الثــورة بيــن أصحـابهــا وأعدائهـــا

ما مدى ما حققته الثورة من نجاح حتى الآن؟
المؤرخون ـ ومنهم المستشار طارق البشرى ـ يقولون إن نجاح الثورة يقاس بالتغيرات التى أدخلتها على السلطة السياسية ومدى سيطرة القوى التى قامت بالثورة وما حققته من تغيير فى الدولة وتجديد أجهزتها _ وليس من أهداف الثورة - ولا ينبغى أن يكون من أهدافها هدم الدولة والاعتداء على مؤسساتها أو تدمير المبانى التى يملكها الشعب، وإن كان ذلك من أهداف أعداء الثورة وليس من أهداف أبنائها.
فكرة هدم الدولة فكرة غريبة، تسللت إلى عقول البعض فكان يجاهر بها ويقول إن الهدم ضرورى لإعادة بناء الدولة على أساس جديد يختلف عن الأساس الذى قامت عليه قبل الثورة، والفكرة وإن كانت غريبة على فكرنا القائم على الحرص على الدولة لأنها دولتنا منذ البداية وإلى النهاية وليست دولة الحكام وقد قامت الثورة لهدم النظام السياسى الذى يجلس الحكام على قمته، والدولة شىء والنظام السياسى شىء آخر ويجب أن يكون الفرق بينهما واضحًا فى عقول المخلصين الحريصين على بقاء و نقاء الثورة.. جهاز الدولة قائم فى مصر منذ أنشأه محمد على، وظل قائمًا مع ثورة عرابى، ولم يخطر على بال أحد أن يهدمه فى ثورة1919 أو ثورة 1952، ومعنى ذلك أن القلة التى تدعو إلى هدم الدولة لإقامة دولة جديدة يكررون نظرية قديمة ظهرت على أيدى المدرسة الفوضوية التى أسست فكرها على أن الثورة لابد أن تصاحبها فوضى شاملة تعم أرجاء البلاد وتهدم كل شىء مثل الإعصار الذى يقتلع الأشحار من جذورها، وبعد ذلك يتم البناء من جديد على أرض فراغ، وقد طبقت هذه النظرية فى بداية الثورة الروسية سنة1917 وأدت إلى الخراب الشامل وفشلت بالطبع وتحمل الشعب الروسى الجوع وضياع الحقوق الى أن انهزمت هذه النظرية وانهزم أصحابها.. ثم ظهرت مرة ثانية فى الصين فيما سمى « الثورة الثقافية» وقادتها أرملة ماوتسى تونج مع من عرفوا بعد ذلك باسم عصابة الأربعة، وقامت بإغلاق المدارس والجامعات والمصانع وعاش الشعب الصينى عشر سنوات فى مظاهرات واعتصامات واحتجاجات إلى أن وصلت الصين إلى الخراب الكامل وانتهت المأساة بإعدام قادة هذه الفوضى التى كانت تحت اسم الثورة الثقافية وهو اسم خادع.
وكل محاولة لهد أجهزة ومؤسسات الدولة هى من صنع أعداء الثورة وأعداء البلد، ومن هنا يجب أن يستمر التحذير من المحاولات الخبيثة التى يقوم بها أعداء الثورة سواء كانوا فى الداخل أو الخارج. وكل ثورة لها أعداء، وليس فى التاريخ ثورة اندلعت وسط تأييد شعبى إلا وكانت هناك قوى تتآمر عليها، لأن الثورة هى عمل وطنى يهدف إلى إنصاف طبقات الشعب المظلومة، وتخليص البلاد من الفساد والفاسدين، وتطبيق العدالة الاجتماعية تطبيقًا حقيقيًا. ولا تكون الثورة ناجحة إلا إذا كان لديها رؤية اقتصادية واجتماعية وسياسية متكاملة.
وتحشد القوى الثورية لإعادة بناء الاقتصاد وزيادة الإنتاج وإقامة مشروعات تقلل من حجم البطالة الرهيب.. والثورة هى لحظة انطلاق الشعب لاسترداد الاستقلال الوطنى ورفض التبعية.. ولكن تحقق الثورة ذلك لابد أن تتصادم مع القوى التى كانت مسيطرة ومستفيدة من النظام السابق والتى تتعارض مصالحها السياسية والاقتصادية مع هذه الأهداف. وهذا ما حدث فى أعقاب ثورة الشعب التى جاءت بمحمد على، وما حدث فى أعقاب ثورة عرابى وثورة1919 وثورة 1952.. وكل ثورة من هذه الثورات انتكست وتمت تصفية كل ما أنجزته.. وهذا هو الدرس الأكبر.. الدرس المرير الذى نتعلمه من الثورات السابقة
???
ثورة 25 يناير يجب أن تتوقع هذه المعارك وتستعد لها بالوعى وبالعمل. يجب أن تظل محافظة على أهدافها: العيش والحرية، والعدالة الإجتماعية،وتحاسب حكامها كل يوم على مافعلوه من أجل تحقيق كل هدف من هذه الأهداف الثلاثة، بحيث لا تصرفها المعارك الجانبية والمشكلات اليومية وتجعلها تنحرف عن المسار الرئيسى للثورة. ولن يتحقق التقدم الاقتصادى والسياسى والاجتماعى إلا بالديمقراطية وبإطلاق الحريات العامة والخاصة وبالحرص على عدم الاستبداد وحكم الفرد تحت أى مسمى.
???
والمرحلة الحالية هى مرحلة إعادة القوة والتماسك إلى أجهزة إدارة الدولة وبخاصة جهات الأمن وهذا هو المفتاح لاستعادة القدرة على تحسين الاقتصاد، وأمامنا عدة مشاكل منها:
أولاً: إن الثورة لا تسير فى طريق مفروش بالورود، وهناك من يعمل على رعاية مصالح الشعب إلى طريق إشاعة العشوائية والوقيعة بين الشعب وأجهزة الدولة.
ثانيًا: إن الثورة ليست قادرة على تحقيق مطالب الفئات فى وقت واحد، ولا تملك عصا سحرية لتحول الفقر إلى غنى والفاسدين إلى صالحين وتقدم لكل عاطل عملا ولكل عامل أجره الذى يستحقه وترفع الظلم عن كل واحد من أبناء الشعب فى شهر أو فى سنة.. الثورة عمل يومى وحركة دائمة وسريعة من أجل تعديل موازين العلاقات بين قوى المجتمع..الثورة مثل قطار يتجه إلى المحطة النهائية، والمحطة النهائية بعيدة، ولكن فى الطريق محطات وعند كل محطة تكون قد حققت إنجازًا وتضاف هذه الإنجازات فى النهاية عندما يصل القطار إلى هدفه.
ثالثًا:إن الأوضاع الاقتصادية قبل الثورة كانت قد وصلت إلى مرحلة الانهيار وبعد الثورة تسببت الإضرابات وقطع الطرق واغلاق المصانع وتهديد السياح فى زيادة الأوضاع الاقتصادية سوءاً. واستعادة القوة الاقتصادية ليست بالأمر المستحيل،فإن عودة الأيدى العاملة إلى العمل وإعطاء الثورة الفرصة لترميم التصدع فى الاقتصاد ثم الانطلاق فى البناء.
رابعًا:إن « الثقافة السياسية» بعد الثورة شاع فيها أنه ليس للدولة أبدًا أن تستخدم أى وسيلة لمقاومة أعمال العنف وقطع الطرق وتعطيل المرافق حتى وصل الأمر إلى منع موظفى الإدارات الحكومية من دخول مكاتبهم فى المبنى المجمع لقضاء مصالح الناس، وتعطيل المترو والقطارات والتهديد بتعطيل محطات الكهرباء، وغير ذلك كثير، ولا توصف هذه الأعمال إلا بأنها تخريب مقصود به إصابة أجهزة الدولة بالشلل والإضرار بمصالح الناس.. وليس من المعقول أن تقف الدولة على الحياد ويقف البوليس مقيدًا بالأوامر بعدم التعرض.. وماذا يمكن أن تكون النتيجة؟ وهل يمكن بعد ذلك أن يتوقع الناس الأمن وتحسين نوعية الحياة.. إنهم يضعون العصا فى العجلات.. ويجب التصدى بحزم لكل من يعطل مصالح الناس.. وهذه مسئولية المخلصين للثورة والبلد.

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف