الاقتصاد هو المشكلة .. والحل

المشاكل فى مصر الآن كثيرة ومعقدة.. والمشكلة الأكبر أنه لم يتم التوصل إلى رؤية مشتركة يتفق عليها الجميع أو على الأقل يتفق عليها الخبراء والقيادات المسئولة عن التنفيذ، وبدلا من العمل على التوصل إلى هذه الرؤية المشتركة فإن القوى السياسية بمختلف أطيافها وتوجهاتها تركز على قضايا كثيرة وتغفل أو تتجاهل القضية الأساسية التى تمثل المفتاح الحقيقى والوحيد لحل معظم المشاكل التى تعرقل السير على الطريق الصحيح لتحقيق أهداف ثورة الشعب المصرى.
والخبراء يتحدثون عن المشاكل وقليل منهم يطرح أفكارا للحل، ولكن أفكارهم وأصواتهم تضيع فى زحام المظاهرات والإضرابات والوقفات الاحتجاجية التى أضافت إلى المشاكل خسائر تقدر بأكثر من مليار جنيه، أما خسائر سوق الأوراق المالية فى عام 2011 فقد بلغت 200 مليار جنيه، وفى عام 2012 بلغت 110 مليارات جنيه.
ووفقًا لما هو منشور من تقرير المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فقد توقفت مواقع العمل والإنتاج فى العام الماضى وحده بسبب 854 وقفة احتجاجية، و561 حالة قطع طرق، و558 مظاهرة، و500 اعتصام، و163 تجمهرا، و 64 اقتحام مكتب مسئول، و26 إغلاقا لمقار حكومية.. وهناك حقائق وأرقام أخرى فى التقرير لا يتسع المجال لذكرها كلها، وهى تدل دون أدنى شك على انحراف عن مسار الثورة وإضرار باقتصاد البلد يزيد من الأزمة الاقتصادية ويعيد الأوضاع إلى أسوأ مما كانت عليه قبل الثورة، ويؤدى إلى استحالة تلبية مطالب الفئات المظلومة التى تستعجل الحصول على حقوقها المسلوبة.
وحين نقول إن المشكلة التى تواجهها مصر الآن مشكلة معقدة، بل بالغة التعقيد فإن هذه مع الأسف هى الحقيقة.. الفساد لم يتم القضاء عليه لأن ذلك ليس سهلا أمام انتشار الفساد فى معظم المواقع ومعظم النفوس.. والفقر والبطالة لم يتم القضاء عليهما، بل زادت معدلاتهما فى الريف والمدن إلى الحد الذى يرى الخبراء أنهما معا قابلان للانفجار، وإذا حدث الانفجار فلن يكون ممكنا مواجهته، والبعض يتحدث عن ثورة الجياع المحتملة.. والغلاء.. والركود الاقتصادى.. وتزايد الديون الخارجية والداخلية.. واستنزاف الاحتياطى من النقد الأجنبى حتى وصل إلى درجة أنه لن يكفى لسد احتياجات البلاد لأكثر من ثلاثة شهور، كما أعلن وزير المالية والبنك المركزى.. ومعاناة الطبقة المتوسطة قضية ليست سهلة، لأن هذه الطبقة هى طبقة المثقفين والمهنيين والإداريين والتنفيذيين فى قطاعات الإنتاج والخدمات.
???
والخبير الاقتصادى أحمد السيد النجار يقدم لنا مشروعا لحل المشكلة الاقتصادية بتعقيداتها فى كتاب كامل بعنوان «نحو برنامج اقتصادى لمصر الثورة: تجاوز تركة الفشل وبناء اقتصاد كفء وعادل» يحدد فيه خطوات عملية يمكن أن تؤدى إلى الخروج من عنق الزجاجة.
والحقيقة أن الخروج من الأزمة الاقتصادية مهما بلغت صعوبتها ليس مستحيلا، فاليابان خرجت من الحرب العالمية الثانية مدمرة بعد ضربها بالقنابل الذرية، وهى دولة ليس فيها موارد طبيعية.. لا تملك أراضى زراعية.. ولا تنتج البترول أو الحديد أو أية مادة أولية للصناعة.. وكانت تحت الاحتلال الأجنبى بجيوش الحلفاء، وبعد خروج قوات الاحتلال سنة 1951 بدأت مشروعا لإعادة بناء القاعدة الصناعية، واستطاعت أن تصل فى عام 1967 - أى بعد 15 سنة - إلى إنهاء الديون وتحولت إلى دائنة للبنك الدولى، وليست اليابان نموذجا وحيدا، فهناك دول عديدة فعلت نفس الشىء ونجحت فى الخروج من الفقر والتخلف.. كوريا الجنوبية.. تركيا.. مما يدل على أن تحقيق طفرة اقتصادية ليس هدفا مستحيلا.
???
والحكمة تقول إن الله لا يساعد من لا يساعد نفسه..
وبرنامج أحمد السيد النجار يتلخص فى نقاط محددة:
أولًا: إيقاف عملية خصخصة ما تبقى من القطاع العام، والاعتماد على الاقتصاد المختلط الذى يجمع بين دور الدولة ودور القطاع الخاص، وهذا النظام هو الذى مكن الدول الرأسمالية من التغلب على أزمة الكساد العظيم فى ثلاثينيات القرن العشرين ومواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية فى فترة الحرب العالمية الثانية.. وهذا يبدأ بالتخلص من الوهم الذى روج له اصحاب المصالح بضرورة انسحاب الدولة وترك الاقتصاد للقطاع الخاص وتكتفى الدولة بتشجيع القطاع الخاص ومنحه كل الامتيازات التى يطلبها، وهذا أمر لا وجود له حتى فى أكبر الدول الرأسمالية التى تصدر الاقتصاد الحر للعالم وهدفها من ذلك فتح الأبواب للشركات العالمية الكبرى العابرة للقارات التى تستورد المواد الخام بأسعار رخيصة وتبيع منتجاتها الصناعية والتكنولوجية بأعلى سعر، ودعوة أحمد النجار ليس معناها أن تمتلك الدولة عددا كبيرا من المشروعات، ولكنها دعوة لأن تتحمل الدولة مسئولياتها فى القيادة لبناء مشروعات صناعية وزراعية جديدة بالاكتتاب العام بمساهمات المصريين فى الداخل والخارج وتضمن الدولة هذه المشروعات وتؤسس «صندوق الأسهم» للشركات التى يتم الاكتتاب لتأسيسها لطمأنة صغار المستثمرين، واخضاع هذه الشركات للأجهزة الرقابية لحمايتها من الفساد.
ثانيًا: العمل على زيادة نسبة الادخار بما يسمح بزيادة الفرص لإقامة مشروعات إنتاجية جديدة تقلل الاعتماد على الاستيراد وتخلق فرص عمل للشباب وتؤدى إلى تحسين الاقتصاد، فالدول التى حققت قفزات اقتصادية هى الدول التى زاد فيها معدل الادخار، فالادخار فى الصين نسبته 54%، وفى الدول النامية المنخفضة الدخل نسبة الادخار 31%، وفى مصر نسبة الادخار أقل من نصف النسبة فى الدول النامية المنخفضة الدخل.
ثالثًا: العمل بسرعة وبقوة على استعادة ما فقدته السياحة من موارد بالعملات الحرة، وهذا يقتضى إيقاف الحملات التى يقوم بها أصحاب الفكر المتشدد الذين يعلنون الحرب الكلامية على السياحة وتتلقف هذا الهجوم وسائل الإعلام فى الخارج وفى الدول التى تنافس مصر فى جذب السياح، لإثارة المخاوف من زيارة الأجانب لمصر، والنتيجة أن فقدت مصر جزءا كبيرا من مواردها وزادت موارد الدول المنافسة لها.
والحقيقة أن برنامج أحمد السيد النجار أكبر من ذلك وفيه خطوات عملية لا يتسع المجال لذكرها بالتفصيل ويكفى الإشارة إليها، وبخاصة ما تناوله عن نظام عادل للأجور والضرائب والدعم.
ولعله من الضرورى عقد مؤتمر لأساتذة وخبراء الاقتصاد لوضع استراتيجية للنهوض الاقتصادى وتجاوز الأزمة الكبرى التى تهدد الحاضر والمستقبل.

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف