فــى انتظــــار القمـــة الإسلاميـــة
تعقد فى الشهر القادم القمة الإسلامية فى القاهرة لأول مرة منذ إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامى عام 1969.. القمة الإسلامية تعقد كل خمس سنوات، وكانت آخر قمة عقدت فى داكار عام2008.. على جدول أعمال قادة العالم الاسلامى موضوعات تتعلق بالقضايا المصيرية للدول الإسلامية مثل القضية الفلسطينية ومكافحة الفقر فى الدول الإسلامية، ولكن القضية الجوهرية التى سيناقشها الملوك والرؤساء فى العالم الإسلامى فهى التى تتعلق بالإسلام،وهى انتشار ظاهرة «الإسلاموفوبيا» وازدراء الدين الإسلامى فى الغرب وكيفية التعامل معها.
وظاهرة «الاسلاموفوبيا» ليست جديدة، وتاريخها يرجع إلى مرحلة الاستعمار الغربى للعالم الإسلامى سبقتهاوصاحبتها حملة الاكاذيب والتشويه للاسلام والمسلمين قام بها مستشرقون يدعون أنهم يقدمون دراسات علمية وموضوعية عن الاسلام والمسلمين وهم فى الحقيقة ينفثون السموم فى العقل وفى الثقافةالغربية ويعمقون الكراهية للاسلام،والنتيجة ما نراه اليوم.. رجال دين كبار فى الغرب على رأسهم. بابا روما بندكت يهاجمون الاسلام، رسوم كاركاتورية فى صحف الدول الأوروبية آخرها فى فرنسا منذ أيام، تشوه صورة الاسلام وتسخر من المسلمين ومن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ومراكز أبحاث تصدر تقارير ودراسات وكتبًا كلها سموم تزرع الكراهية للاسلام، وحكام وسياسيون يعتبرون الاسلام هو «العدو» بعد أن تم القضاء على خطورة «العدو» الذى كان يمثله الاتحاد السوفيتى، «ومفكرون» يتفننون فى حشد أدلة عقلية ملفقة للإقناع بنظرية «صدام الحضارات»، وحتى الخبراء العسكريون فإنهم يضعون نظرية جديدة للحرب للانتصار على هذا «العدو» الجديد القديم (!)
صحيفة «لوموند ديبلوماتيك» الفرنسية الشهيرة خصصت صفحات فى عام1997 تحت عنوان «عدو للغرب بديل عن الشيوعية» قالت فيها إن كل المخاطر والتهديدات والمخاوف التى ستؤرق العالم ستنبع من «ناحية الاسلام»، وإن الشعور بالريبة من كل مايمت للإسلام بصلة ليس بالشىء الجديد، وانتشار هذا الشعور الآن ناتج من شحنات البغض الدفين والمشوش للأجانب التى تراكمت فى شحنة واحدة ضد الاسلام باعتباره أخطر شبح يستهدف تعكير صفو الغرب، وإن شحنات البغض هذه هى التى ينتج عنها التصرفات العدوانية ضد الاسلام والمسلمين. والحقائق تؤكد ما ذكرته الصحيفة الفرنسية ذات الشهرة والمصداقية المعروفة والمؤثرة فى الرأى العام الفرنسى والأوروبى عموما خصوصا بين المثقفين وأهل الرأى، فقد رأينا الأحزاب الأوروبية تطالب بحرمان المهاجرين المسلمين من فرص العمل وتخصيصها للعمال الأوروبيين، ورأينا البرلمانيات فى الدول الأوروبية تصدر القوانين التى تقيد الحق فى اللجوء السياسى، ورأينا ما يعلنه سياسيون ومثقفون وقادة الرأى من تحذيرات من المهاجرين المسلمين بادعاء أنهم يهددون قيم الحضارة الأوروبية ويعملون على «تدنيس مبادئ المجتمع الغربى» ورأينا كيف اجتمع القادة العسكريون فى حلف الأطلنطى لبحث الخطر الذى يشكله العالم الإسلامى وما يمكن أن يحصل عليه من أسلحة.
وما يجرى على المسلمين اليوم هو ماكان يجرى على الاتحاد السوفيتى عندما كان هو «العدو» للغرب، كانت من الأمور المعروفة مطاردة مواطنى الأتحاد السوفيتى والرقابة المشددة على العناصر الشيوعية الموجودة فى الغرب، وهذا ما يحدث للمسلمين فى الغرب اليوم سواء فى معظم الأحيان وعلنا فى بعض الأحيان وبالقانون وفى هذا الإطار صدق الرئيس الأمريكى أوباما على استمرار العمل بالقانون الذى أصدره بوش ويسمح للمخابرات وأجهزة الأمن الأمريكية بالمراقبة والتنصت على المكالمات ومراقبة المراسلات ـ بدون إذن قضائى.
وفى تقرير المعهد الملكى للشئون الدولية بلندن منذ سنوات إن الإسلام كان دائما من الموضوعات التى شغلت بال الأوروبيين وقد أصبح المسلمون يعيشون فى أوروبا كجزء من واقع ثقافى يلمسه الأوروبيون فى الأحياء الفقيرة لبعض مدن أوروبا، فقد أصبح أمرا واقعا بعد أن تسلل « العو القديم» ليواجه الصورة الذهنية النمطية التى تبلورت عن الإسلام والمسلمين عبر العصور، وعلى الغرب أن يواجه المسلمين بأفكارهم عن «الجهاد ضد الكفار» وبالتعصب المعروف عنهم ..
وتقول «لوموند دبلوماتيك» إن الصدام بين الغرب والإسلام قديم ولكنه تحول إلى شعور عدائى أعمى للمسلمين حيث ساهمت الأزمة البترولية فى حرب أكتوبر 1973 فى تكوين تصور بأن العالم الإسلامى المتخلف يستطيع أن يتحكم فى مصير البلاد» المتقدمه». وفى الثمانينات تسببت عملية خطف الرهائن الغربيين فى إيران ولبنان فى تصوير المنظمات الإسلامية على أنها منظمات «وحشية» معادية للغرب،كما أن مساندة الغرب لإسرائيل وتشويه صورة المقاومة الفلسطينية ووصفها بأنها منظمات إرهابية مما دعم الصورة الذهنية عن الإسلام والمسلمين.
وأظن أن قادة العالم الإسلامى عندما يجتمعون فى قمتهم المنتظرة سيتذكرون التقرير الشهير الذى صدر عن مجلس حلف شمال الأطلنطى فى عام 1994 وفيه أن دول التحالف تنظر للإسلام على أنه «خطر» يتهددها، وأن عداء الحركات الاسلامية للقيم الغربية يؤكد القناعة بأن هذه الجماعات ستلجأ إلى العنف لضرب الرعايا والمصالح الغربية، ولا يستبعد أن تنجح الجماعات الإسلامية فى الهجوم على الديمقراطية فى البلاد الإسلامية وفى قلب المجتمعات الغربية أيضا، ومن المحتمل أن ينجح التيار الإسلامى المتطرف فى دفع أعداد كبيرة من المهاجرين واللاجئين الى دول غرب أووبا.
هكذا سيجد زعماء العالم الإسلامى فى القمة ملفا ضخما جدا يضم مئات الوثائق والحقائق والتقارير عن العداء للإسلام والمسلمين، وعن مسئولية « الأصول الإسلامية» عن حالة عدم الاستقرار فى الشرق الأوسط، وعن « غياب الديمقراطية فى العالم الإسلامى» المسئول عن اضطراب الأوضاع فيها، وسيكون على الزعماء أن يشيروا بوضوح إلى أن سياسات الغرب المجحفة هى السبب فى شعور المسلمين بالظلم. وسيكون عليهم الرد على قرار الاتحاد الأوروبى الذى صدر منذ سنوات ولم يتصد له أحد، وهذا القرار يقول: « إن تفاقم حالة عدم الاستقرار فى منطقة البحر الأبيض المتوسط برجع إلى انتشار التيار الأصولى الإسلامى والأزمة المزمنة للنزاع العربى الإسرائيلى، والازمات الاقتصادية وتراكم الديون وغياب الديمقراطية وحقوق الانسان والبطالة والانفجار السكانى كل ذلك ساهم فى زيادة وتعميق حالة عدم الاستقرار فى الشرق الأوسط.
والصحافة الغربية تتحدث عن « الفوضى الكبرى» فى العالم الإسلامى ولايزال فى الغرب من يصدق نظرية المفكر الاستراتيجى الأمريكى صمويل هنتجتون التى أعلنها فى عام 1993 عن صدام الحضارات وقال فيها : « إ ن فكرتى تقدم على أساس أن المصدر الرئيسى للنزاع فى عالم الغد لن يكون أيدلوجيا أو إقتصاديا، وإنما سيكون ممثلا فى انقسام العالم انقساما جوهره الثقافة، فالدولة ستظل المحرك الأقوى للسياسات والعلاقات الخارجية، أما النزاعات الرئيسية بين الأمم فانها ستقوم على أساس حضارى، وعلى الغرب أن يتوقع الصدام بين ثقافتة وحضارته وثقافة وحضارة الإسلام والكونفوشية..
قصة « الاسلاموفوبيا» طويلة ومثيره للقلق، ولاتزال فصولها مستمرة، وقد اكتفى العالم الإسلامى بمواجهتها بإصدار بيانات إنكار واستنكار ورفض وشجب وإدانة، وبمقالات منشورة فى الداخل، وعلماء دين يقفون على المنابر ويتحدثون عن الإسلام دين السلام والحرية والعدالة،لإقناع المؤمنين بالإسلام سماحة الإسلام ودعوته للتعاون مع كل الشعوب وكل الديانات على أساس المبدأ الإسلامى «لكم دينكم ولى دين» ومبدأ «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين» والمأمول أن يعلن زعماء العالم الإسلامى بصوت عال وواضح حقيقة الإسلام، وأن يتفقوا على الخطوط العريضة لاستراتيجية لمواجهة هذا العداء.. استراتيجية تترجم الى مشروعات وبرامج والمهم أن يكون العمل لتصحيح صورة الإسلام فى الغرب مستمراً وليس نوبة حماس وتنتهى.
والكل ينتظر ما سيصل اليه زعماء العالم الإسلامى لمواجهته أخطر تهديد يواجهه الإسلام والمسلمون.. تهديد لعقيدته مولوجودهم ولأوطانهم.. تهديد لا يمكن تجاهله، ولا التهوين من خطورته، ولا مواجهته بالكلمات وحدها.. تهديد يستدعى مواجهته بالعمل المنظم الذى يتفق مع طبيعة العقلية والثقافة الغربية، وميراث مئات السنين من الكراهية لن يزيله مجرد بيان.

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف