كانت الآمال كبيرة في أن يحقق وزراء الإعلام في اجتماعاتهم الأخيرة ما لم يحققوه في اجتماعاتهم السابقة التي بلغت خمسة عشر اجتماعا, وما لم تحققه اجتماعات الوزراء العرب في مجالات أخري.
وكانت هذه الآمال قائمة علي أساس أن وزراء الإعلام هم أكثر من غيرهم إحساسا بخطورة الأحوال التي وصلت إليها الأمور في المنطقة, والأخطار التي تحيط بالعالم العربي.. وهم الأكثر إدراكا لأهمية التعاون السياسي والاعلامي علي المستوي العربي الجماعي في مواجهة النشاط السياسي والاعلامي المنظم والمخطط الذي تقوم به المنظمات الصهيونية..
كان المتوقع أن يبحثوا عن أساليب جديدة للعمل لإزالة التوترات والخلافات التي تمزق العالم العربي والتي يبدو أنها تزداد تعقيدا يوما بعد يوم بفعل فاعل..! وكان في الظن أنهم سوف يجدون طريقا لإزالة الآثار السياسية والنفسية للعدوان العراقي علي الكويت وتداعياته المستمرة علي المنطقة.. وكان التصور أن يحددوا لأنفسهم خطة عمل موحد لتحسين صورة العرب في الرأي العام الغربي..
ولكن ما حدث كان علي غير التوقعات والتصورات..
لم يبحث الوزراء مايحدث في ساحة الاعلام العربي من حروب اعلامية عربية ـ عربية, وصلت الي حد استضافة قيادات الارهاب لكي يوجهوا رسائلهم لتحريض الرأي العام في بلادهم وتوجيه أتباعهم وذيولهم, ومحاولة كسب تعاطف مع فكرهم المنحرف.. وكأن هذه الدول العربية قد انشأت هذه الفضائيات وتنفق عليها الملايين لا لشيء إلا لإثارة المشكلات ولتكون سيف التهديد لبلاد عربية أخري وتبرير الأعمال الإجرامية والانحراف الأخلاقي فيها.
ولم يبحث الوزراء هذه الازدواجية الاعلامية الغريبة.. بين شبكات تليفزيون موجهة للداخل وتروج لفكر, وشبكات موجهة للخارج تروج لفكر آخر إباحي ومنحرف وغير أخلاقي, وكأنها قد أعلنت الحرب الثقافية علي الأشقاء بدعوي حرية الإعلام, بينما لا تظهر هذه الحرية ولو بقدر ضئيل في تناولها للسياسات الداخلية في بلادها أو في مناقشتها لشخصيات فيها ولو من الدرجة الثالثة أو الرابعة سواء في الماضي أو الحاضر.. بينما كل الزعماء المصريين مستباحون.. وكل التاريخ المصري هو وحده المسموح بتشويهه..!
ولم يطرح الوزراء ما وصلت اليه أحوال الاعلام العربي الذي أصبح في بعض البلاد يكرس فكرة الانسلاخ من الكيان العربي, والكفر بالفكرة القومية, وتبرير حالة التمزق والانكسار القائمة..
كل ما فعله وزراء الاعلام العرب هو تكرار الحديث عن العمل العربي المشترك لدخول القرن الحادي والعشرين, وكلمات عن العولمة, وعصر المعلومات, وان العالم قرية واحدة, وظنوا ان قراء توصياتهم صدقوا أنهم استعدوا حقيقة لدخول القرن الحادي والعشرين.. بينما يعلم الجميع أن الاعلام العربي مازال في المهد, وهدفه الأساسي هو مخاطبة الرأي العام المحلي, وتبرير السياسات القطرية, فهو موجه الي الذات, لإقناع العرب المقتنعين بعدالة القضايا العربية, ومازال الاعلام العربي بعيدا عن التأثير في الرأي العام خارج الحدود.. فهو إعلام يتحدث باللغة العربية, ولم يصل بلغة أخري, وبقوة مناسبة, الي الرأي العام في الولايات المتحدة ودول أوروبا وآسيا.
وغريب أن يجتمع جميع وزراء الاعلام العرب للمرة السادسة عشرة ولا يبحثون بجدية في انشاء قناة فضائية في قوة شبكة سي.ان.ان تستخدم التكنولوجيا الحديثة, ولها مندوبون منتشرون في العالم, وفيها كفاءات وكوادر اعلامية تجيد العمل بأسلوب العصر وبلغات اجنبية سليمة, وتعرض وجهة النظر العربية في القضايا والمواقف المختلفة, وتقدم للعالم صورة متوازنة وواقعية.. بدلا من إهدار الأموال في انشاء فضائيات باللغة العربية تقدم للعرب نفس الكلام ونفس الأفلام والأغاني.. كذلك غريب ألا يفكروا في تجميع الأموال والطاقات التي تنفق الآن بلا طائل في صحافة هزيلة لانشاء صحيفة واحدة كبري تنطق باسم العرب وتقدم وجهة النظر العربية وتعرض الحقوق العادلة للعرب قبل أن يطويها النسيان تحت أمواج الدعايات المضادة النشيطة.. ولاشك أن وجود صحيفة واحدة لها مقومات العالمية أفضل من عشرات الصحف المحلية.. وأيضا غريب ألا يبحث الوزراء أوضاع المكاتب الاعلامية العربية المنتشرة في أمريكا وأوروبا وآسيا وافريقيا بلا فاعلية ولا تأثير.. ولا تفعل شيئا غير تجميع قصاصات الصحف, وإعداد تقارير غير مفيدة, ولو تجمعت الأموال والكوادر العربية لأمكن إنشاء مراكز ثقافية وإعلامية عربية قوية في عواصم العالم تخاطب العالم باللغة والمنطق المناسبين, وتقدر علي تكوين علاقات مع مراكز التأثير في الرأي العام في هذه الدول, وتقدم نشاطا ثقافيا واعلاميا حقيقيا, وترد بقوة علي الأكاذيب, وتنجح في كسب الأصدقاء للقضايا العربية من بين الكتاب والمثقفين والسياسيين والصحفيين.. وتنظم حوارات بين كبار المفكرين والشخصيات في العالم العربي ونظرائهم في الدول الكبري لإيجاد جسور تفاهم وفهم..
لم يضع وزراء الاعلام مثلا مخططا جماعيا للاتصال بجماعات الضغط المؤثرة في الخارج, وبقادة الرأي العام المتعاطفين مع الحقوق العربية.. ولم يبحثوا تجميع الاستثمارات الكبيرة التي تخصصها الدول العربية للإعلام في كل منها ولا تحقق شيئا, لان هذه الاستثمارات مهما بلغت لاتكفي في عالم أصبح فيه الإعلام صناعة مكلفة للغاية, ويكفي أن ندرس أوضاع وكالة أنباء أو شبكة تليفزيون أو صحيفة كبري في العالم لنري كم من الملايين تنفقها, وكم من المراسلين تستخدمهم في جميع أنحاء العالم, من ذوي الكفاءة العالية, بحيث يستحيل علي دولة عربية واحدة ـ مهما بلغت مواردها ـ إن تنشيء مثل هذه القلاع الاعلامية التي تسهم في قيادة الرأي العام العالمي.. وليس أمام الدول العربية أن أرادت أن يكون لها وجود حقيقي ومؤثر في الساحة الدولية إلا أن تجمع طاقاتها وكوادرها واستثماراتها..
ولقد بلغ من تفاؤل المراقبين أن تصوروا أن وزراء الاعلام سوف يقررون البدء في انشاء شبكة انترنت عربية, وشركات مشتركة للانتاج الاذاعي والتليفزيوني والسينمائي.. وأكثر من ذلك شطح الخيال الي حد تصور إمكان البدء في إنشاء مركز للأبحاث العلمية مزود بالأجهزة والعلماء والأموال لإجراء أبحاث في مجالات الفضاء, والاتصال, والإعلام, والمعلومات, وليسهم في إعداد جيل من الاعلاميين مختلف, وعلي مستوي يصلح لمخاطبة الرأي العام العالمي, بالإضافة إلي ما يمكن أن يقدمه هذا المركز العلمي الرفيع المستوي في توطين التكنولوجيا الحديثة, وتدريب الكوادر العربية, وإنشاء صناعة عربية للاتصال والإعلام.
كانت الأحلام كثيرة.. والآمال أكبر من القدرة الحالية علي تحقيقها.. فقام وزراء الإعلام مشكورين بإنجاز مايمكن إنجازه, وتركوا الباقي للقرن المقبل, فقد تكون الأجيال الجديدة من العرب أحسن حظا, وأكثر قدرة علي العمل, وأكثر عروبة, وجدية.