصل علي الثمن بالملايين‏,‏ ورأينا كيف تم توظيف غضبة العالم الاسلامي علي هذه الاساءة لتصويرها علي انها تعبير عن روح الاسلام الذي يدعو الي العداء لحرية الرأي وحرية العقل‏..‏ وقد ساعد بعض المسلمين بحسن نية أحيانا وبسوء قصد ولرغبة في نفس يعقوب‏-‏ علي تأكيد هذه الصورة المشوهة عن العرب والمسلمين والاسلام‏..‏ ورأينا كيف ان كل ما يجري في العالم العربي والاسلامي يتم تصويره علي هذا النحو‏..‏ والاعلام العربي غير قادر علي مواجهة هذه الروح العدائية‏..‏ لان قدرات العالم العربي محدودة‏,‏ ومتخلفة‏,‏ ومنقسمة‏,‏ ومشغولة بالمعارك بين العرب أنفسهم‏..!‏

وكان يمكن أن يتوصل وزراء الاعلام العرب الي انشاء معهد أو مركز تدريب عربي علي أعلي مستوي لاعداد الكوادر الاعلامية في كل المجالات ابتداء من اعداد المتخصصين في انتاة وصيانة وادارة الوسائل التكنولوجية الحديثة الي إعداد الكوادر المدربة في مجالات انتاج المواد الاعلامية‏..‏ ولكن مثل هذه الفكرة لم تطرح أصلا‏.‏

هناك مجالات كثيرة كان يمكن ان يتوصل فيها وزراء الاعلام الي تغيير الكثير من الأمور السلبية في الاعلام العربي‏,‏ لكنهم لم يتطرقوا اليها‏..‏ مما يدل علي أن القضية ليست في يد وزراء الاعلام ولا وزراء الثقافة‏..‏ وانما قضية الارادة السياسية في المقام الأول‏..‏ هل هناك ارادة سياسية حقيقية لعمل عربي مشترك أم لا‏..‏ فإن لم تكن هذه الارادة السياسية موجودة‏..‏ فلن يكون لمثل هذه الاجتماعات قيمة إلا في اقامة علاقات شخصية بين العاملين في هذه المجالات‏..‏ أو في اصدار بيانات لملء فراغ الصحف والايهام بأن العمل العربي قائم علي قدم وساق‏..‏ أو لكيلا تنطفيء الأنوار في الجامعة العربية ويصعب بعد ذلك اضائتها‏..‏ وهذه علي أي حال أمور تستحق تكرار اللقاء‏..!


 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف