العرب و الحروب القادمة

م يعد العرب في حاجة الي مزيد من الحديث عن حالة التخلف التي يعيشون فيها بالقياس الي السرعة المذهلة التي تتطور بها العلوم والتكنولوجيا‏..‏ فقد تكفل بذلك كتاب كثيرون حتي لم يعد السؤال في العقل العربي الآن‏:‏ هل نحن متخلفون أم لا؟ ولكن‏:‏ كيف نتجاوز مرحلة التخلف‏..‏؟

والإجابة علي هذا السؤال تبدو سهلة‏,‏ وقد يكتفي البعض بأن يجيب بأن علي العرب أن يبدأوا مشروع النهضة بجناحية‏:‏ العلم والديمقراطية‏,‏ وهذه الاجابة صحيحة بالطبع‏,‏ ولكن‏:‏ من أين يبدأ العرب‏..‏ ومتي يستطيعون الخروج من حالة الاستسلام للأمر الواقع وترك الأمور تجري علي عواهنها لكي ينام كل منهم خالي البال كما قال لهم شاعرهم القديم‏..‏؟

المسألة تحتاج الي صفوة من ذوي الثقافة الشاملة‏,‏ والرؤية المستقبلية‏,‏ والقدرة علي التفكير الاستراتيجي‏..‏ ولاشك ان المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة هو واحد من هؤلاء‏,‏ وقد قام وحده بمجهود كان يحتاج الي فريق عمل لتحليل ظواهر وأسباب التخلف والتقدم‏,‏ واستطلاع القدرات العربية والخيارات المتاحة أمامها‏,‏ وتحديد الطريق للخلاص‏..‏ وهو طريق يحتاج الي اخلاص‏..‏ وجهد‏..‏ وصبر‏..‏ وارادة‏..‏ ويحتاج مع ذلك الي شيء جوهري‏:‏ هو اكتساب القدرة علي التفكير والتخطيط والعمل للمستقبل البعيد لتحديد المشاكل التي ستواجهنا بعد سنوات بدلا من الانشغال فقط بمشاكل الحاضر‏..‏ لان مشاكل المستقبل سوف تأتي شئنا أو لم نشأ‏,‏ والويل لنا اذا لم نكن مستعدين لها من قبل أن تأتي‏.‏

والمشير أبوغزالة في كتابه الجديد العرب والحروب التكنولوجية القادمة يدق الأجراس لايقاظ العالم العربي لكي يتنبه الي أن السنوات القليلة القادمة سوف تشهد تغيرا جذريا في كل شيء‏..‏ سوف تتغير مفاهيم الاقتصاد كلية‏..‏ سيصبح اقتصاد المعلومات هو الاقتصاد الغالب وتقل قيمة عناصر الاقتصاد التقليدية الأخري‏..‏ سيصبح الذكاء البشري والموارد العقلية هي رأسمال الدول‏,‏ سوف تتلاشي القوة التقليدية للسيادة أمام اجتياح الأقمار الصناعية‏,‏ والقنوات الفضائية‏,‏ والفاكس‏,‏ والتليفون المحمول العابر للقارات‏,‏ وشبكات الكمبيوتر العملاقة‏..‏ ولن تمثل الحدود أي عائق‏..‏ وستنمو التجارة بين الجميع‏..‏ وتحدد قيمة العملة دوليا‏,‏ ولن تستطيع حكومة أن تخفي حقيقة مايحدث فيها مهما يكن صغيرا لان العالم يري ويسمع كل شيء في ذات اللحظة‏.‏

لقد فات العرب ثورة الصناعة‏,‏ وثورة الانشطار النووي‏,‏ وثورة صناعة الكمبيوتر والالكترونيات‏,‏ ودخل العالم عصر ثورة المعلومات‏,‏ وعندما تنتشر تكنولوجيا الاتصالات ستؤدي الي نزع قدرة الدول علي المحافظة علي أسرارها وهذا يعني أن القوة سوف تنتقل الي أيد أخري‏..‏ وعندما تصبح رقيقة صغيرة جدا بحجم الظفر سلاحا يجعل قاذفة الصواريخ المضادة للطائرات التي يحملها شخص واحد قادرة علي اسقاط طائرة ثمنها عشرات الملايين من الدولارات تكون القوة قد انتقلت الي أيد أخري‏..‏ ومازال العرب يعتقدون ان المواد الخام الطبيعية ستظل لها نفس الأهمية‏,‏ بينما هذه المواد واولاها النفط والفحم بدأت تقل أهميتها بعد انتاج بدائل اقتصادية لها‏..‏ الأنواع الجديدة من البلاستيك أصبحت قادرة علي تحمل الحرارة والاحتكاك أكثر من الحديد والنحاس‏,‏ والألياف الصناعية جعلت الكابلات النحاسية لا لزوم لها‏..‏ والتجارة والانتاج أصبحت عابرة للقارات‏,‏ وأوشك تعبير التجارة الدولية أن ينتهي‏..‏ الآن عصر الشركات العملاقة‏..‏ شركة الملابس تبيع في لندن بدلة قماشها مصنوع في فرنسا وتم التفصيل والحياكة في ايطاليا‏..‏ وتبيع بدلة أخري من الماركات العالمية المعروفة بعضها صنع في تايوان وبعضها صنع في الولايات المتحدة وبعضها صنع في سنغافورة وكلها لها نفس المواصفات‏..‏ أوشك عصر التجارة أن ينتهي ويدخل العالم عصر التحالفات ولم تعد الحدود تمثل عائقا أمام تحالفات التجارة والتكنولوجيا والصناعة‏.‏

وما يحدث في الفضاء لابد أن يدركه العرب‏..‏ كان أول قمر تجسس أطلقته أمريكا عام‏1960..‏ وعندما بدأت حرب الخليج عام‏1990‏ كان لأمريكا أحد عشر قمر التجسس تقوم بالتقاط صور واضحة ودقيقة الي حد مذهل‏,‏ كما كانت تمتلك عددا آخر من الأقمار للتنصت علي المحادثات التليفونية واللاسلكية وفك شفرة المحادثات المشفرة‏..‏ ولم تكن أمريكا وحدها التي تملك كل هذا الحشد من أقمار التجسس ولكن بريطانيا وفرنسا وروسيا لها أيضا أقمار بلغ مجموعها‏60‏ قمرا صناعيا للاستطلاع والتجسس‏,‏ ومعني ذلك أن الفضاء أضاف بعدا رابعا للحرب‏..‏ ويكفي أن يعلم العرب أن أمريكا والاتحاد السوفيتي السابق وحدهما أطلقا‏700‏ قمر صناعي وأطلقت باقي الدول‏150‏ قمرا صناعيا‏..‏ واليوم في الفضاء‏1700‏ قمر صناعي ولذلك بدأت أصوات تطالب بانشاء وكالة فضاء تابعة للأمم المتحدة للإشراف علي هذه الأنشطة والحد من الصراع علي امتلاك الفضاء‏,‏ واسرائيل تعمل علي جلب علماء لتدخل في النظام العالمي الجديد لاقمار الفضاء لكل الأغراض‏..‏ وسياستها أن الدولة التي لاتصنع أقمارها الصناعية بنفسها وصناعة وسيلة التشفير السري للغاية لن تكون آمنة من التجسس والاختراق‏..‏

التغير شمل مفهوم العمل‏..‏ تراجعت قيمة العمل اليدوي وأصبح المطلوب هو العامل الفائق المهارة‏..‏ ويكفي أن نعلم أن اليابان رصدت‏350‏ مليار دولار علي‏20‏ عاما لتطوير شبكات المعلومات‏.‏

وتغير مفهوم الحرب‏..‏ بدأت أمريكا في تخفيض القوات مع تزايد الأسلحة الالكترونية‏..‏ وبعد أن ثبت ان الأمن القومي لأي دولة لايحققه لها إلا أبناء الوطن‏,‏ واذا كان التهديد متفوقا فلابأس من التحالف بين دول تجمعها مصالح أمن جماعي‏..‏

وفي كتاب المشير أبوغزالة كثير من الحقائق والأفكار التي تمثل صدمة للعقل العربي‏,‏ ويبدو أنه أراد فعلا أن يحدث بكتابه هذه الصدمة لكي يدرك العرب أن حالة التمزق الحالية تعني خروج العرب من التاريخ‏,‏ وانه ليس أمام العرب خيار غير توحيد صفوفهم وتوحيد جهودهم‏..‏ لان كل دولة عربية وحدها فقيرة وصغيرة وضعيفة بالقياس الي مايحدث في العالم‏..‏ ولكن اذا توحدت القدرات العربية وتكاملت فستصبح قوة كبيرة لها مستقبل‏.‏

طريق المستقبل أمام العرب مرهون بشرط التكامل والعمل معا‏,‏ والسرعة التي يجري بها العالم لاتعطي لهم فرصة التردد أو التلكؤ‏..‏ وهذه هي الرسالة التي أراد أن يوصلها المشير أبوغزالة في كتابه القيم كنوع من تبرئة الذمة‏.‏


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف