مؤتمر للإنسان و المستقبلة
بعد النجاح الذي حققته الندوة التحضيرية للمؤتمر القومي للتنمية الاجتماعية, فان المفكرين واهل الرأي في مصر مدعوون جميعا للمشاركة في بلورة الآراء المهمة التي طرحت فيها, ومناقشة الافكار التي جاءت علي لسان الخبراء الذين شاركوا فيها, وقد اصبح الطريق واضحا الآن. فالمؤتمر القادم الذي سيرأسه الرئيس مبارك بنفسه ستكون الاولوية فيه للانسان المصري ولبناء المجتمع المصري بما يتفق مع ضرورات المستقبل.
ولقد وضح في هذه الندوة ان جهدا كبيرا قد بذل في الاعداد لها علي مستوي عال في التنظيم, كما روعيت الدقة في اختيار المشاركين فيها من الخبراء المصريين والدوليين, كما كان حضور السيدة سوزان مبارك هذه الندوة والمشاركة في الجلسات والمناقشات دليلا علي ان المؤتمر الكبير سوف يكون تحضيرا لمرحلة جديدة من اعادة بناء المجتمع.. وظهر ان الاسس التي سيقوم عليها هذا البناء هي الحرية والديمقراطية ليس في المؤسسات والمنظمات السياسية فقط بل في كل المواقع.. ابتداء من البيت الي المدرسة والاعلام ومواقع العمل.. الخ وباقرار ميثاق اجتماعي لحقوق المواطن المصري علي مجتمعه واول هذه الحقوق هو توفير العدل الاجتماعي, والتكافؤ في الفرص, والحفاظ علي كرامة الانسان.. وفي هذا الميثاق الاجتماعي تحتل قضية الحفاظ علي الشخصية المصرية القومية مكان الصدارة, دون ان يتعارض ذلك مع ضرورة تفاعل الشخصية القومية مع العولمة دون السماح بذوبان الشخصية المصرية في اطار ثقافي وحضاري مستورد يختلف في القيم عن الاطار الثقافي الذي يمثل الخصوصية المصرية.. ومهما تحمسنا للعولمة يجب ان ندرك انها لاتتعارض مع الحفاظ علي الحدود وعلي ثوابت العقيدة والتاريخ والتكوين الثقافي الخاص بكل مجتمع.
ولقد ركزت الندوة علي استعراض الانجازات وعرضها رئيس الوزراء ووزراء التعليم والصحة والبيئة, واستعرضت الندوة حقائق وارقاما كثيرة عن التقدم الذي تحقق في الجانب الاقتصادي وفي التنمية البشرية.. وتحتاج الان الي مواصلة الحوار حول القضية التي ينعقد المؤتمر من اجلها وهي قضية الانسان والمجتمع المصري والمستقبل لأننا نحتاج الي ادارة حوار واسع بين كل اهل الرأي والخبرة حول ثلاث قضايا:
القضية الاولي هي مناقشة التغيرات التي استجدت علي المجتمع المصري.. وعلي الانسان المصري.. هناك افكار ومباديء واخلاقيات وانماط سلوك جديدة.. بعضها ايجابي ولابد من نشره وتعميقه.. وبعضها سلبي يعكس امراضا اجتماعية وسلوكية وتحتاج الي تشخيص صحيح وعلاج حقيقي.. هناك عادات جديدة تنتشر بين المصريين.. عادات تتصل بالاستهلاك.. وبالزواج والطلاق.. وبالنفاق الاجتماعي.. وباحترام قيمة العمل واحترام العاملين.. ولابد من بحث سلم القيم الاجتماعية والاخلاقية السائدة الآن والتغيرات التي طرأت بحيث تغير وضع قيمة المال ليصبح علي القمة وتهبط قيمة العمل والاخلاص في العمل والدقة في العمل.. وكذلك الحال بالنسبة لقيم اخري ذات اهمية اساسية في تماسك المجتمع وتقدمه.
والقضية الثانية هي دور مؤسسات التربية الاجتماعية ومناقشة مدي نجاحها في قيامها بدورها مناقشة صريحة وموضوعية.. هل يقوم البيت الآن بدوره.. والمدرسة.. والنادي.. والتليفزيون.. والصحافة.. الكتاب.. وغيرها من المؤسسات المسئولة عن عملية التطبيع الاجتماعي و التربية الاجتماعية التي تشمل غرس القيم والاخلاقيات والمباديء في الفرد منذ طفولته المبكرة وحتي نهاية العمر.. هل تؤدي هذه المؤسسات دورها بصورة مرضية.. وهل اعددنا الآباء والامهات لهذا الدور الخطير..؟ وهل يجد الطفل والشاب القدوة التي يتأثر بها ويمتص منها المثل العليا والاخلاق والوطنية وكيفية تكوين علاقات سوية مع الآخرين قائمة علي التسامح, والتعاون, واحترام حقوق الآخر, ومثل هذه المباديء لايكتسبها الطفل والشاب بالتلقين او المحاضرات او الخطب, ولكن يكتسبها بالمعايشة ويجب ان نذكر دائما ان الرسول صلي الله عليه وسلم كان يعلم اصحابه القرآن عشر آيات بعشر آيات.. ولايعلمهم الآيات العشر الجديدة الا بعد ان يكونوا قدعملوا وطبقوا كل مافي الآيات السابقة.. والدرس هنا هو ان العبرة بالسلوك وليس بالكلام والتلقين..
اما القضية الثالثة فهي انحرافات الاطفال والشباب التي اصبحت مصدر قلق, ولن نتمكن من العلاج ان لم نعرف الاسباب والعوامل التي ادت اليها.. ماسبب انتشار العنف والعدوان في السلوك والافكار.. ماسبب انتشار كتب قديمة تنتمي الي مرحلة الانحطاط في الفكر الديني والاجتماعي.. وماسبب بعث فتاوي اصدرها رجال لهم شأنهم في ظروف خاصة وواجهوا بها قضايا ومشكلات ظهرت في ايامهم وتختلف عن ظروف ومشكلات المجتمع والعصر الذي نعيش فيه.. ومااسباب انتشار المخدرات والارهاب.. وغياب الانتماء والولاء للوطن؟.. الي آخر هذه الظواهر السلبية.
ليست مهمة المؤتمر الكبير القادم ان يتحدث عن الانجازات فهذه لها منابر ومجالات كثيرة اخري.. ولكن مهمته هي البحث في الامراض الاجتماعية.. وفي المشكلات الاجتماعية.. وفي اوجه القصور في المؤسسات الاجتماعية.. وفي كيفية اعداد المصريين للتعايش معا في مجتمع جديد يتغير من اعتماد الفرد علي الدولة من المهد الي اللحد الي مجتمع يقوم علي المبادرات الفردية والجهود الفردية..
مهمة هذا المؤتمر قريبة مما فعله الرئيس الامريكي كلينتون عندما طرح رؤية من اجل تغيير امريكا قال فيها لقد عجزنا عن التصدي لحاجات اطفال امريكا.. اننا لانزودهم برعاية صحية كافية, او بأفضل تعليم, او بالحماية من الانحراف والعنف, ولانتصدي للمشاكل التي تواجه المحرومين.. اننا نحتاج الي اصلاح جريء لمساعدة جميع اطفالنا علي ابراز قدراتهم.. وقال ايضا في هذه الرؤية للتغيير: حان الوقت لمشاركة جديدة لاعادة بناء امريكا بالتعاون بين الناس والحكومة, لتصبح مدننا فخرا لنا, وتجد فيها الاسر المكافحة فرص العمل, والمساكن اللائقة, والمدارس الجيدة, والامان في الشوارع, ومكافحة الجريمة, ومأوي للمشردين, واهم من ذلك وقف عملية التحريض للاغنياء ضد الفقراء, وللفقراء ضد الاغنياء, والمرأة ضد الرجل, والرجل ضد المرأة.. الخ ولابد من نزع فتيل الصراع في المجتمع ووضع التعاون مكانه.. ولقد اصبحت الاسرة من الطبقة المتوسطة تعمل اكثر وتدفع ضرائب اكثروتحصل علي دخل اقل..
مثل هذا التفكير هو الذي نحتاجه نحن ايضا وتحتاجه كل المجتمعات التي تريدا ن تدخل القرن الحادي والعشرين من بوابة الدول المتقدمة.. والمؤتمر الذي يرعاه الرئيس مبارك هو اهم مؤتمر للاعداد للمستقبل بمشاركة كل العقول والخبرات.. وهو اول مؤتمر في مصر يعقد علي هذا المستوي الرفيع يكون موضوعه الانسان والمجتمع والمستقبل.. ولذلك يجب ان نحميه من أن تتسرب البيروقراطية اليه لكي ينجح.