موسم الهجوم على بوش
عندما كان الرئيس جورج دبليو بوش رئيسا للولايات المتحدة كان أكثر الرؤساء الأمريكيين تعرضا للنقد بسبب سياساته الفاشلة ولم يدرك أبدا أنها فاشلة، ولكنه بعد أن غادر البيت الأبيض، وبدأت الحقائق تظهر، والوثائق تدل على أن ما كان يظن البعض أنها أخطاء ارتكبها بوش هى فى حقيقتها جرائم، فتحول النقد إلى هجوم، وربما كان وصف وزير الخزانة الأمريكية فى إدارة بوش بول أونيل يلخص رؤية عدد غير قليل ممن عملوا معه، فقد جاء فى هذا الوصف: إن الرئيس بوش كان كالأعمى فى غرفة مليئة بالصم، يريد بذلك أن يقول إن بوش لم يكن يرى الأمور على حقيقتها وكان مساعدوه يسيرون وراءه وهم يعلمون أنه يسير فى الطريق الخطأ، دون أن يستمعوا إلى نصائح العقلاء!
الكاتب الأمريكى أوجين روبنسون وصف استراتيجية بوش بأنها كانت (استراتيجية الخداع)، والكاتب الشهير سيمور هيرش وصف قيادة بوش للولايات المتحدة بأنها كانت (القيادة العمياء) والكاتبة فى واشنطن بوست كاثلين باركر كتبت تحت عنوان (اذهب إلى غير رجعة) أن بوش زرع بذور الكراهية والانقسام، وقد تبرأ الأمريكيون من رئاسته وأصبح يمثل الماضى الأمريكى الذى داهمه الليل، ولذلك كان تعبير الأمريكيين عن رفضهم لبوش وسياساته وإدارته بالاندفاع نحو تأييد أوباما. وقالت باركر إن الشجب والتبرؤ من بوش ليس فى أمريكا وحدها.. بل فى مختلف أنحاء المعمورة، ومنظمة العفو الدولية تطالب أوباما بإلغاء جميع الإجراءات التى اتخذها بوش بحجة مكافحة الإرهاب والعمل على محو أفكار بوش العدوانية (المروجة للحرب) وقالت الكاتبة الأمريكية إن طلبات الإدانة والتبرؤ التى تلاحق بوش تزداد إلى حد أن الرئيس الحالى باراك أوباما ربما يفكر فى إنشاء وزارة جديدة لتقييم طلبات محاسبة بوش على جرائمه فى العراق وأفغانستان وجوانتانامو والسجون الأخرى وإصدار التوصيات عن طريقة التعامل مع كل منها!
***
والمحلل السياسى فى نيويورك تاميز بوب هربت كتب تحت عنوان (بوش وشبكات الوهم) أن بوش كانت الأخبار السيئة تنهمر عليه ولم يجد أعوانه خيرا يمكن لإدارته أن تطبل له وتزمر، فلم يجدوا إلا الاستمرار فى الكذب والادعاء بأن الأخبار السيئة أخبارا طيبة ومؤشرات على نجاح سياسات الرئيس الملهم، فعل ذلك بوش ومساعدوه عندما قدم كبير مفتشى الأسلحة التابعين للولايات المتحدة تقريرا أكد فيه عدم امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، ولكن بوش بأسلوبه فى المغالطة ادعى حتى بعد أن قامت الصحف بنشر التقرير أن العراق يملك هذه الأسلحة وبعد التقرير الذى نشرته وزارة العمل الأمريكية عن معدلات العمالة والبطالة الذى أثبت كذب ما أعلنه بوش عن تحسن الاقتصاد الأمريكى أعلن بوش أن معدلات البطالة انخفضت.. لقد قلب بوش تقرير مفتشى الأسلحة وأعلن فى خطاب عام أن التقرير أثبت أن صدام كان يمثل تهديدا متناميا للأمن القومى للولايات المتحدة دون أن يدرك أن كلامه هذا لن يصدقه أحد، لأنه كذب ولأنه لم يهتم بمراعاة عقول الناس الذين قرأوا التقرير الذى يكذب أقواله منشورا فى الصحف وهو تقرير رسمى صادر عن فريق من الخبراء الأمريكيين الكبار وبوش نفسه هو الذى أمر بتشكيل هذا الفريق!
يصف بوب هربرت الرئيس بالمصفاقة والخفة وبأنه يشبه لاعبى الثلاث ورقات الذى يسحب ورقة بسرعة من كمه ويعرضها على الجمهور المخدوع.. كانت النتائج باعثة على الاكتئاب. ولكن آلة التلفيق التابعة للرئيس بوش كانت تعمل طول الوقت بكامل طاقتها لتهيل التراب على الحقيقة وتخفيها وتّدعى فى كل لحظة صحة استراتيجية بوش، مع أن بوش كان فى عالم خاص خلقه لنفسه، وعاش فيه وكان يرى فيه كل شىء على ما يرام وليس فى الإمكان أفضل مما كان.. وحتى سياسته فى خفض الضرائب على كبار الممولين والتى ادعى أنها ستؤدى إلى زيادة الوظائف لم تحقق شيئا من ذلك.. بل حدث العكس وأصبح أكثر من 4.5 مليون مواطن أمريكى بدون عمل، وإذا كانت المبالغة عنصرا أساسيا من أجندة كل سياسى، إلا أن مشكلة بوش أنه فى كل مشكلة خطيرة تواجه الوطن كان يذهب إلى ما هو أبعد من المبالغة، فيقدم معلومات خاطئة، ويهدم مبدأ أساسيا من مبادئ الديمقراطية الأمريكية وهو أن يكون الناخبون على علم بكل شىء، وهذا المبدأ هو الذى يسمونه الشفافية والذى كان بوش يطالب به حكومات الدول الأخرى!
يقول بوب هربرت إن سياسة الإنكار وقلب الحقائق أدت إلى عدم حشد طاقات وموارد البلاد لمواجهة التحديات القائمة، حتى تحول الأمر فى العراق - على سبيل المثال - إلى حالة مأساوية من الفوضى، بينما بوش يكذب كل يوم ويعلن رسميا أن العراق أصبح - بفضل سياساته الحكيمة - ينعم بالاستقرار والديمقراطية، وبينما كان 46 مراسلا صحفيا قد قتلوا فى العراق كان الرئيس بوش يعلن أن مراسلى الصحف شهود على الأمن والاستقرار فى العراق!
وصحيح - كما يقول هربرت إن التلفيق يفقد مفعوله بمرور الأيام والرئيس الذى أنفق وقتا أكثر من اللازم فى نسج شبكات الوهم لابد أن يجد نفسه فى النهاية وقد علقت قدماه فى حبائلها!
***
السيناتور باتريك ليهى رئيس اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ الأمريكى طالب بإنشاء لجنة (للبحث عن الحقيقة) حول الانتهاكات التى أقدمت عليها إدارة بوش، وقد تكون هذه بداية قد تصل إلى الإحالة إلى المحاكمة أمام القضاء الأمريكى فى الداخل إذا لم يكن ممكنا محاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية لسببين: أولهما أن الفيتو الأمريكى فى مجلس الأمن سيعوق صدور قرار بذلك، وثانيهما عدم توقيع أمريكا على إنشاء هذه المحكمة.
ومع ذلك فإن رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة- ديسكوتو بروكمان- طالب بالتحقيق بمعرفة الأمم المتحدة فى عملية احتلال العراق وأفغانستان، وقال أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إن ارتكاب أعمال وحشية لابد من إدانتها من الذين يحترمون القانون الدولى، وقال إن العدوان على العراق يخالف المادة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة التى تنص على حظر استخدام القوة فى العلاقات الدولية، كذلك فإن جامعة مينسوتا الأمريكية نظمت ندوة عن العمليات السرية غير المسموح بها دستوريا مثل قيام إدارة بوش بإنشاء فرقة لتنفيذ عمليات القتل تابعة للمخابرات المركزية كانت تتلقى تعليماتها وتقدم تقاريرها بمكتب نائب الرئيس ديك تشينى، كانت تعمل فى الداخل والخارج بعيدا عن السفارات الأمريكية وحتى بدون علم أو تنسيق مع قيادة المخابرات الأمريكية، وكانت هذه الفرقة تقتل وتختطف الأشخاص المطلوبين لاستجوابهم وتعذيبهم ثم يتركونهم وهم ينزفون ليموتوا بعد يوم أو يومين، وكتب سيمور هيرش فى صحيفة نيويوركر أن الأنشطة العسكرية والعمليات السرية التى قامت بها هذه الفرقة وقامت بها المخابرات المركزية أيضا كان تفعل ذلك بقرارات تصدر من إدارة بوش ولا تخضع لرقابة الكونجرس وكان تصديق الرئيس بوش على هذه العمليات باعتباره القائد الأعلى للقوات الأمريكية يعتبر كافيا، ومنذ أيام نشرت نيويورك تايمز أن الأدميرال وليم ماكرفين قائد هذه الفرقة أمر بوقف عملياتها نظرا لقيامها بقتل أعداد كبيرة.
***
ولعل الكاتب السياسى المعروف فى صحيفة لوس أنجلوس تايمز كان دقيقا فى تعبيره عن الرأى العام الأمريكى والعالمى تجاه بوش حين كتب تحت عنوان (مروجو الخوف هم التهديد الحقيقى للغرب) يقول: (لا أحد يذكر بوش بخير) ويشير بطريق غير مباشر إلى أن بوش وإدارته كانوا هم التهديد للغرب!
وفى الملف ا لكثير من الشهادات والإدانات واللعنات، بالإضافة إلى اللعنات والدعوات التى تنطلق من قلوب وحناجر الملايين من اليتامى والثكالى والأرامل وضحايا جرائم بوش وأيامه السوداء، ولو أن كل طاغية استوعب حكم الله على شارون لتغير وجه التاريخ!