ساحة جديدة للحوار الرشيد
بدأت السيدة سوزان مبارك خطوة جديدة في مشروعها الحضاري الكبير, من خلال ساحة جديدة للحوار يلتقي فيها الخبراء والمشتغلون بالإصلاح الاجتماعي مع أصحاب الفكر والرأي, ومع قيادات الإعلام وكبار المسئولين, لطرح القضايا الأساسية التي تمثل محاور النهضة الحديثة في مصر.
ويأتي هذا المشروع الجديد بعد النجاح الكبير الذي حققه مشروعها الأول.. القراءة للجميع ومكتبة الأسرة, وترسخت جذوره في المجتمع المصري, وتجاوزت أصداء نجاحه الحدود وأصبح مشروعا قوميا تحاول الدول العربية الشقيقة الاقتداء به, كما أصبح مشروعا دوليا تتبناه منظمة اليونسكو, ولاشك أن هذا المشروع قد أعاد الكتاب مرة أخري إلي مكانه اللائق في البيت, والمدرسة, والنادي, وأعاد إلي المصريين الإحساس بقيمة القراءة وتذوق الآداب والفنون ومتابعة الجديد في مجالات العلم والفكر المختلفة, حتي لا يتخلف المصريون عن التقدم العلمي والثقافي الذي يحدث في العالم ويؤثر في مستقبل الدول والشعوب.
بعد نجاح مشروع القراءة ومكتبة الأسرة جاء المشروع الثاني في إطار المجلس القومي للمرأة بظهور المنتدي الفكري للمجلس لكي يعمق في المجتمع المصري قيمة الحوار, والالتقاء بين الأطراف المختلفة حول موضوع واحد لطرح رؤية كل منها في جو من الحرية الفكرية والتسامح وقبول الرأي والرأي الآخر, والهدف هو غرس قيمة جديدة نحتاج إليها في هذا الوقت أكثر من أي وقت آخر, وهي قيمة الحوار.. الحوار الحر.. الحوار المخلص المنزه عن الأغراض والأهواء.. الحوار الموضوعي الذي لايستهدف اقتناص مصالح شخصية أو فئوية أو حزبية.. الحوار الذي يحترم العقل ويخاطبه ولا يلجأ إلي خطاب العنف أو الإثارة.. الحوار الذي يؤمن بالعلم وبالمنهج العلمي في التفكير فيضع المقدمات الصحيحة ويصل منها إلي نتائج صحيحة, ولا يلجأ إلي المغالطة, أو إلي تشويه الحقائق, أو فرض الرأي بالصوت العالي.
والحقيقة أن اللقاء الفكري الأول الذي عقد في إطار هذا المنتدي حول المرأة والإعلام كان في ذاته حدثا ثقافيا وحضاريا يستحق التحية, ويشجع علي المطالبة بجعله سلسلة متصلة من اللقاءات والحوارات علي أكثر من مستوي.. لقاءات موسعة مثل هذا اللقاء الأول, ولقاءات محدودة تضم أعدادا أقل وتكون فيها الفرصة أكبر أمام كل من يحضرها للمشاركة وتسهم مثل هذه اللقاءات المحدودة في الوصول الي درجة من وحدة الفكر حول القضايا الأساسية, ويمكن الوصول فيها إلي بلورة اتجاهات جديدة, واكتشاف زوايا وأفكار جديدة, والاتفاق علي مقترحات ومشروعات جديدة وهكذا.
ولقد كان المنتدي الفكري الأول للمجلس القومي للمرأة علي درجة عالية من التنظيم, برغم أن المجلس القومي للمرأة مازال حديثا ولم يستكمل بناءه التنظيمي بعد, مما يبشر بأن هذا المجلس سيكون من أهم مراكز الإشعاع الثقافي والحضاري في مصر, وسيشارك مشاركة قوية في قيادة عملية التنمية الاجتماعية, وسوف يكون له الدور الأكبر في الجهود القائمة لتغيير القيم السلبية, وتأكيد القيم الإيجابية, وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي مازالت موجودة في المجتمع المصري من بقايا عهود الاحتلال, والتخلف, والظلام.
وليس سهلا تغيير العقلية التقليدية لتصبح عقلية عصرية تجمع بين التمسك بالمباديء الأساسية لصحيح الدين, والاحتفاظ بالقيم والشخصية القومية وبين القدرة علي التجدد ومسايرة التطور والدخول في المنافسة العالمية بثقة ومقدرة.. فهذه مهمة تحتاج إلي جهد جماعي من المخلصين والمؤمنين بأهمية التطور والتقدم, والمدركين لطبيعة هذا العصر وتحدياته.. وهو عصر لم تعد فيه الحدود الجغرافية والسياسية للدول أسوارا يمكن أن تنعزل بعض الشعوب وراءها, ولم يعد الانغلاق علي الذات القومية ممكنا في حضارة الإنترنت والقنوات الفضائية والفاكس وتزايد حركة المواصلات والاتصالات بين الدول بصورة لم يحدث لها مثيل..
تتأكد ضرورة وجود واستمرار هذا المنتدي إذا وضعنا في اعتبارنا الاعتبارات الآتية:
أولا: إن مصر تمر بمرحلة تحول كبري, وتتسع فيها مساحة الديمقراطية والحريات يوما بعد يوم, ولابد من ترشيد الممارسة الديمقراطية من خلال ساحات للحوار تمثل القدوة وتقدم المثال وتكون بمثابة مراكز تدريب علي الحوار الرشيد العاقل والموضوعي.
ثانيا: إن ظهور تيار يحاول إعادة أساليب الجماعات الفاشية والفوضوية القديمة بتحويل الحوار إلي صراعات ومعارك لإثارة المشاعر والانفعالات ومحاولاتهم المستميتة لاختلاق معارك تضيع فيها الحقائق وتختفي فيها لغة العقل والمنطق.. يفرض علي أصحاب المباديء الشريفة أن يواجهوا هذه الهجمة لحماية المجتمع من أخطارها..وفي كل عصر هناك دائما المفسدون الذين يدعون أنهم المصلحون وقد نبهنا الله سبحانه وتعالي إلي ذلك في كتابه الكريم.. ونبهنا سبحانه إلي أن هذا التحدي أمام أهل الحق هو امتحان لمدي قدرتهم وصلابتهم, ووعد سبحانه بنصرة الحق دائما.. وفي هذه الحوارات تعلو كلمة الحق علي دعاوي الباطل, وتنتصر دعوة البناء علي دعاوي الهدم, وتظهر مواقف المخلصين من مواقف العملاء..
ثالثا: إن عملية الإصلاح الاجتماعي بطبيعتها عملية ليست سهلة, وليست معركة واحدة, ولكنها طريق طويل بلا نهاية مليء بالمعارك مع أنصار التخلف وعبادة الماضي ورفض التطور.. وهي عملية مستمرة من أجل غربلة وتغيير الجوانب السلبية السائدة في المجتمع في الأفكار, والاتجاهات, والقيم, والسلوك.. ويكفي أن نسترجع ما لاقاه الأنبياء والمصلحون, علي مر العصور, وفي كل المجتمعات, لندرك أنها معركة تحتاج إلي أولي العزم وأصحاب الرسالات.
رابعا: إن القوي الاجتماعية المختلفة في مصر لاتجد ساحة للحوار يستمع فيه كل أطراف المسئولية بعضهم إلي بعض, سعيا إلي بلورة فكر جماعي يوضح معالم الطريق للنهضة, ويحدد الأدوار والمسئوليات, ويدفع بالأفكار الصالحة والبناءة إلي مواقع التنفيذ..
أسباب كثيرة تجعل هذا الملتقي الفكري بيتا لكل أصحاب الرأي في مصر, ومنبرا للاستنارة والتقدم, هذا عن أهمية المنتدي في ذاته, أما موضوع المنتدي الأول عن المرأة والإعلام فهو حديث آخر.