عالم عربى جديد فى القرن الجديد

تختلط الايجابيات بالسلبيات في العالم العربي وهو يخطو إلي القرن الحادي والعشرين‏..‏ ويبدو ان العالم العربي لم يستعد لدخول هذا القرن بينما اتمت دول أخري وتجمعات دولية استعداداتها‏,‏ وبدأت السير إلي هذا العصر بما يتناسب مع طبيعته‏.‏ بينما بقي العالم العربي واقعا في حفرتين ولم يستطع الخروج منهما أو تجاوزهما واستكمال الطريق الطويل بعدها‏.‏ والحفرتان هما‏:‏ تعثر عملية السلام والمناورات الإسرائيلية وفرض موضوع واحد علي العرب هو كم ستترك إسرائيل من الأرض العربية التي تحتلها‏.‏ والحفرة الثانية هي حالة الانشقاق العربي الغريبة التي يعيش فيها العرب نتيجة تداعيات غزو العراق للكويت‏,‏ بالاضافة إلي الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها العالم العربي‏,‏ وسلبيات أخري ليس آخرها الإرهاب أو تراجع المشروع الوحدوي‏,‏ أو العمل المشترك في أي المجال اقتصادي أو سياسي أو عسكري‏.‏

أما الحفرة الإسرائيلية فقد ادت إلي انشغال العرب بمحاولات إيجاد حلول للازمات المتتالية التي تخترقها إسرائيل امام عملية السلام‏,‏ وهذه الازمات ذات هدف مزدوج‏:‏ الهدف الأول هو الضغط علي العرب لكي يتنازلوا عن جانب من حقوقهم‏,‏ ويتنازلوا بذلك عن مبدأ العدل ويقبلوا السلام بدون العدل اما الهدف الثاني فهو شغل العرب إلي درجة اصابتهم بالشلل‏,‏ فيتوقف نموهم وتقدمهم‏,‏ ويظلون محلك سر أو يتراجعون إلي الوراء‏.‏ وينسون مشروع النهضة الحضارية الذي كانوا قد بدأوه وخطوا فيه خطوات لا بأس بها‏.‏

ونلاحظ ان هذا الهدف قد تحقق بدرجات مختلفة بحسب وعي كل دولة عربية وقدرتها علي الاستبصار بالواقع والمستقبل‏,‏ فقد انشغل السياسيون والاقتصاديون لفترة طويلة في التفكير في قبول أو مقاومة مشروعات ادماج إسرائيل في اقتصاد المنطقة قبل ان تعيد الأرض التي تحتلها‏,‏ وقبل ان يتحقق السلام‏,‏ ولم يركزوا علي قضايا تطوير الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي‏,‏ وربما يكون ذلك استمرارا للتأثر بشعار لا صوت يعلو علي صوت المعركة وكان هذا الشعار نابعا من مرحلة الاعداد لحرب التحرير‏,‏ اما في مرحلة المفاوضات والتسويات فان العمل لابد ان يسير في اتجاهين‏:‏ اتجاه التسوية العادلة‏,‏ واتجاه اصلاح وتطوير المجتمعات العربية وتقليل الفجوة الحضارية بينها وبين المجتمعات المتقدمة‏.‏

والغريب ان مشروع ادماج إسرائيل في المنطقة سار بسرعة أكبر من مشروع الاصلاح والنهضة العربية‏,‏ فعقدت لهذا الغرض المؤتمرات الاقتصادية التي شاركت فيها كل دول العالم تقريبا برعاية الولايات المتحدة‏,‏ وانشيء صندوق التعاون الاقتصادي في الشرق الأوسط منذ عام‏1989,‏ ووضعت خطة للتعاون الاقليمي اشترك في اعدادها وتطويرها وتنفيذها مجموعة من الخبراء العرب والإسرائيليين والأمريكيين والأوروبيين‏,‏ وشاركت فيها جامعات ومؤسسات مختلفة‏,‏ ووضعت تصورات جاهزة عن شرق أوسط جديد‏.‏

وعلي الجانب العربي لم يتم اعداد تصور مماثل عن عالم عربي جديد‏,‏ يتم فيه التوظيف الامثل للقدرات‏,‏ والثروات‏,‏ والموارد العربية‏,‏ علي مستوي كل دولة‏,‏ ثم علي مستوي التكامل بين الدول العربية أو بين مجموعات منها تستطيع ان تحقق التكامل في هذه المرحلة‏,‏ ولو وجد مثل هذا التصور للتعاون والتكامل‏,‏ ووجدت معه الادارة السياسية‏,‏ فان هذه الرؤية الوردية لعالم عربي جديد سوف تكون ممكنة التحقيق‏.‏ وسوف تتلاشي أوضاع التخلف‏,‏ والجمود‏,‏ وعدم الاستقرار السياسي‏,‏ والتبعية الاقتصادية والمالية‏,‏ وغير ذلك من النذر والمخاطر القائمة والقادمة مع الجولة الجديدة من العولمة‏..!‏

والواقع العربي الآن يدق نواقيس كثيرة تدعو الجميع إلي اليقظة والانتباه‏..‏ التعنت الإسرائيلي من ناحية‏..‏ واتفاقات الجات وشروط وضغوط المنظمات الدولية من ناحية ثانية‏..‏ والعجز في موازين المدفوعات الذي وصل إلي نقطة قريبة من نقطة الخطر‏.‏ والديون الخارجية التي جعلت معظم الدول العربية تعيش في مستوي أعلي من مواردها‏,‏ ويرتفع فيها مستوي المعيشة نتيجة المساعدات الخارجية وليس نتيجة لنموها‏..‏ وينطبق هذا بصورة أكبر علي إسرائيل أيضا‏,‏ حيث يزيد نصيب الفرد من الناتج المحلي فيها علي‏10‏ أمثال نصيب الفرد في الدول المجاورة لها‏,‏ وذلك نتيجة التدفقات المالية التي تتلقاها إسرائيل من الخارج في صورة معونات أمريكية‏,‏ وتبرعات‏,‏ وتحت مسميات أخري كثيرة‏..‏ ويضاف إلي السلبيات تراجع قيمة الصادرات من الدول العربية إلي الاسواق الخارجية‏..‏ وتناقص نصيب العرب من حجم التجارة الدولية‏.‏

وهناك قنابل موقوته تم زرعها في المنطقة العربية‏,‏ تنتظر الاذن لاشعال الفتيل في الوقت المناسب‏,‏ أكبرها مشكلات الاقليات التي تلقي رعاية غير عادية من دول عظمي ومنظمات قوية مخصصة لاشعال النار فيها‏.‏

وتبقي مشكلة التنمية الكبري في العالم العربي هي اتجاه الاموال العربية الي الاستثمار في الخارج‏,‏ وظهور طبقة جديدة من رجال الأعمال العرب اكتسبوا خبرة في العلاقات العامة يقتصر جهدهم في الوساطة بين الشركات الوطنية في بلادهم والشركات الدولية العملاقة التي تسيطر علي جزء كبير من الاقتصاد العالمي‏,‏ ويعمل بعضهم داخل بلاده في مجالات مأمونة وتحقق أكبر قدر من الربح في اسرع وقت إما في البنوك‏,‏ أو في العقارات وتجارة الاصول الثابتة التي تحقق عائدا كبيرا دون ان تضيف إلي الدخل القومي‏.‏

ووفقا لبعض التقديرات الغربية فان الاموال العربية في الخارج تزيد علي‏500‏ مليار دولار‏,‏ كما جاء في الموند ديبلوماتيك منذ سنوات‏,‏ وكما ذكرت صحيفة هيرالد تريبيون الدولية نقلا عن احصاءات مصادر دولية‏,‏ وكما جاء أيضا في تقرير بنك انجلترا‏,‏ وهذا الرقم يزيد علي مجموع الناتج المحلي للدول العربية كلها والذي يصل إلي‏400‏ مليار دولار معظمها من عائدات البترول وهذا الرقم للاموال الخاصة المملوكة لأفراد من الدول العربية يبين مدي قدرة القطاع الخاص العربي علي المشاركة بقوة في تحقيق نهضة وتقدم اقتصادي في المجالات الصناعية والتكنولوجية التي تضيف إلي الناتج القومي وتفتح مجالات عمل حقيقي ومنتج لأعداد كبيرة من الشباب‏.‏

ولكن قيام اصحاب الاموال العربية بدور في تنمية بلادهم يتوقف علي مدي استعدادهم لتغيير توجهاتهم الاساسية‏...‏ وهل يقبلون الانتقال من الاستثمار في المجالات السهلة في الاستيراد‏,‏ والتجارة‏,‏ والوساطة والسمسرة‏,‏ والمضاربة في الأراضي والعقارات‏,‏ بما تتجه لهم هذه المجالات من عائد مرتفع وسريع‏,‏ وسهولة التهرب من الضرائب والجمارك‏,‏ إلي الاستثمار في اقامة صناعات جديدة متطورة للتصدير‏,‏ وهل يقبل اصحاب هذه الاموال علي توظيف اموالهم في عملية التحرير الاقتصادي وشراء الشركات والمصانع المطروحة للبيع في إطار سياسة الخصخصة‏.‏

والحقيقة التي لاتقبل الشك في القرن الحادي والعشرين هي انه ليس هناك دولة عربية قادرة علي تحقيق نهضتها وحدها‏,‏ بالاعتماد علي مواردها وقدراتها فقط‏,‏ أو تستطيع الاستغناء عن بقية الدول العربية‏,‏ وقد تظهر النظرية الخاطئة في بعض دول عربية تجد اصواتا تنادي بتفضيل الاعتماد علي الدول الخارجية المتقدمة وقبول التضحيات التي تكفي لاشباع اطماع هذه الدول والقادمين منها‏,‏ ولكن التجربة اثبتت وسوف تثبت أكثر وأكثر ان المجال الطبيعي لنمو كل دولة عربية هو العالم العربي وان الخطأ الأكبر هو الخروج من الدائرة الأولي من دوائر الوجود‏,‏ وتجاوزها إلي دوائر بعيدة وغريبة‏.‏

من هنا نجد انفسنا امام حقيقة لن يفيدنا الهروب منها‏,‏ أو تأجيل مواجهتها‏..‏ وهي ان المصير العربي كله في القرن الحادي والعشرين سوف يتوقف علي امر واحد‏,‏ هو قدرة العرب علي استرداد الوعي بضرورة التعاون العربي‏..‏ وبعد ذلك سنجد انفسنا مضطرين إلي العودة إلي الجامعة العربية وإعادة الروح اليها‏..‏ وإلي مؤتمرات القمة‏..‏ وإلي زيادة التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي‏..‏ وإلي استثمار الاموال العربية داخل البلاد العربية‏..‏ وتجاوز كل الخلافات التي مهما بدت كبيرة فهي صغيرة بالقياس إلي حجم المخاطر الناتجة عنها‏.‏

ان القرن الحادي والعشرين هو قرن الاقوياء‏..‏ ولقد أعلن الرئيس الأمريكي انه سيكون قرنا أمريكيا‏..‏ ويحاول الأوروبيون ان يجعلوه قرنا أوروبيا‏..‏ والآسيون أيضا يسعون إلي ان يجعلوه قرنا الآسيويون‏.‏ فلماذا لانحاول ان نجعله قرنا عربيا‏..‏؟


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف