اللوبى المصرى فى أمريكا
في زيارة الرئيس مبارك الأخيرة الي الولايات المتحدة كانت هناك ظواهر جديدة تستحق التأمل وتستدعي العمل بسياسة النفس الطويل لاستثمارها وتنميتها..
من هذه الظواهر مثلا, أن أصدقاء إسرائيل التقليديين في الكونجرس الذين كانوا ينتهزون فرصة وجود الرئيس مبارك لإثارة الأكاذيب التقليدية, التي يدخرونها لمثل هذه المناسبات, عن حقوق الإنسان وحرية الصحافة واضطهاد الأقباط.. هؤلاء الأعضاء رغم أن الزوابع التي يثيرونها هدفها الأول والأخير دعائي وسيكولوجي, إلا أنهم في هذه المرة لم يجدوا شيئا يمكن أن يستغلوه تطبيقا لفلسفة جعل الحبة قبة.. وكان شيئا جديدا أن قدم الأعضاء المحايدون والمنصفون وثيقة تقدير لسياسة ومواقف مصر ورئيسها..
ومن هذه الظواهر الجديدة أيضا أن هناك مجموعة من المصريين الأقباط لايزيد عددهم في كل أنحاء أمريكا علي عشرة أشخاص, معروفين جيدا من كل المصريين المهاجرين في أمريكا, ومغضوب عليهم من الكنائس المصرية, ومحرومين من الصلاة والتناول فيها, ويعرف الجميع ان لدي كل منهم مشكلة شخصية أو عائلية أو مشكلة في العمل نغصت عليه حياته في مصر ودفعته للهرب منها, ومازالت تطارده في أمريكا, لأنها في الحقيقة مشكلة في داخله وفي تكوينه النفسي وطبيعة شخصيته, وهي مشكلة تدفعه الي التعبير عن انفعالاته بالعداء لكل شيء وكل شخص حتي للكنيسة التي كان ينبغي أن يدين لها بالولاء, وحتي لوطنه الذي كان ينبغي أن يشعر نحوه بالحب وبالحنين وببعض الشعور بالجميل بعد أن رضع من خير هذا الوطن وتعلم فيه بالمجان من عرق فقرائه حتي حصل بعضهم علي الدكتوراه.. ومازال أهله يعيشون في خير هذا البلد.. ولكنهم ـ بحكم أمراض نفسية تحكم سلوكهم ـ انقلبوا علي بلدهم, وعلي عائلاتهم, وعلي أصحاب الفضل عليهم, وبعضهم يتعامل سرا أو علنا مع جهات وجماعات ومنظمات معروفة في أمريكا هي التي تمول مثل هذه الأنشطة..
هؤلاء الجاحدون المرضي كانوا عادة ينظمون مظاهرة ويقفون والخزي ظاهر علي وجوههم يحملون لافتات ضد مصر تردد ذات الأكاذيب التي يطلقها أنصار وعملاء التيار الأصولي المتعصب في إسرائيل ومنظماتها المعروفة بالعداء للعرب..
وفي هذه المرة اعتزموا تنظيم هذه المظاهرة التي لايشترك فيها أكثر من عشرة أشخاص, وحصلوا علي تصريح باستمرار المظاهرة لمدة ثلاثة أيام, ولكنهم في آخر لحظة قرروا عدم الخروج, بعد أن تأكدوا أن المناخ العام لا يؤيد مثل هذه الأعمال الصبيانية, وان الاكاذيب انكشفت.. فالادعاء بان في مصر اضطهادا للأقباط واغتصابا للفتيات ثبت كذبه من عدة مصادر وكان منها تقرير مجلس كنائس نيويورك الذي زار وفد منه مصر وزار جميع المناطق التي قيل إن الاقباط يتركزون فيها وتمثل الجيتو القبطي في مصر, وأعلن الوفد نتائج مشاهداته, بأنه وجد التسامح الديني في مصر واضحا, ورأوا متاجر وشركات وبيوت الاقباط, وقابلوا شخصيات قيادية ورجال أعمال وقادة سياسيين ومفكرين وكتابا من الاقباط, وتأكد لديهم أن مثل هذه الحملة لا أساس لها من الصحة..
وكانت هذه المجموعة الجاحدة قد نشرت صفحات اعلانية ضد مصر كالعادة دفعت فيها أكثر من200 ألف دولار ولا يمكن أن يكون واحد منهم قد دفع دولارا واحدا منها من جيبه الخاص, وردت عليهم الكنيسة بإعلان واحد لم تدفع فيه كثيرا ولكنه كان أكثر قوة لأنه يعبر عن موقف كل كنائس المهجر وكل الأقباط المسجلين فيهما وهم عشرات الآلاف.
وبدلا من مسيرة الخزي ذات لالعشرة الاشخاص, وقف علي باب البيت الأبيض لحظة دخول الرئيس مبارك للقاء الرئيس الأمريكي مئات من الأقباط المصريين جاءوا بسياراتهم من بلاد متفرقة, وتركوا أعمالهم, وأقاموا ليلة في واشنطن علي نفقتهم, وكانوا جميعا من أساتذة الجامعات, ومديري الشركات, وأصحاب الأعمال, والناجحين في أعمالهم والمعروفين في المدن التي يعيشون فيها, وكانت لحظة مؤثرة ارتجفت لها أبداننا ونحن نتابع سيارة الرئيس مبارك ترفع علم مصر, وتدخل البيت الأبيض وأصوات المئات الواقفة تحت المطر تردد بصوت واحد كالرعد كان يهز المكان: بلادي بلادي.. لك حبي وفؤادي. ونحن نحب مبارك.. نحن نحب مصر..
وأهمية هذه المظاهرة في المعني وراءها.. وهو أن المصريين المحترمين الذين يعيشون في أمريكا, بعد أن كانوا منغمسين في أعمالهم, وبعيدين عن الاهتمام بالقضايا العامة, ويحسبون ان مهاترات هذه القلة الفاقدة للوعي والضمير لا تمثل شيئا له قيمة, وان أعمالهم ليست إلا أعمالا صبيانية لا تستحق ضياع الوقت في الاهتمام بها. بعد أن كان هذا موقفهم تحولوا الي موقف آخر.. هو أن الأمريكيين من أصل مصري يجب أن يتجمعوا ويكونوا ايجابيين أكثر, ويعبروا عن حبهم وارتباطهم وجدانيا بوطنهم الأم بصورة عملية..
ونتيجة هذا التحول ظهرت أكثر من جمعية تضم المصريين المهاجرين في أمريكا, وقد أتيح لي أن أعايش الجماعة التي نظمت مظاهرة البيت الأبيض باسم المجلس المصري الأمريكي ومقرها نيويورك, ويرأسها الدكتور ظريف باسيليوس عميد كلية التربية بجامعة سان جونز, ويشترك معه في مجلس الادارة الدكتور ماهر كامل عميد كلية دراسات الشرق الأوسط السابق, والدكتور سامي بولس عميد كلية التربية في نيوجرسي, والدكتور جمال المرصفي مدير المشروعات في بورت أوثورتي التي تتولي انشاء وادارة المشروعات الكبري في أمريكا, وغيرهم كثير, وفي كل يوم ينضم اليهم أعضاء جدد.
ووجود هذه الجمعيات والتجمعات يدل علي ان المهاجرين المصريين في أمريكا لديهم الرغبة في أن ينظموا أنفسهم, ولكنهم لم يجدوا من قبل من يتولي العمل بالاتصال بهم وتنظيم الاجتماعات والتفكير فيما هو مطلوب منهم.. وحين وجدوا من يقوم لهم بهذا العمل لبوا النداء علي الفور.. وبدأوا في العمل في ربط المصريين وأبنائهم من أبناء الجيل الثاني الذي اندمج في المجتمع الأمريكي بالطبع أكثر من آبائهم, وكان من نتيجة هذا التجمع أن حرص بعضهم علي اصطحاب زوجاتهم الأمريكيات أو المصريات وأطفالهم وقد علموهم النشيد الوطني باللغة العربية, لكي يستقبلوا الرئيس مبارك علي باب البيت الأبيض, وظلوا خمس ساعات يهتفون تحت المطر أمام مقر اقامة الرئيس مبارك في بلير هاوس, ويكفي أن نعرف أنهم تحركوا من المدن التي يقيمون فيها في منتصف الليل بسياراتهم الخاصة وبالاتوبيسات التي استأجروها لكي يصلوا الي واشنطن في الصباح..
أهمية هذه المظاهرة ـ في رأيي ـ أنها أول عمل ايجابي يقوم به المصريون المهاجرون في أمريكا, وانها تعبير عن وجودهم الواضح الذي يمكن أن يكون مؤثرا في الحياة السياسية الأمريكية.. لان المرشح الأمريكي للكونجرس أو حتي للرئاسة حين يشعر بهذا الوجود فإنه لابد أن يضعه في حساباته ولابد أن يعمل علي كسب أصواته.. وحينئذ يمكن لهم أن يكونوا جماعة ضغط, وجماعات الضغط هي الوسيلة الشرعية للمشاركة في القرار الأمريكي في جميع المستويات.
هل هذه هي بداية تكوين اللوبي العربي أو المصري..؟
في رأيي الشخصي أنها فعلا كذلك.. ولكن لابد أن نساعدهم, ولا نتركهم وحدهم.