منذ أيام كشفت صحيفة لومانتيه الفرنسية النقاب عن ازدايد ظواهر الاضطهاد الديني في اسرائيل, سواء عن طريق الحكومة, أو عن طريق الجماعات اليهودية المتعصبة, وقالت الصحيفة ان الاضطهاد الموجه الي المسيحيين والمسلمين في الارض العربية المحتلة وداخل دولة اسرائيل ايضا يزداد قسوة يوما بعد يوم حتي لمن يحمل الجنسية الاسرائيلية.
وقالت الصحيفة ايضا ان الجماعات اليهودية المتعصبة وصلت الي حد اشعال النار في بيوت المسيحيين والمسلمين, وكان آخر جرائمها اشعال النار في بيت تعيش فيه3 مسيحيات سويسريات الجنسية في مدينة القدس بزعم انهن كن يمارسن الدعوة للمسيحية, وقالت الصحيفة ان هذه الجماعات اليهودية المتعصبة ترتدي زيا خاصا, وتتخذ من النساء هدفا لاعمالها الاجرامية, وتعمل بصفة مستمرة علي اثارة الذعر بين اصحاب الديانات غير اليهودية في أنحاء اسرائيل والأرض المحتلة وبالاخص في القدس وتل ابيب.
ومنذ أيام قدمت الاذاعة البريطانية برنامجا عن الاضطهاد الذي يلاقيه رجال الدين المسيحي في اسرائيل, وتحدث فيه عدد من رجال الدين الكاثوليك والارثوذكس عن الوان من العنف والمضايقات والاستفزاز تفوق الوصف وينال العرب منهم نصيبا اكبر بهدف الضغط عليهم ودفعهم الي الفرار من وطنهم.. وقال احدهم: انا عربي أولا ومسيحي ثانيا.. والمتاعب التي توجه الينا توجه الينا لهذين السببين.. لاننا عرب.. ومسيحيون..! وتحدث عدد من القسس والرهبان عن حالات الطرد من الكنائس والمنع من اداء الصلوات... ومازالت ماثلة في الاذهان واقعة طرد الرهبان الارثوذكس المصريين من دير السلطان المملوك للكنيسة الارثوذكسية المصرية, ومحاولت الكنيسة المصرية استعادته منذ29 عاما لجأت خلالها الي المحاكم الاسرائيلية ومرت بمراحل التقاضي الطويلة حتي صدر حكم منذ أكثر من27 عاما باحقية الكنيسة المصرية في ملكية هذا الدير, ومع ذلك فإن الحكومة الاسرائيلية ترفض تنفيذ الحكم.
وقصة طرد الرهبان الارثوذكس المصريين من دير السلطان لا اعرف كيف لم تناقشها لجنة الاضطهاد الديني في الكونجرس الامريكي, وكيف لم يطبق بشأنها قانون الاضطهاد الديني الذي صدر اخيرا ليعطي الرئيس الامريكي حق فرض عقوبات اقتصادية وسياسية علي الدول التي تمارس التمييز والاضطهاد الديني.
فلقد حشدت السلطات الاسرائيلية قوات مدججة بالسلاح في ليلة عيد القيامة عام1969 وقامت بالاعتداء علي الرهبان فأصيب ثلاثة منهم, واوقفت شعائر الصلاة في ليلة عيد القيامة ولم تكن هذه هي المرة الأولي التي تعتدي فيها السلطات الاسرائيلية علي الرهبان اثناء الصلاة ففي عام1970 احتلت القوات الاسرائيلية البطريركية الارثوذكسية.
ودير السلطان مملوك للكنيسة المصرية منذ قرون دون منازع, ولكن السلطات الاسرائيلية حشدت القوات لمنع الرهبان الاقباط من الدخول حين حاولوا العودة الي الدير بعد طردهم منه وصوبوا اليهم البنادق والمدافع الرشاشة, وهددوا المطران المصري والكهنة بالقتل, واقتادوهم في شوارع المدينة والبنادق في ظهورهم, واعتدوا علي بعضهم بالضرب علنا؟
ورفع مطران القدس( المصري) دعوي أمام المحكمة العليا الاسرائيلية بالقدس فأصدرت حكما في16 مارس1971 بالادانة الصريحة للقوات الاسرائيلية, واثبت الحكم الاعتداءات علي رجال الدين الاقباط. وحكمت المحكمة باعادة الدير المغتصب ولكن الحكومة الاسرائيلية ماطلت ورفعت دعوي امام المحكمة العليا بالقدس فحكمت هذه المحكمة ايضا بالاجماع في9 يناير1979 باحقية الكنيسة المصرية في تسلم دير السلطان وكرر الحكم ادانة المحكمة لتصرفات الحكومة الاسرائيلية التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ الاماكن المقدسة..
ورغم ما تدعيه اسرائيل من انها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط فان احكام القضاء هذه لم تنفذ وضربت السلطات الاسرائيلية بها عرض الحائط ومازال دير السلطان مغتصبا حتي الآن, واحكام اعلي المحاكم الاسرائيلية مجرد حبر علي الورق..!
واضطهاد السلطات الاسرائيلية للكاثوليك والارثوذكس لا يفوقه الا اضطهادها للمسلمين. ولا نكرر الحديث عن الحفريات التي تهدد جدران واساسات المسجد الاقصي, واغلاقه في وجوه المصلين خاصة في ايام الجمعة والاعياد والمناسبات الدينية الاخري, ودخول الجنود الاسرائيليين الي ساحة المسجد بالاحذية وحصار المصلين بالرشاشات وهم يؤدون الصلاة وايذاؤهم بالضرب والركل كما لا نكرر الحديث عن اغلاق مقار المدارس والجمعيات الدينية, وفرض الحصار عليها, واهانة رجال الدين, وتزييف القرآن الكريم, والاساءة الي رسول الله صلي الله عليه وسلم لاستفزاز مشاعر المسلمين, الي غير ذلك من الممارسات التي لامثيل لها في أي بلد متحضر أو متخلف. ولكن من حقنا ان نتساءل إذا كانت الولايات المتحدة وهي تنصب نفسها زعيمة للعالم كله, وتفرض علي كل الشعوب الخضوع لقوانينها, وتصدر قانونا لمحاربة الاضطهاد الديني, تنص فيه صراحة علي حقها دون منازع في محاسبة ومعاقبة كل دولة تمارس الاضطهاد الديني بأي صورة من الصور.. كيف تسكت عما يحدث في اسرائيل من اعتداءات صارخة علي المسيحيين والمسلمين علي السواء, وكيف لا تبدأ بتطبيق هذا القانون علي اسرائيل, علي الاقل لكي تبرهن امام العالم انها تستحق قيادة تيار الديمقراطية والحرية الدينية وان قوانينها ليست منحازة ولم تصدر لتكون سيفا مسلطا علي العرب والمسلمين وحدهم.
واذا كانت الولايات المتحدة محتاجة إلي الدليل, ففي لجنة حقوق الانسان في الأمم المتحدة وفي اليونسكو وايضا في الكونجرس وفي تقارير المنظمات الدولية لحقوق الانسان, ملفات ضخمة تضم الاف الوقائع والحقائق والشهادات والوثائق التي لا يرقي اليها الشك, ولديها الواقع الحي الذي تعايشه المخابرات الأمريكية التي أصبح وجودها شرعيا وعلنيا وأصبحت لها سلطة الأشراف علي أمن الاسرائيليين ولم يمتد نشاطها حتي الآن الي ضمان أمن الفلسطينيين وحماية اصحاب الديانات غير اليهودية من الاضطهاد والتعسف. وقد يكون للاضطهاد السياسي والعرقي والعنصري الذي تمارسه اسرائيل تفسير, مهما يكن مرفوضا, اما اضطهاد اسرائيل للديانات غير اليهودية والاعتداء علي اصحابها, فهذا ما يحتاج من امريكا الي تفسير.
وإذا كانت المنظمات الدولية تحشد قواها ليكون عام99 عاما للتسامح وثقافة السلام, فإن البلد الوحيد في العالم الذي يجب ان توجه اليه هذه الدعوة هي اسرائيل واقترح أن يكون مقر نشاط المنظمات التي ستنفذ برامج عام التسامح في داخل قلعة التعصب والاضطهاد الديني وليس في أي مكان آخر.