يقولون عن توشكى .. ماذا يقولون؟
لصراع بين كل فكر جديد وكل فكر قديم أمر لابد منه.. ولذلك يجب ألا يزعجنا أن يواجه مشروع استراتيجي ومستقبلي كبير مثل مشروع توشكي بالمقاومة أو عدم التصديق, أو الرفض, من بعض الناس سواء كان ذلك لعدم قدرتهم علي استيعاب مثل هذه القفزة الحضارية الكبيرة, أو بدافع الرغبة في تشويه كل إنجاز وتعطيل الركب المتقدم نحو المستقبل بقوة, وما اكثر ما نري من يستسهلون موقف النقد والمعارضة لانهم يعفيهم من مشقة مشاركة الكادحين في عملية البناء. ومن الاعتراف للناجحين بالنجاح, ربما لأن هذا الاعتراف صعب علي نفوسهم.
سهل جدا ان يقول اي انسان ان مشروع توشكي خطأ, لأنهم مازالوا حتي الآن يحددون ـ دون خجل ـ ان اقامة صناعات استراتيجية في مصر خطأ, وبناء آلاف المدارس الجديدة خطأ, وإغلاق الطريق علي تجارة الدروس الخصوصية خطأ, ولا يتورعون عن وصم كل عمل بأنه خطأ, دون ان يردعهم ضمير أو حرص علي المصالح العليا للوطن, أو لأن بعضهم يفكرون بعقل قديم, ويتمسكون بأفكار عفا عليها الزمن وأساليب للعمل السياسي لم تعد صالحة للعصر.. ومشروع مثل توشكي يحتاج الي عقل جديد.. عقل يستطيع ان يتحرر من اسر الأفكار التقليدية ويفكر بطريقة غير تقليدية.. عقل لا تقيده حدود الماضي والحاضر الضيقة وفيه قدرة علي ابتكار اساليب للتغلب علي الصعاب التي يعجز عن مواجهتها الآخرون, ولمضاعفة العائد مما هو متاح, ولا يقف ولا يتراجع امام المشاكل ولكن يبحث لها عن حلول غير مسبوقة.. وبالنسبة لاستصلاح وزراعة الأراضي الصحراوية اصبح العقل الجديد في دول العالم التي تعيش العصر قادرا علي ترويض الزراعات والثروة الحيوانية للتكيف مع ظروف تختلف عن ظروفها الطبيعية باستخدام طرق علمية وتكنولوجيا جديدة.. وأصبح شائعا حتي في دول قريبة منا زراعة الأراضي ذات الجودة المنخفضة.. واستخدام تكنولوجيا جديدة للري تستخدم كميات من المياه اقل من المعدلات المعتادة.. وأصبح شائعا الزراعة بالمياه المالحة سواء كانت جوفية أو حتي مياه البحر.. بل وأصبحت هناك نماذج ناجحة في دول عديدة لزراعة الأراضي الصخرية.. ويحدث ذلك عند من يؤمنون بأن العلم, والعقل, لا يقف أمامهما مستحيل, وإن ضرورات تحسين الحياة للمواطنين في المستقبل تفرض التخلي عن العقل التقليدي, وإفساح الطريق أمام عقل جديد قادر علي صنع المستقبل وقهر الصعوبات مهما تكن.
وماذا يقول المشككون..؟
يقولون مثلا إنه بدلا من إنفاق المليارات في توشكي كان الأولي استصلاح واستزراع وتعمير سيناء حيث المناخ أفضل والاعتبارات الاستراتيجية أقوي وهم يعلمون ـ وليس في العالم من لا يعلم ـ ان مشروع تعمير سيناء الكبير يتم تنفيذه منذ سنوات ودون إبطاء, وترعة الشيخ جابر التي تحمل ماء النيل الي سيناء تم حفرها, وانتهت كل أعمال مسارها تحت قناة السويس, ويجري العمل في استصلاح الأرض, وبناء القري, ومحطات الكهرباء, والموانئ, وكل العالم يعرف تفاصيل المشروع الطموح بإقامة المنطقة الحرة الكبيرة علي أرض سيناء التي تمثل عالميا احد مشروعات القرن. واذن فهم يوجهون نقدا يعلمون انه بغير اساس ولكنهم يعملون علي اثارة زوابع مصطنعة علي امل ان تؤثر في البسطاء والعامة ومحدودي العقل والمعرفة..
ويقولون ان درجة الحرارة في توشكي مرتفعة بين30 و50 درجة وهي غير صالحة للزراعة وسكني البشر, وهم يعلمون ان نصف سكان وزراعات العالم في مناطق حارة, فكيف اذن يعيش ويزرع سكان الهند وكل آسيا وافريقيا, وكيف يعمل العمال المصريون في دول الخليج في درجات تزيد عن توشكي ومعها درجة رطوبة تصل الي95% في بعض دول الخليج, وكيف كان العمال المصريون يعيشون ويزرعون في العراق في الحرارة والرطوبة والرياح الموسمية القاتلة المحملة بالرمال.. حلال هناك وحرام هنا..؟ اليست توشكي افضل من غيرها من حيث المناخ..؟
ثم ان الحرارة في توشكي لا تزيد كثيرا عن الحرارة في قنا واسوان والنوبة وهذه مناطق عاش وزرع فيها المصريون منذ آلاف السنين ومازالوا يعيشون ويزرعون دون ان يتباكي عليهم احد.. اما زراعات المناطق الحارة فهي معروفة ويدرسها طلبة كليات الزراعة ولها خبراء ومراكز ابحاث تعمل منذ فترة طويلة علي إعداد بدائل للتراكيب المحصولية المناسبة لتوشكي ومنها دراسة جدوي لمركز البحوث الزراعية تبين ان معدل العائد في توشكي سنويا يزيد علي15% من حجم الاستثمارات وهذا يعني ان كل ما يتم انفاقه سيتم استرداده بعد سبع سنوات من بدء الإنتاج ويبقي العائد بعد ذلك اضافة صافية للدخل القومي لقرون قادمة.
ويقولون ان الأرض فيها مناطق واسعة مكونة من صخور الجرانيت, وغير صالحة للزراعة وهم يعلمون ان ذلك غير صحيح, ويمكنهم قراءة الدراسات الجيولوجية لمراكز البحث المصرية والدولية التي اكدت وتؤكد ان الصخور في هذه المنطقة جيرية وليست من الجرانيت وان مساحة مليونين ونصف مليون فدان صالحة للزراعة وليس فيها صخور.
ويقولون ان توشكي منطقة نائية بعيدة عن العمران, وهذا امر مضحك, وكأن المطلوب ان تقوم الدولة بتعمير المناطق العامرة والمأهولة وتترك بقية ارض مصر نائية ومهجورة.. اليس تعمير هذه المناطق هو الطريقة الوحيدة لجعلها مأهولة وعامرة بالحياة والبشر.. وهل كان الطريق من بو سنبل الي توشكي والي العوينات سيتم انشاؤه اذا لم يكن العمل في مشروع توشكي قد بدأ.. وهل يجهلون انه انشئت اخيرا عدة طرق ومطارات وخط سكة حديد في صحاري الوادي الجديد تربط توشكي بغيرها من المناطق.. وهل وصل الي علمهم ان هناك مجتمعات عمرانية جديدة انشئت فعلا في هذه المناطق.. وهناك خطوط التغذية بالكهرباء, بالإضافة الي مشروعات الطاقة الشمسية التي ستكون نموذجا لعمليات التنمية العمرانية مستقبلا.. واخيرا هل من العقل ان نترك المناطق النائية المهجورة نائية ومهجورة..؟
واضح ان مشروع توشكي اكبر من قدرة بعض العقول علي الاستيعاب ولهم العذر, فمن عاش في الظلام لا تستطيع عيناه الرؤية في النور.. ومن تربي وكون عقله وافكاره في عصر يصعب عليه احيانا مسايرة التطور وادراك معطيات عصر جديد مختلف عما اعتاد عليه.. وهناك دائما قلة من الناس تستطيع ان تقود الركب لأن لديها البصر والبصيرة, والقدرة علي رؤية المستقبل, وهناك ايضا قلة من الناس يصيبها الجمود العقلي فلا يقدرون علي تغيير افكارهم ولا يستطيعون مسايرة التطور, ولا لديهم الاستعداد لتحمل مسئولية الأعمال الصعبة أو رؤية ضرورات المستقبل.
وواضح ايضا ان بعض الذين يتحدثون عن ضرورة الاستعداد لدخول مصر القرن الحادي والعشرين, يقولون ذلك بأفواههم, ولكنهم لا يتصورون كيف سيكون هذا القرن.. وكيف سيكون قرن انجازات اقرب الي المعجزات.. وسيكون القادرون علي تحقيق المعجزات وحدهم هم الذين لهم حق دخول هذا القرن, اما الذين سيبقون بعقول تقليدية تبحث عن الأسهل والأقرب فسيكون مكانهم خارج التاريخ.