تقرير جديد لإدانة إسرائيل
لابد أن نتوقف كثيرا بالتحليل للمبالغات الشديدة التي تناول بها الأمريكيون أحداث قرية الكشح, حتي أصبحت موضوعا لتحقيقات ومقالات صحفية, ومثار أسئلة وانتقادات من بعض أعضاء الكونجرس المعروفين بانحيازهم لإسرائيل وعدائهم للعرب.. مع ان ما جري في الكشح ليس الا حادثا يتكرر في امريكا عشرات المرات كل يوم.. وليس في امريكا من ينكر ان هناك حالات قتل تحدث.. وان الشرطة تتعامل مع بعض المتهمين بقسوة في بعض الأحيان للوصول الي خيط يهديها الي القاتل, اما ان يكون القاتل والقتيل والمتهمون والشهود كلهم من الأقباط فليس فيه غرابة, لأن اهل قرية الكشح كلهم اقباط.
هذه القصة البسيطة تحولت الي مجموعة من الأكاذيب والأساطير لمجرد انها وجدت من يرسل هذه الأكاذيب بالفاكس الي اعوانه من عملاء المنظمات الصهيونية التي تتربص وتنتظر مثل هذه الحادثة وتدفع كثيرا جدا لمن يقدم اليها أكاذيب اكثر من غيره.. وبعدها بدأت فرق الإعلام الأمريكي الجاهزة في العزف علي الأوتار الجاهزة نفس اللحن القديم الممل عن اضطهاد الأقباط وإهدار حقوق الانسان في مصر.. ويبدو ان مخرجي هذه التمثيلية اكتشفوا في آخر لحظة ان اثارتها اثناء زيارة الرئيس مبارك لواشنطن قد تحقق عكس ما يهدفون اليه, لأن هناك ملفات ووثائق بالحقائق كاملة سوف تلقي في وجوههم, فآثروا الصمت والانسحاب, ولم يتحدث احد لا في المؤتمر الصحفي الذي عقده مبارك وكلينتون, ولا في لقاءات الرئيس مبارك مع أي مسئول امريكي او احد من اعضاء الكونجرس, لأن الجميع اصبحوا علي علم بأن أحدا في مصر لن يهتز لهذه الأكاذيب, وبعد ان جاءتهم الصفعة قبل ذلك من قداسة البابا شنودة نفسه الذي قال للوفد الأمريكي الذي جاء مصر لتقصي الحقائق: انكم تتحدثون عن اضطهاد الأقباط في مصر وفي ذهنكم التاريخ الامريكي عن اضطهاد الزنوج والأقليات الأخري.. وانتم معذورون لأنكم تعيشون في مجتمع فيه اقليات بالمعني الدقيق وفيه اضطهاد لهذه الأقليات بل وكراهيته لها في داخل النفوس.. اما مصر فهي شيء آخر.. ليس فيها اقليات.. وكل من فيها مصريون.. وليس فيها الا المصريون.. وما يحدث بين الأقباط والمسلمين لا يزيد عما يحدث بين أبناء الصعيد وبحري.. او ابناء فريقي الأهلي والزمالك.. ولابد ان تعيشوا وقتا كافيا في مصر لتعرفوا ان كل المشكلات يتم حلها بالتفاهم, وفي اطار الرغبة في الحل, ويكفي ان تعرفوا ان الأوقاف القبطية عادت الي الكنيسة بفضل اهتمام شخصي من وزير الأوقاف الذي اعاد الينا ارضا اكثر من الأرض التي طالبنا بها وكنا لا نعلم عنها شيئا, وهذا يعني ان الدولة في مصر تنظر الي الأقباط علي انهم مصريون أولا واخيرا ولا شيء غير ذلك..؟
وماذا كان يمكن ان يقال اكثر من ذلك, وبعد ان شاهد الأمريكيون وفود رجال الدين المسيحي المصريين رعاة الكنائس المصرية في جميع الولايات, وهم قادمون للقاء رئيسهم وتحتية واعلان ولاء جميع المصريين لوطنهم وقائدهم.,.
احد هؤلاء الآباء من رعاة الكنائس قال لي منذ ايام اثناء جولتي في بعض المدن الأمريكية: إلا يدهشك تضخيم الإعلام الأمريكي لحادث الكشح وهو محدود وصغير ولا يدهشك الصمت الغريب الذي يقابل به الإعلام الأمريكي هذا التقرير الخطير الذي اصدرته منظمة مراقبة حقوق الإنسان أخيرا واعلنت فيه صراحة ان اسرائيل والميليشيات اللبنانية الموالية لها, دأبت منذ اكثر من عشر سنوات علي طرد المدنيين الأبرياء من بيوتهم وقراهم في جنوب لبنان.. والتقرير من56 صفحة, ويذكر بالاسم حالات عائلات بأكملها طردتها اسرائيل من المنطقة المحتلة بصورة قاسية وغير انسانية ودون اية مراعاة للإجراءات القانونية, والضحايا بينهم مئات الشيوخ والنساء والأطفال, طردوا في الصحراء دون ان يسمح لهم بأن يحملوا اي شيء من متعلقاتهم الشخصية..!
اكثر من ذلك تقول المنظمة: ان هذا الأسلوب ظل ساريا منذ عام1985 اي لمدة14 عاما حتي الآن تحت سمع وبصر الإدارة الأمريكية, والإعلام الأمريكي, والكونجرس الأمريكي, ولجنة الحريات التي انشئت في البيت الأبيض, وايضا يقول التقرير: ان هذه العمليات البشعة غير الانسانية لم تتناقص, ولكنها علي العكس تزايدت خلال عامي98 و99 حتي ان المدير التنفيذي للمنظمة كينيث روث علق قائلا: ان مخاوف اسرائيل الأمنية, بغض النظر عن شرعيتها, لا يمكن ان تكون مبررا لمثل هذه الأفعال.. وهناك مئات الأسر طردت, ومع ذلك لم تورد وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها الخاص بممارسات حقوق الإنسان في لبنان عام98 سوي حالات12 لبنانيا ممن تم ابعادهم وهم خمس سيدات واربعة اطفال وثلاثة رجال, اما المئات فلا ذكر لهم, ولا تسجيل للبيوت التي هدمت, والأملاك التي نهبت.
ويصف التقرير اسلوب الإسرائيليين غير الانساني في طرد هؤلاء اللبنانيين من بيوتهم ومزارعهم, بأنه يتم الزج بأفراد العائلات في سيارات مدنية, ثم يقتادون الي احد المكاتب حيث يبلغون بأنهم سيبعدون, ولا يسمح لهم بالعودة الي منازلهم لجمع متعلقاتهم الشخصية وأموالهم, بل ينقلون علي وجه السرعة الي احدي نقاط العبور علي تخوم المنطقة المحتلة, ثم يتركون في العراء, في منطقة غير مأهولة, حيث يتعين عليهم أن يسيروا علي أقدامهم حتي يصلوا الي اقرب نقاط العمران.
وقد دأبت إسرائيل علي إنكار مسئوليتها عن هذه الأعمال وإسنادها الي ميليشيا جيش لبنان الجنوبي ـ كما يقول التقرير ـ بالرغم من اعترافها بتمويل وتسليح هذه الميليشيا والتنسيق معها في جمع المعلومات الاستخبارية, فضلا عن أن اسرائيل باعتبارها سلطة الاحتلال في هذه المنطقة.
هل من المفيد تكرار القول بأن اتفاقيات جنيف تحرم بشكل قاطع عمليات ابعاد السكان المدنيين في المناطق المحتلة او ترحيلهم بصورة قسرية..؟
وهل تفيد مناشدة منظمة.. مراقبة حقوق الإنسان التي وجهتها الي الولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لأن تعلن ادانتها لهذه العمليات غير الإنسانية, وان تمارس ضغوطا علي اسرائيل كي تتوقف عن هذه الممارسات النازية, وتسمح بإعادة المدنيين اللبنانيين الي ديارهم واستعادة ممتلكاتهم وتوفير قدر من الأمن لهم بعيدا عن هذا الإرهاب الإسرائيلي الذي يفوق كل حدود الإرهاب في العالم.
وهل يعيد الطلب الذي قدمه مدير المنظمة الي الرئيس الأمريكي كلينتون والي كبار المسئولين في الإدارة الأمريكية لمناقشة هذا الإرهاب الإسرائيلي مع رئيس الوزراء إيهود باراك..؟
وهل يفيد نشر القصص المؤلمة الباكية المبكية التي تضمنها التقرير مثل قصة قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بطرد العجوز اللبنانية خولة دلة وزوجها ابراهيم هاشم من قرية شبعا في القطاع الشمالي الشرقي من المنطقة المحتلة, وكانا قد عادا لتوهما من بيروت, فوجدا من قام بالقبض عليهما ووضعوهما في سيارة انطلقت بهما الي مكان مجهول, وقال العجوز لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان: انه طلب التوقف عند منزله لأخذ بعض ملابسه ولكنهم رفضوا وتركوه هو وزوجته في العراء بلا امتعة ولا نقود ولا طعام..!
وقصة العجوز المسكين وزوجته ليست الا واحدة من عشرات القصص التي تحققت منها المنظمة, ولكن هل يفيد اعادة نشرها..؟ هل هناك ضمير انساني يمكن ان يتحرك من اجل حقوق الانسان العربي التي تنتهك ابشع الانتهاك علي يد الاحتلال الاسرائيلي سواء في لبنان او في الأراضي الفلسطينية.
وهل يفيد ان نسأل احدا في امريكا هذا السؤال الذي اطلقه رجل الدين المسيحي المصري المقيم في امريكا: لماذا تدق الأجراس بالكذب والمبالغات عن مصر, وتخرس الألسنة ويسود الصمت عن جرائم اسرائيل, بينما تقول امريكا انها راعية الحريات وحقوق الانسان في العالم..؟
وبعد هذا التقرير الذي سبقته مئات التقارير المماثلة عما يحدث من جرائم بشعة وانتهاكات بحقوق الانسان العربي.. هل يفيد ان نسأل احدا في امريكا: يا حمرة الخجل.. أين أنت..؟.