المرأة و السياسة
اختار المجلس القومي للمرأة قضية المرأة والسياسة موضوعا للحوار في المنتدي الثاني للمجلس بعد أيام برئاسة السيدة سوزان مبارك.
وفي هذه المرحلة التي يمر بها المجتمع المصري التي تتميز بالعمل بجدية في ثلاثة مجالات اساسية: في التنمية الاقتصادية, والتنمية الاجتماعية والثقافية, والتنمية السياسية والديمقراطية تظهر اهمية زيادة فاعلية وايجابية المرأة في هذه المجالات جميعا, وهي نصف المجتمع, ولن تتحقق اهداف التنمية في اي مجال من هذه المجالات دون مشاركة كاملة من نصف المجتمع. فضلا عن ان استئثار الرجال بالمواقع الحاكمة لحركة المجتمع والمؤثرة في القرار في السلطة التنفيذية, والسلطة التشريعية, والاحزاب, لا يتفق مع مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص من ناحية, ويحرم المجتمع من طاقات تفيد وتضيف وتكمل, والمجتمع محتاج الي كل فكر وكل جهد.. ودرجة التطور التي تحققت في المجتمع المصري في السنوات العشرين الأخيرة تمثل طفرة واسعة, بحيث لم تعد من القضايا الخلافية الآن القضايا التي شغلت الاجيال السابقة مثل تعليم او عمل او خروج المرأة, او حقها في المشاركة في الحياة العامة, أو المساواة القانونية والقضاء علي التمييز.. كل ذلك انتهي ولكن ما زالت قضية مشاركة المرأة المصرية في الحياة السياسية بالمعني الكامل والشامل والعادل, هي القضية التي تحتاج الي جهد كبير والي عمل بفكر جديد وباسلوب جديد, لا يعتمد علي مجرد المطالبة والمناشدة, ولكن يعتمد علي تغيير الواقع, وفرض واقع جديد. ومن التبسيط المخل لهذه القضية اختزالها في المطالبة بزيادة عدد المقاعد التي تشغلها المرأة في الوزارة, ومجلس الشعب, ومجلس الشوري, بينما الامر يحتاج الي إعداد واستعداد وسياسة طويلة المدي لتكون هي اسلوب الحياة في مصر اليوم وتتعمق جذورها لضمان استمرارها واستقرارها في المستقبل.. وفي هذا أري ان هناك نقاطا تحتاج الي تأمل وعمل:
أولا: ان المرأة المصرية لن تحقق النجاح المنشود بمجرد زيادة عدد المقاعد في مواقع معينة, ولكن النجاح يتحقق حين تتأكد فاعلية وإيجابية المرأة في مبادين العمل السياسي مع الناس.. وليست القضية بالكم ولكن بالكيف.. فقد يكون وجود عشرين سيدة مثلا في مجلس الشعب اكثر حضورا اذا شاركن بوعي وخبرة ومقدرة من مائة سيدة صامتة او عاجزة او تفتقد الي الخبرة والقدرة.. وينسحب ذلك علي جميع المواقع والمجالات.. فإعداد المرأة للعمل السياسي لابد ان يسبق وصول المرأة الي المقاعد المؤثرة في الحياة السياسية, وهذا يرتبط بأمرين, الاول هو موضوع التربية السياسية, والثاني هو المفاهيم والقيم والثقافة السائدة في المجتمع. وبالنسبة للأمر الاول هناك قصور عام في التربية السياسية عموما للجنسين علي حد سواء, وحتي الآن لم نصل الي ايجاد مجالات او آليات للتربية السياسية, أو إعداد الكوادر السياسية, او حتي لنشر الثقافة السياسية علي نظاق واسع في المجتمع.. وبالنسبة للأمر الثاني فأن المفاهيم والقيم والفكرة السائدة في المجتمع هي ان اشتغال المرأة بالعمل العام, واشتراكها في الحياة العامة, مجاله الانشطة الاجتماعية والانسانية.. بالاضافة الي السعي المشروع للمرأة للحصول علي حقوقها كانسان ومواطنه, وكزوجة وأم, ولذلك فان السائد لدي عامة الناس هو ان النشاط النسائي يجب ان يوجه الي رعاية الاطفال والمطلقات والاسر الفقيرة, وحماية المرأة من القهر والظلم في شئون الزواج والطلاق باعتبارها احد طرفي المعادلة وليست صفرا مهملا.. ومع الاهمية البالغة لهذه المجالات, ومع النجاح الكبير الذي تحقق فيها وأدي إلي تغيير اجتماعي نوعي واسع المدي, الا ان المرأة المصرية لم تدخل في نفس الوقت, وبنفس القوة, ساحه العمل السياسي, وهذه هي المساحة التي لم تحصل فيها المرأة علي حقوقها, ربما لانها لم تبذل فيها الجهد الكافي للإعداد والاستعداد لخوض معاركها.
ثانيا: ان الحياة السياسية لا تزدهر الا في وجود احزاب قوية نسبيا ونشيطة بدرجة كافية, والنشاط الحزبي عموما ضعيف حقيقة, ووجود الاحزاب في الشارع وتأثيرها علي الناس محدود, ولكن الاهم من ذلك ان مشاركة المرأة في الاحزاب يكاد يكون معدوما, ووجود عشر او عشرين او حتي مائة سيدة نشيطة حزبيا لا يعني شيئا, ولو نظرنا الي التشكيلات القيادية والقاعدية للحزب الوطني, وهو حزب الاغلبية, فسوف نجد وجود المرأة محدود او معدوم, ولم تخرج وزيرة او قيادة نسائية من صفوف الحزب, ولكن خرجن جميعا من الجامعات او من مواقع العمل التنفيذي او العمل الاجتماعي, وربما أدي ذلك الي اختلاط الامر وتصور ان العمل الاجتماعي والانساني, والعمل السياسي شيء واحد, والحقيقة ان هناك فروقا تحتاج الي توضيح, ولكل مجال اسلوبا مختلف في التثقيف والاعداد والتدريب والممارسة.
ثالثا: ان تزايد اعداد النساء المقيدات في جداول الانتخابات والمشاركات باعطاء اصواتهن ليس مقياسا صحيحا علي اطلاقه لمدي مشاركة المرأة في العمل السياسي وايجابيتها, لان العصبيات والعائلات التي ما زالت تحكم القرية تلعب دورا في حشد نساء القرية لقيد اسمائهن والذهاب الي صناديق الانتخاب بالجملة دون وعي او قدرة علي الاختيار.. فهي اصوات مؤثرة من حيث العدد, لكنها ليست معبرة عن وعي نسائي سياسي بالمعني الصحيح.. واذا استطعنا ان نضيف ان زيادة العدد زيادة الوعي وغرس قيمة حرية الاختيار فسوف يكون ذلك انجازا كبيرا جدا.
رابعا: ان كثيرا من السيدات اللاتي يتقدمن للترشيح في الانتخابات يقدمن انفسهن للناخبين لأول مرة, في دوائر ليست لهن صلة سابقة بها, وليس لهن شعبية فيها, او رصيد مقبول, واعداد المرشح لا يتم في يوم وليلة, ولكنه يتم في سنوات طويلة من العمل والمعايشة والاقتراب من الناس وحل مشكلاتهم ومشاركتهم آلامهم وآمالهم, أما المرشح الذي يهبط علي الدائرة بالمظلة فلن يكون ممثلا تمثيلا صادقا للناس, ومن الصعب حصوله علي الاعتراف والاقتناع والتأييد منهم ولاشك ان لدينا نماذج تتوافر فيها هذه القدرات.
وباختصار: ان زيادة مشاركة المرأة في الحياة السياسية لا يتم بالمناشدة, ولا يتم بقرار, ولكن يتم بعمل طويل المدي لإعداد قيادات نسائية سياسية من ناحية, وإعداد قاعدة سياسية نسائية في الشارع العربي من ناحية اخري.. وبعد ذلك فسوف تزداد إعداد مقاعد المرأة تلقائيا ودون عناء.