المرأة و الإعلام

في المنتدي الأول للمجلس القومي للمرأة قيل أن الإعلام عموما‏,‏ والتليفزيون خصوصا تقع عليهما مسئولية تخلف المرأة المصرية‏,‏ وذلك بتقديم المرأة في صورة سلبية‏,‏ أما كزوجة مهيضة الجناح ومنكسرة وتابعة للرجل‏,‏ وأما كعاملة عاجزة عن اداء واجبات وظيفتها بسبب كونها امرأة‏,‏ وعليها مسئوليات خدمة البيت والزوج والابناء‏,‏ وعدم قدرتها علي التوفيق بين هذه الاعباء جميعا‏.‏

والحقيقة أن بعض المتحدثات في الندوة كان حرصهن شديدا علي توجيه الاحكام الظالمة للإعلام‏,‏ وربما كان ذلك بحثا عن كبش فداء توجه اليه الاتهامات بدلا من مواجهة الاسباب الحقيقية لتخلف المرأة المصرية‏,‏ وهي اسباب اقتصادية‏,‏ واجتماعية‏,‏ وسياسية‏,‏ وثقافية‏,‏ وميراث من الفهم غير الصحيح لمكانة المرأة في الاسلام‏.‏ ولاشك أن للإعلام دورا مهما في التثقيف والتوعية والتوجيه وتصحيح المفاهيم الخاطئة‏,‏ ويسهم بذلك بنصيب في عملية التغيير الاجتماعي‏,‏ ولكن الإعلام وحده لا يستطيع تغيير المجتمع‏,‏ لأن عملية الاصلاح الاجتماعي بطبيعتها عملية مركبة تتفاعل فيها عوامل كثيرة ابتداء من التربية في البيت والمدرسة‏,‏ إلي طبيعة القيم السائدة في المجتمع‏,‏ إلي تأثير الثقافة والفنون والأدب‏,‏ إلي مدي النجاح الذي تحققه الأحزاب‏,‏ والجمعيات الأهلية‏,‏ والاندية‏,‏ والنقابات‏..‏ وغيرها‏.‏

وهكذا يجب أن ننظر إلي قضية وضع المرأة في المجتمع المصري في ضوء كل هذه العوامل‏,‏ لكيلا نوجه كل جهدنا إلي عامل واحد ونغفل بقية العوامل‏.‏ وهذا يدعونا إلي اعادة النظر في مناهج التعليم لنري ماذا نقدم لابنائنا من افكار وقيم عن المرأة ومكانتها في المجتمع‏,‏ ولابد أيضا من اعادة النظر في الدور الذي يقوم به خطباء المساجد‏,‏ وبعضهم لايزال يكرر ويغرس في عقول الناس ان مكان المرأة هو البيت‏,‏ وأن دائرة الحرام تحيط بالمرأة في كل شئونها‏,‏ حتي انه مازال هناك من يعتلي المنبر ليقول للناس ان المرأة هي التي تقود الرجال إلي جهنم‏,‏ وأن خروج المرأة للتعليم والعمل حرام‏,‏ وحديثها إلي الناس حرام‏,‏ واشتغالها بالحياة العامة حرام‏..‏ وإن كان هؤلاء الدعاة قلة قليلة‏,‏ ولكنها مازالت مؤثرة في قطاع من المجتمع‏,‏ ومازال لها تأثير في محدودي القدرة علي النقد والتمييز‏.‏

وإذا كان الفهم الصحيح للإسلام يضع المرأة في مكان لايقل ابدا عن مكانة الرجل‏,‏ ويكفي المبدأ الجامع المانع الذي ارساه الرسول صلي الله عليه وسلم‏:‏ النساء شقائق الرجال‏,‏ لهن مثل الذي عليهن بالمعروف الا أن المفاهيم البالية من نتاج عصور التخلف‏,‏ والجهل‏,‏ والاستعمار‏,‏ مازالت بقاياها في بعض العقول‏.‏

وأعتقد اننا يجب حين نتحدث عن دور الإعلام ان نفرق بين امرين‏,‏ الأمر الأول‏:‏ ان الإعلام حين يقدم صورة صادقة لاوضاع المرأة في المجتمع بما فيها من سلبيات‏,‏ انما يقوم بواجبه الأول وهو ان يعكس واقع المجتمع كما هو دون تزوير أو تزييف‏,‏ ودون تجميل يبعده عن الصدق‏.‏ وحين يعكس الإعلام الظلم الذي يقع علي المرأة نتيجة التشريعات القائمة‏,‏ أو العادات الموروثة‏,‏ فانه يحرك في الناس الشعور بضرورة التغير لكي يعتدل ميزان العدل بين المرأة والرجل في المجتمع‏..‏ وهذا الدور يقوم به الفن والأدب أيضا الذي يصور القبح ليدعونا إلي رفضه وإلي الحرص علي الجمال‏,‏ ويجسم الرذيلة والجريمة ليعمق فينا مشاعر الكراهية لهما‏..‏ وهذا ما حدث مثلا في بين القصرين لنجيب محفوظ‏,‏ فقد اصبحت امينة رمزا للمرأة السجينة المظلومة المستسلمة لقدرها العاجزة عن رفع الظلم عنها وعن بناتها‏..‏ وساهمت هذه الصورة في زيادة وعي المجتمع بمدي الظلم الواقع علي المرأة وضرورة انصافها‏..‏ والأمثلة كثيرة للنماذج التي قدمها ويقدمها الإعلام والفن والأدب ويمكن اعتبارها صورة سلبية للمرأة‏.‏ وهي في حقيقتها صورة تعكس واقع المرأة ووضعها الحقيقي‏,‏ وفي تقديمها دعوة للأنصاف والتغيير‏.‏

أما الأمر الثاني الذي يجب أن نلتفت اليه فهو أن الإعلام عليه مسئولية تكوين الرأي العام‏,‏ والتوجيه والتوعية‏,‏ والتليفزيون الآن يقوم بدور المدرسة والأب والصديق‏,‏ واعتقد أن الإعلام يقوم بهذا الدور بشكل جيد‏,‏ ويكفي أن نراجع ماينشر في الصحف من مقالات‏,‏ وما يقدمه التليفزيون في برامج الرأي‏,‏ لندرك ان جانبا من نمو الوعي بعدالة قضايا المرأة يرجع إلي الجهد الذي يبذله الإعلام‏.‏

ومايحدث في المجتمع المصري الآن من تحولات في اوضاع المرأة يشير إلي ان كثيرا من السلبيات والمظالم التي تعانيها المرأة في طريقها إلي الزوال‏..‏ فقد حصلت المرأة المصرية علي حقوق كثيرة تجعلها الآن في وضع متميز بالنسبة للمرأة في أي مجتمع عربي آخر‏,‏ وتتساوي مع أوضاع المرأة في الدول المتقدمة‏,‏ وتتفوق عليها في بعض الجوانب‏,‏ فمازالت المرأة الأمريكية مثلا تعاني التفرقة بينها وبين الرجل في المرتبات والمعاشات‏,‏ ومازالت المرأة في بعض التجمعات تدخل سجن الزوجية بالاكراه ولاتستطيع استرداد حريتها مهما تكن تعاني القمع‏,‏ ولاتضع هذه المجتمعات اعتبارا لمشاعر المرأة كانسان‏,‏ وتسلبها جميع حقوق الانسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية‏.‏

ولنا أن نشعر بالرضا عما حققته المرأة المصرية حتي الآن‏,‏ وقد نالت اعتراف المجتمع بحقوقها كاملة في التعليم‏,‏ والعمل‏,‏ والوصول إلي أعلي المناصب‏,‏ وتولي قيادة مواقع مهمة اثبتت فيها كفاءتها‏,‏ وأن كانت هناك حقوق أخري فليست هناك عوائق تحول دون تحقيقها‏..‏ فإن قيل أن المرأة لاتحصل علي عدد مناسب من مقاعد مجلس الشعب فإن ذلك يرجع إلي المرأة ذاتها‏..‏ ولو حرصت المرأة علي الاندماج اكثر في الحياة السياسية وعلي ترشيح نفسها‏..‏ وعلي حشد النساء للأدلاء باصواتهن في الانتخابات لتغير الوضع كثيرا‏.‏

ذلك اقول ان الإعلام له دور وعليه مسئولية في تطور المجتمع‏,‏ وتغيير واقع المرأة‏,‏ ولكن ليس بالإعلام وحده تحصل المرأة علي حقوقهاكاملة‏..‏ ولابد من وضع القضية في اطارها الصحيح‏..‏ لكي نحقق التكامل بين الجهات العديدة التي تستطيع المشاركة في الاصلاح الاجتماعي‏..‏ ويبقي الدور الأول علي المرأة نفسها‏,‏ وقد حصلت المرأة علي ماحصلت عليه من حقوق حين اصبحت قادرة علي الحصول عليها‏..‏ وبقدر الجهد الذي تبذله المرأة ذاتها لتأكيد وجودها في ساحة العمل العام‏,‏ وبقدر مشاركتها في القيادة الاجتماعية‏,‏ وبقدر حشدها لجهود المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة‏,‏ سوف تدفع المجتمع إلي بلوغ مراحل اعلي من التطور والتقدم‏,‏ وسوف ينعكس ذلك بالضرورة علي الإعلام‏,‏ لأن التأثير متبادل بين الإعلام والواقع الاجتماعي‏,‏ كما أن التأثير متبادل بين الإعلام ومؤسسات التربية والتثقيف والتوجيه


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف