كلهم شارون (2)
مرت الذكرى الثانية والثلاثون لزيارة الرئيس السادات إلى القدس التى جاءت بعدها اتفاقيات السلام بين مصر وإسرائيل، فهل تحقق السلام؟ أو حتى حدث تحرك حقيقى نحو السلام؟ أو هل أظهرت إسرائيل نوايا جادة لتحقيق السلام؟ فى هذه الذكرى قامت إسرائيل بمذبحة غزة التى ارتكبت فيها كل جرائم الحرب ضد الفلسطينيين. وتركت غزة أرضا خرابا وأهلها فى أسوأ سجن فى العالم، وفى كل حين يتم ضبط قضية تجسس إسرائيل, وطبعا هناك جواسيس لا يتم ضبطهم، والانتخابات الأخيرة أثبتت أن الشارع الإسرائيلى يؤيد العنف الإسرائيلى ولا يريد السلام. ومن يستطع أن ينسى اقتحام شارون للمسجد الأقصى فى حراسة ثلاثة آلاف جندى إسرائيلى وسماح باراك له بهذه الجريمة وتوفير الحماية له.
من الذى يستطيع أن يدعى الآن أن فى إسرائيل حكومة تريد السلام؟ وإن كانت هناك مجموعة من المثقفين محدودة العدد تتحدث عن السلام أو عن حق الفلسطينيين فى إقامة دولة مستقلة تتمتع بالأمن فإن هؤلاء قلة قليلة فى المجتمع الإسرائيلى، والبعض عندنا يتحدث عن هذه المجموعة الصغيرة بأكبر من حجمها وينخدع بالمبالغات عن تأثيرها فى السياسة الإسرائيلية.
إن نموذج شارون هو النموذج الحقيقى للشخصية الإسرائيلية كما كشفت عنها نتائج الانتخابات الأخيرة وفوز قادة الإرهاب.. وكبير حاخامات إسرائيل سبق أن قال إن العرب صراصير وان الله نادم لأنه خلقهم. والحاخام الإرهابى مائير كاهانا له كتاب يجب ألا يغيب عن ذاكرة العرب بعنوان "يجب أن يرحلوا" ويقصد الفلسطينيين ويقول فيه إن وجود الفلسطينيين على هذه الأرض يهدد نقاء الدولة اليهودية ولذلك يجب طردهم إلى أى مكان خارج إسرائيل، على إسرائيل أن ترغمهم على الرحيل، لاستحالة التعايش بين اليهود والفلسطينيين، ويقول أيضا إن إسرائيل لابد أن تحقق أهدافها فى التوسع ولن تبقى داخل حدودها الحالية، ولا بد أن تظل إسرائيل كيانا يهوديا وثقافة وروحا يهودية فقط، وعلى ذلك لابد من التخلص من هؤلاء الفلسطينيين الذين يخرجون فى 30 مارس من كل عام فى يوم يطلقون عليه يوم الأرض ويهتفون: سنحرر الجليل، وبأسلوب المغالطة الإسرائيلية المعهودة وصلت البجاحة به إلى القول بأن مذبحة دير ياسين لم تقع وإنها مجرد أسطورة فلسطينية وعربية لتشويه صورة إسرائيل، وظل يقول فى كل مناسبة يجب ألا نساعد أبناء الفلسطينيين على أن يتعلموا فى المدارس والجامعات لأن المتعلمين منهم سيقودون الثورة ضد إسرائيل بدليل أن الطلبة الفلسطينيين يرفضون الجنسية الإسرائيلية. أما برنامج كاهانا الذى وجد الكثيرين يؤيدونه فلم يكن يختلف عن برنامج بن جوريون أو شاريت أو جولدا مائير أو أولمرت أو نتنياهو أو باراك أو بقية قادة إسرائيل من الثلاثينات وحتى اليوم وملخصه أن يجعل الإسرائيليون حياة الفلسطينيين جحيما حتى لا يجدوا أمامهم سبيلا إلا الفرار إلى أرض أخرى انقاذا لحياتهم.. هذا هو ملخص الفلسفة السياسية لكل قادة وكل أحزاب إسرائيل.. وإن اختلفت الصياغات والعبارات وحاول البعض إخفاء هذا الهدف الاستراتيجى بكلمات ملتوية ومخادعة. وهذه هى عقيدة "الترانسفير" أى الطرد لكل من هو ليس يهوديا. أما ديان فقد أعلن أن حدود إسرائيل حيث يقف آخر جندى إسرائيلى!
***
ومنذ سنوات تكشفت حقيقة وجود تنظيم إسرائيلى معظم أعضائه من قيادات المخابرات "الموساد" قدموا استقالاتهم لكيلا تحدث أزمة مع دول العالم إذا انكشفت حقيقتهم، وكانت مهمة هذا التنظيم اغتيال القادة السياسيين والشخصيات الفلسطينية من قيادات المقاومة فى أى مكان داخل أو خارج الأراضى الفلسطينية، والقيام بعمليات تخريب فى المسجد الأقصى وغيره من الآثار والمعالم التاريخية العربية المسيحية والإسلامية. وقد انكشف هذا التنظيم بعد أن نشرت الصحف الإسرائيلية بعض التفاصيل عنه ومن المعلومات التى نشرتها أن أحد قادة التنظيم صديق قريب جدا من شارون وكان شارون وقتها وزيرا للتجارة، وقبلها كان وزيرا للدفاع، وظهر أن هناك تواطؤا من جانب مسئولين كبار فى الحكومة الإسرائيلية، ولكن عندما حاصر الرأى العام العالمى والصحافة العالمية الحكومة الإسرائيلية اضطرت إلى تقديم بعض أعضاء هذا التنظيم إلى المحاكمة وتضمنت عريضة الاتهام الرسمية ما يلى: الانتماء إلى منظمة صهيونية سرية تهدف إلى تنفيذ أعمال العنف- وإلحاق الأذى برؤساء البلديات العرب- وارتكاب عمليات قتل فى الكلية الإسلامية بالخليل- والاشتراك فى إعداد خطة لنسف المسجد الأقصى- ووضع شحنات ناسفة فى أتوبيسات تحمل العرب فى القدس. وفى ذلك الوقت نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية على لسان المتهمين قولهم: نحن لم نفعل إلا ما فعلته من قبل منظمات يهودية أخرى مثل الهاجناه، واتسل، وتشيرن، وما فعله زعماء إسرائيل من أمثال بن جوريون، وشامير، وشارون.. وكانوا قادة فى تنظيمات إرهابية ضد الفلسطينيين.
***
فى إسرائيل ممنوع نشر جرائم الحرب وعمليات الإرهاب التى تقوم بها الدولة الإسرائيلية أو الجماعات الإرهابية أو المستوطنين. حدث مرة أن نشرت صحيفة "هاداشوت" صورة لاثنين من الفدائيين الفلسطينيين تم قتلهما بيد كبار المسئولين فى الجيش الإسرائيلى، فاضطرت الحكومة إلى إجراء تحقيق لذر الرماد فى العيون وصدر تقرير عن لجنة التحقيق الحكومية بأنه تم اقتياد الفدائيين إلى ساحة واسعة وانهال عليهما الجنود الإسرائيليون بالضرب ثم حطموا رأسيهما بآلة حادة، ثم صدر بذلك بيان مقتضب من وزارة الدفاع دون تحديد لأى مسئول عن ارتكاب هذه الجريمة.. وبعد نشر هذه الجريمة أصدر وزير الدفاع أمرا إلى الرقيب العسكرى بإغلاق الصحيفة لمدة أربعة أيام، وإحالة رئيس تحريرها للتحقيق، ومنع توزيع الصحيفة فى داخل الوحدات العسكرية.
وفى استقصاء للرأى العام الإسرائيلى نشرته مجلة نيوزويك الأمريكية منذ سنوات قال 84% من الإسرائيليين إن قتل الفلسطينيين يعتبر "أمرا مقبولا" وقال 65% منهم إنه لا يرى ضرورة للتحقيق فى هذه الحالات.. وهكذا يعبر الإسرائيليون العاديون عن حقيقة أفكارهم، واتجاهاتهم نحو الفلسطينيين ونحو العرب عموما.. ولو أن عربيا واحدا قال مثل هذا الكلام لقامت الدنيا على الشعوب العربية جميعها.
***
ومنذ سنوات نشرت صحيفة الجارديان البريطانية تحقيقا واسعا عن أعمال فريق من العملاء الإسرائيليين قاموا بجولة لمدة عامين فى أنحاء أوروبا لاغتيال أفراد من المقاومة الفلسطينية، ويومها أنكرت الحكومة الإسرائيلية تدابيرها لهذه العمليات، لكن الجارديان قالت إن ما نشرته صحيح وإن تكذيب الحكومة الإسرائيلية كاذب وإن هذه الأعمال تمت بترتيب من المخابرات الإسرائيلية وبتعليمات رسمية من الحكومة!
وفى كندا أعد كاتب معروف هو جورج جوناس كتابا عن بعض عمليات القتل والتخريب الإسرائيلية، وكان عنوان الكتاب "الانتقام" اعتمد فيه على المعلومات التى قدمها له اثنان من كبار عملاء المخابرات الإسرائيلية. لم يذكر اسميهما طبعا وجاء فى الكتاب أن جولدا مائير رئيسة الوزراء فى ذلك الوقت هى التى أمرت بتشكيل فريق الاغتيال فى عام 1972 برئاسة إرهابى إسرائيلى معروف هو "أفنير" وأن هذا الفريق كان يضم قائدا مسئولا عن عمليات القتل، وآخر للتمويه وإخفاء آثار كل عملية، وثالثا خبير مفرقعات، ورابع مسئولا عن سرقة الوثائق التى تهم الحكومة الإسرائيلية الحصول عليها، وخامسا مسئولا عن تدبير وسائل انتقال وتأمين الفريق. وقالت الجارديان إن هذا الفريق بدأ مهمته بقتل "وائل زويتر" القيادى الفلسطينى وهو على باب شقته فى روما وكان يحمل كيس مشتريات فأطلق عليه مجهول الرصاص فلقى مصرعه على الفور وقيد الحادث ضد مجهول وبعدها قام الفريق بقتل القيادى الفلسطينى "محمد همشرى" بعبوة ناسفة تم اخفاؤها فى بوق التليفون فانفجرت فى رأسه عندما رفع سماعة التليفون ومات على الفور ثم لقى اثنان آخران من الفلسطينيين مصرعهما بعد انفجار قنبلة فى سيارة كل منهما.. وهكذا توالت عمليات هذا الفريق الذى تعاونت معه منظمات وعصابات صهيونية فى الدول الأوروبية وفى كتاب "الانتقام" قصص كثيرة عن عمليات هذا الفريق منها اقتحام للمنازل وتزوير جوازات السفر، والقتل بوسائل مختلفة متقنة قائمة الجرائم طويلة.. طويلة.. ومستمرة لم تتوقف على مدى أكثر من 70 سنة!
وليس شارون وحده هو الإرهابى الذى يستحق عقاب الله. فى إسرائيل كثيرون يستحقون العقاب فى الدنيا والآخرة.. حاخامات وسياسيون وقادة عسكريون وجنود. وكل الحكومات الإسرائيلية إرهابية دون استثناء والأدلة والشواهد تملأ مجلدات.
فلماذا نبدى الدهشة عندما تتولى قيادة الدولة فى إسرائيل حكومة نتنياهو وهو إرهابى وكل وزرائها إرهابيون وأيديهم ملطخة بدم الفلسطينيين.
أين المحكمة الجنائية الدولية؟ وأين الضمير العالمى؟ وأين الشرعية الدولية؟ وأين مبادئ العدالة وحقوق الإنسان؟
لابد سيأتى يوم يتحرك فيه العالم.. فدولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة وهذه قصة أخرى