رؤية الدكتور أبو المجد (2 - 2)

للدكتور أحمد كمال أبو المجد مكانة خاصة لدى كل التيارات، فهو بتاريخه متصل بالتيار الإسلامى وقريب من قياداته وأفكاره مع مواقفه الإصلاحية المعروفة واحتفاظه بالحق فى إعلان آرائه حول سلبيات وإيجابيات هذا التيار. وهو فى نفس الوقت قريب من التيار المدنى بثقافته الموسوعية وعلاقاته مع مؤسسات دولية وشخصيات عالمية ومتابعته لما يجرى فى العالم من التقدم العلمى والفكرى والحضارى، فضلًا عن كونه من كبار أساتذة القانون وفقهاء القانون الدستورى بوجه خاص. ولكل ذلك فهو موضع احترام كل التيارات بشخصيته ومواقفه وعلمه، ولدوره فى الحياة العامة فى مصر ودوره الذى يتجاوز مصر إلى ميادين ومجالات عربية وعالمية.
فالدكتور أبو المجد مفكر إسلامى منفتح على العالم، يقوم بدور توفيقى يسعى من خلاله إلى أن يجمع التيارات الدينية على ما بينها من اختلافات وخلافات، والتيارات المدنية بما فيها من انقسامات وخصومات، وهدفه أن تصبح هذه التيارات جميعها تحت مظلة واحدة وتحسن الحوار فيما بينها للتوصل إلى قواسم مشتركة أولها مصلحة الوطن وتنقية العقيدة.
لذلك أرى أهمية خاصة للرؤية التى يطرحها الدكتور أبو المجد لواقع التيار الإسلامى فى مصر وما يجب أن يكون عليه لكى يتوافق مع العصر، ويتمكن من تحقيق أهدافه، وهو يقدم هذه الرؤية ولا يقول إنها الكلمة الأخيرة، بل إنه يدعو إلى مناقشتها وتطويرها، وإعتبارها بداية للبحث والاتفاق على منهج للإصلاح الدينى والاجتماعى والثقافى بدلا من الفوضى القائمة فى ساحة الفكر والعمل الإسلامى فى مصر التى قد تنتهى إلى الإساءة إلى هذا التيار وقد تصل الإساءة إلى الإسلام نفسه.
***
ورؤية الدكتور أبو المجد - كما فهمتها - ألخصها فى النقاط الاتية:
أولًا: أن التيار الإسلامى عليه أن يبدأ بفتح باب الاجتهاد فى أصول الفقه لأنه لا يمكن تجديد الفقه بدون التجديد فى بعض أصول الفقه والاجتهاد فى الفروع والأصول. وهذا عمل كبير يحتاج إلى إرادة وشجاعة وكفاءة ولا يقوم به إلا علماء وفقهاء متخصصون ولا يصلح له متطوعون هواة لم يدرسوا علوم الإسلام دراسة منهجية، ولذلك فالأمر يستلزم ما يسميه «ثورة» فى مناهج وأسلوب عمل مؤسسات التعليم الدينى. وهذه المهمة هى المقدمة التى تضمن سلامة السير على طريق الإصلاح فى كل مجالات الدين والدنيا.
ثانيًا: يحتاج الدعاة إلى الإسلام إلى وقفة مع النفس حتى يستقر فى أفهامهم التمييز بين حكم الله وتشريع المسلمين. حكم الله هو الحكم المقرر من الله- وليس من غيره - وثابت فى القرآن والسنة، أما تطبيق هذا الحكم على حياة الناس وما يواجهونه من أقضية فالحكم فيه لتشريع البشر الذى يباح فيه تعدد الرؤى والاجتهادات واختلاف الآراء ويقع فيه الخطأ والصواب ومعنى ذلك أنه ليس من حق أحد أن يقدم تشريعًا من اجتهادات البشر ويقول هذا حكم الله، فهذا اجتهاد وتفسير وللمسلم أن يأخذ به أو يأخذ باجتهاد وتفسير آخر لهذا الحكم، وهذا ما فهمه وعمل به علماء المسلمين فى عصورهم الذهبية فتعددت المذاهب فى الفقه، ولم يجرؤ صاحب مذهب على أن يحكم على صاحب مذهب آخر بالخطأ أو بالخروج على حكم الله، وكانوا يقولون رأينا صحيح يحتمل الخطأ ورأى غيرنا خطأ يحتمل الصواب، وكانوا متفقين على القول لكل من يسأل يتبع من هو (بأيهم اقتديتم اهتديتم). وهذه هى سماحة الإسلام التى ترفض الجمود والتعصب وضيق الأفق.
ثالثًا: على التيار الإسلامى أن يدرك أن الإسلام ليس له متحدثون رسميون ولا أوصياء على الناس باسمه، فالناس فى- صحيح الإسلام أصرار أن يؤمنوا أو لا يؤمنوا، وأمر الله الواضح الصريح هو «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» ولا يحاسب العباد إلا رب العباد إليه مرجعهم( وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ )وإذا كان الرسول? قد خضع لحكم الله
(إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) فكيف يعطى أحد لنفسه مهما كان قدره أن يسيطر على عقائد الناس، وإذا كان الله يحذر رسوله? من أن يكره الناس حتى يكونوا مسلمين فكيف يكون الإنسان مهما كانت منزلته أن يكره الناس على الإيمان والإيمان لا يقبله الله إلا إن كان طواعية وإختيارًا ونابعًا من إرادة حرة.
رابعًا: ليس هناك طريق أمام العالم الإسلامى للتقدم والعودة إلى عصوره الزاهرة إلا بالعلم والتمسك بمناهج البحث العلمى ومسايرة التقدم فى مجالات العلوم الفيزيائية وعلوم البيولوجيا وعلوم الفضاء فى السباق العالمى فى مجالات التكنولوجيا، ويذكرنى ذلك بما نبه إليه الدكتور حسين كامل بهاء الدين فى كتابه القيم (مفترق الطرق) من أن العالم دخل مرحلة «التفجر المعرفى» وثورة فى التكنولوجيا والاتصالات الفائقة والذكاء الاصطناعى وكثير من المجالات التى لا يشارك فيها العالم الإسلامى حتى الآن، فالعالم الإسلامى «مستهلك للتكنولوجيا» يشتريها من الدول المتقدمة وليس منتجًا للتكنولوجيا، وهذا الحال يجب الخروج منه إلى ساحة المنافسة العلمية وهذا يتوقف على أن يدرك التيار الإسلامى ضرورة تهيئة المجتمع للتعامل مع عالم جديد قائم على العلم والمعرفة، هذه هى الفرصة الآخيرة والذين لن يلحقوا بالسياق العالمى سوف يتراجعون ولن تتاح لهم فرصة بعد ذلك للتقدم، لأن سرعة الانجازات فى العلوم تفوق التصور ومن لا يتقدم يتأخر. وللخروج من الحالة التى جعلت العالم الإسلامى يتخلف فى مجالات العلم والتكنولوجيا لابد من تغيير أسلوب التفكير مما يؤهلنا للتعامل مع علوم المستقبل، فعالم اليوم لا مكان فيه للضعفاء ولا أمل فيه للجهلاء، ولا يمكن أن يقابل هذا التقدم العلمى والتكنولوجى المذهل فى العالم بأى كثرة عددية، فالعلم - اليوم - هو سيد الموقف فى كل مجالات الحياة وفى الحروب، فالحروب اليوم حروب علمية وتكنولوجيا ولا مجال فيها للعنتريات.
***
والحقيقة أننا فاتنا الكثير وليس أمامنا إلا أن نغير عقولنا ونعمل على بناء (عقل جديد لهذا العالم الجديد) الذى أصبحت فيه القوة لمن يحقق تقدمًا أكثر فى الهندسة الوراثية والتكنــولوجيا فائقــة الصغر(النانو تكنولوجى) والإنسان الآلى (الربوت) والذكـــاء الإصطنــــاعى وعلوم الفضاء. وليس من المعقول أن يدير بعض المسلمين ظهورهم لكل ذلك وينشغلوا بأمور شكلية لا تقدم ولا تؤخر ويجعلوها رسالتهم فى الحياة، وأن ينشغل بعض المسلمين بالموت ويرون أن بذلك أمر الله بأن يعمروا الأرض ويعملوا لدنياهم كأنهم يعيشون أبدا ويعملوا لآخرتهم كأنهم يموتوا غدا.. التقدم مرتبط بإيمان التيار الإسلامى بأن العلم هو المدخل الوحيد لتحسين حياة الناس وهو الأساس الذى يحدد مكانة ومكان العالم الإسلامى.. مع المتقدمين أو مع المتخلفين.. مع أهل الكلام والخطابة أو مع أهل العمل والإنجاز؟
***
خامسًا:إن تعطيل العقول وفرض القيود على حرية التفكير بدعوى المحافظة على النصوص ليس إلا تعبيرًا عن العجز والقصور وليس تعبيرًا عن الإيمان. والقول بأن الحكم لله وليس للبشر قول صحيح إذا كان يراد به القيم والمبادئ المنزلة من عند الله فى كتابه وسنة نبيه، أما فهم وتفسير حكم الله فهو اجتهاد بل هو واجب البشر. وفى تاريخ العالم الإسلامى زمن كان فيه القول (الحاكمية لله) مدخلا للباطل والظلم وإلزام الناس بما لايلزم من إكراههم على اعتناق مذهب معين والتضييق عليهم بدلا من الحرية التى أتاحها الإسلام لكل مسلم فى الاختيار بين المذاهب فى نطاق المباح.
سادسًا: ليس فى الإسلام أن يفرض على الناس نظاما للحكم على أنه نظام الحكم الإسلامى بحيث يحرم الناس من التفكير فى نظام آخر، لأن نظام الحكم فى الإسلام ليس ثابتًا ومقررًا بنصوص فى الكتاب والسنة، وبالتالى لا يلزم المسلمون بصيغة واحدة من تجربة من تجارب الحكم فى التاريخ الإسلامى، وأى نظام يكون إسلاميًا بقدر ما يلتزم بالمبادئ الأساسية التى وردت فى القرآن والسنة صراحة أو ضمنًا وأولها مبدأ الشورى فى كل أمور المجتمع ومبدأ مسئولية الحاكم عن أعماله، ومبدأ احترام حقوق وحريات الأفراد مالم تتعارض مع مصالح المجتمع أو تعرضه للخطر.
والخلاصة أن التيار الإسلامى محتاج الآن إلى وقفة مع النفس للمراجعة للتوصل إلى الطريق الصحيح للارتقاء بالمجتمع وأفراده والدخول فى القرن الحادى والعشرين الذى سبقتنا إليه كوريا وسنغافورة والصين والهند وهى دول غير إسلامية(!)

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف