حقائق فى الصراع العربى الإسرائيلى

لو راجعنا تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي فسوف نجد حقيقتين بارزتين لا يمكن إنكارهما‏,‏ وإن كان البعض يحاول بالتضليل ان يتجاهلهما أو يلتف حولهما‏.‏

الحقيقة الأولي أن العرب أنتروا عندما توحدت صفوفهم‏,‏ وتناسوا خلافاتهم‏,‏ ونزعات الزعامة الوهمية التي تسيطر علي عقول بعضهم‏,‏ وجعلها للمصلحة العربية العليا‏,‏ وللأمن القومي العربي‏,‏ والأولوية في عملهم‏..‏ وليس أدل علي هذه الحقيقة من انتصار حرب‏73‏ الذي هو انتصار عربي شارك فيها الجميع بإخلاص وجدية ولم يخرج علي الاجماع وقتها إلا من أراد الله بالعرب خيرا بخروجه‏,‏ والوجه الآخر لهذه الحقيقة ذاتها ان العرب لم ينهزموا في معركة مع اسرائيل إلا عندما تفرقت صفوفهم‏,‏وظهرت بينهم روح الانفراد‏,‏ والانتهازية السياسية‏,‏ وتغليب المصلحة الفردية أو القطرية علي المصلة القومية‏..‏ والادلة علي ذلك كثيرة منذ بداية الصراع عندما ظهرت العصابات الصهيونية ونشرت الارهاب في فلسطين‏,‏ واستولت بالقوة علي اراضيهم تحت سمع وبصر الشرعية الدولية في ذلك الوقت والدولة العظمي التي كانت مسئولة عن حماية شعب وأرض فلسطين‏..‏ فلم تفعل إلا أن مكنت العصابات الصهيونية وكان حقا ما قيل‏:‏ أعطي من لا يملك لمن لا يستحق‏..‏ وفي حرب‏48‏ ثم عدوان‏56‏ وعدوان‏67..‏ وفي الصراع الدائم مع اسرائيل لإيقاف زحفها علي الأراضي الفلسطينية وطرد سكانها والتوسع في إقامة المس

توطنات بالأموال التي تتدفق عليها من الولايات المتحدة‏.‏

وحتي اليوم فإن كل الهزائم الصغيرة والكبيرة‏..‏ العسكرية والسياسية‏..‏ مرجعها الي سبب واحد هو ضعف الجبهة العربية‏..‏ برغم عوامل القوة الحقيقية الكامنة فيها بشريا وحضاريا واقتصاديا واستراتيجيا‏..‏ ولكن الانقسامات والخلافات والمعارك والعداوات داخل هذه الجبهة العربية تجعلها دائما في موقف الضعف في كل معركة ويؤدي بها الي الهزيمة‏.‏

هذه الحقيقة البسيطة الواضحة التي يدركها أي انسان بسيط من مجرد استعراض التاريخ ورؤية الواقع بقلب سليم‏..‏ تغيب عن كثير من العرب مع الأسف‏..‏ ويستغلها أعداؤهم للنفاذ الي صفوففهم‏..‏ واختراق جبهتهم‏..‏ وتعميق الخلافات واختلاق المزيد منها حتي لا يتوحد العرب أبدا‏..‏ لان وحدة العرب هي القوة الحقيقية الكبري في هذه المنطقة التي يمكن أن تغير موازين القوي‏..‏ وحدة العرب أقوي من كل الأسلحة المتقدمة في أيدي الآخرين‏..‏ بل إن وحدة العرب أقوي من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل‏..‏ وهذه الحقيقة يعرفها اعداء العرب جيدا ويجيدون التعامل معها ويحققون النجاح دائما في شق الصف العربي كلما لاحت بوادر وحدته‏.‏

والحقيقة الثانية التي يستخلصها كل من يتابع بنزاهة مسار الصراع العربي الاسرائيلي هي أن مصر وشعبها وقيادتها هي التي حملت النصيب الأكبر من التضحيات وتحملت الجانب الأكبر من المسئولية في كل مراحل هذا الصراع عسكريا وسياسيا‏..‏ مصر قدمت من الشهداء أضعاف أضعاف ما قدمه الجميع‏..‏ وقدمت من الأموال أضعاف أضعاف ما قدموا‏..‏ وتحمل شعبها العيش في ظل الضائقة الاقتصادية لسنوات طويلة ولم يشك ولم يتذمر ولم يمن علي أحد‏..‏ بل كان دائما مستعدا لتقديم المزيد‏.‏


والشعب المصري يقدم كل هذه التضحيات‏,‏ ويتحمل كل هذه المسئوليات عن اقتناع كامل بأن المصلحة العربية العليا هي ذاتها المصلحة العليا المصردون انفصال‏,‏ وان الأمن القومي لمصر لا يمكن ان يتحقق دون الأمن القومي العربي‏,‏ وان حركة التاريخ سوف تفرض الوحدة العربية يوما قد لا يكون قريبا‏.‏ لكن هذا اليوم سوف يأتي حتما علي أيدي جيل من المخلصين يتعلم من دروس التاريخ‏,‏ ويرتفع عن الصغائر‏,‏ ويكون مؤهلا لهذه المسئولية التاريخية الكبري‏..‏ والشعب المصري مؤمن إيمانا لا يتزعزع‏..‏ ولا يتأثر بالصغائر والمهاترات‏..‏ إن مصر بحكم موقعها‏..‏ وتاريخها‏..‏ وحضارتها‏..‏ واكتمال عناصر قوة الدولة فيها‏..‏ عليها التزام تاريخي بأن تكون القيادة والطليعة‏..‏ وان يكون أول من يضحي وآخر من يستفيد‏,‏ حتي ولو كان غيرها لا يضحي ويسعي بانتهازية واضحة لان يستفيد‏..‏ والشعب المصري لا يضيق كثيرا بالاكاذيب‏,‏ والألاعيب الصغيرة‏,‏ ومحاولات الدس والوقيعة‏,‏ ومؤمرات تشويه الدور المصري‏,‏ وغير ذلك مما يحاوله البعض‏..‏ لأن الشعب المصري‏-‏ وقيادته‏-‏ ينبع الشعور والفكر والعمل لديهما من منطلق الاحساس بالخطر المحيط بالعرب جميعا‏,‏ والشعور بالمسئولية القومية‏..‏ ومصر وشعبها من اعتاد علي ان يظهر في وقت الشدة من يحاول إفساد المسيرة العربية‏..‏ وان يقفز بعض الحمقي والموتورين والمأجورين للإساءة الي مصر وشعبها عن عمد‏,‏ بقصد إثارة المرارة في نفوس المصريين واقناعهم بان ما يبذلونه من جهد وما يقدمونه من تضحيات لن يكون له مقابل إلا النكران‏..‏ والهدف‏-‏ طبعا‏-‏ ان يصل الشعب‏-‏ والقيادة‏-‏ في مصر الي درجة يعجزون فيها عن تحمل كل هذه السخافات ويبدأ الشعور بأن وحدة الصف العربي أمل لن يتحقق‏..‏ وان تحمل مسئوليات وتضحيات من أجل الأشقاء لم يعد مجديا‏..‏ وبذلك ينفرط عقد العالم العربي نهائيا‏..‏ ويتحقق الهدف الاستراتيجي النهائي لاسرائيل ومن يساندها‏..‏ ويتحول العالم العربي الي جزر منعزلة فقيرة ومتخلفة وضعيفة‏..‏ وتتحول كل الدول العربية الي متحف كبير للتاريخ الطبيعي يأتي إليه السياح‏,‏ ليشاهدوا كيف كانت الحياة في القرون الوسطي‏.‏

ولأن مصر‏-‏ وشعبها وقيادتها‏-‏ علي وعي بهذه الحقيقة‏,‏ فإنهم يرفضون بقوة محاولات عزل مصر عن محيطها العربي الطبيعي‏..‏ ويرفضون محاولات الإرتفاع بين مصر وشقيقاتها‏,‏ ويرفضون محاولات عزل أي شعب عربي وأي بلد عربي عن مصر لكي تنفرد بها الذئاب‏.‏

والأمر الذي لا شك فيه ان كل دعوة لتوحيد الصف العربي‏,‏ وتجاوز الخلافات‏,‏ وتنقية الأجواء والارتفاع الي مستوي الاحداث‏..‏ هذه الدعوة فقط هي التي تصدر عن كل عربي مخلص يسعي لمصلحة العرب‏..‏ وكل محاولة للايقاع بين العرب بعضهم بعضا‏..‏ وكل عمل يقصد به تسميم الآبار التي يشرب منها العرب جميعا هي لمصلحة أعداء العرب‏..‏ وفي كل المراحل كان في داخل الصفوف العربية من كان يقوم بالخيانة‏,‏ ويمثل الطابور الخامس‏,‏ ويعمل لمصلحة اعداء العرب‏,‏ ومثل كل الخونة في التاريخ فانهم لا يظهرون علي حقيقتهم‏,‏ ويدعون الإخلاص والحماس ويزايدون علي المخلصين‏..‏ ومن رحمة الله بالأمة العربية أن هؤلاء الخونة يذهبون إلي قبور النسيان ولا يتركون وراءهم إلا الخزي والعار‏..‏ وان الرجال الحقيقيين المخلصين لأمتهم وقضاياها ومصالحها هم الذين يبقي ذكرهم وإن كره الكارهون‏..‏ والنصر في النهاية للحق واصحابه‏..‏ والهزيمة في النهاية للخونة والمنافقين والانتهازيين‏..‏ وأظن أنه لا حاجة لذكرهم بالاسم‏..‏ فالكل يعرفهم‏..‏ وهم يعرفون أنفسهم‏..‏ وندعو الله في كل لحظة‏:‏ اللهم لا تؤاخذنا بمافعل السفهاء منا في أرض فلسطين الطاهرة وفي الجزيرة‏.‏

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف