في العام الماضي أعدت لجنة حقوق الإنسان في الكونجرس الأمريكي تقريرا عن الانتهاكات التي تمارسها الاجهزة والدول في جميع انحاء العالم واقترحت هذه اللجنة انشاء مجموعة عمل من الخبراء لدراسة ممارسات دول العالم الثالث في مجال حقوق الانسان وربط المعونات والمساعدات والعلاقات التجارية الأمريكية مع هذه الدول في ضوء احترام كل دولة لحقوق الانسان.. لكن هذه اللجنة الموقرة في الكونجرس.. والكونجرس ذاته مع انشغالهما الشديد بحماية حقوق الانسان في جميع دول العالم من آسيا الي افريقيا الي دول الاتحاد السوفيتي السابق, لم يخطر ببالها ان تبحث حالة حقوق الانسان في الولايات المتحدة.
ولكن منظمة هيومان رايت ووتش الأمريكية قامت بهذه المهمة في تقريرها الاخير لهذا العام الذي بثته علي الانترنت علي العنوان الآتي:
HTTP://WWW.org/Reportsgs98/Police
ويتحدث التقرير عن موضوعين أساسيين: الموضوع الأول هو المعاملة الوحشية للشرطة الأمريكية للمواطنين, والموضوع الثاني هو تعرض الأقليات في أمريكا للاضطهاد وسوء المعاملة والحرمان من الحقوق الأساسية. ويقع التقرير في450 صفحة مليئة بالوقائع عن تعذيب الشرطة للمواطنين دون أن يخضعوا للمساءلة.. ويقول التقرير أن الضحايا ومنظمات حقوق الإنسان الأمريكية غير قادرة علي اللجوء الي القضاء اولا: لأن تكلفة التقاضي والمحامين تكلف اموالا طائلة تصل الي ملايين الدولارات, وثانيا: لأن الحصول علي المعلومات الموثقة أمر صعب في امريكا علي عكس ما هو شائع لدي الكثيرين الذين يتصورون ان قانون حرية المعلومات يطبق تطبيقا كاملا, ويشير التقرير الي ان المحاكم ـ مع ذلك ـ نظرت عشرات القضايا, وحكمت فيها بالتعويض لضحايا تعذيب الشرطة, وتضطر السلطات المحلية الي دفع هذه التعويضات من أموال دافعي الضرائب.
والتقرير ـ كما قال المدير التنفيذي لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان الأمريكية هو ملخص للبحث الذي قامت به المنظمة في14 مدينة أمريكية واستغرق هذا البحث عامين كاملين ومن هذه المدن الكبري: نيويورك, وواشنطن, وسان فرانسيسكو, ولوس انجليس, وشيكاجو, وبوسطن, وأتلانتا, وديترويت, وفيلادليفيا, وانديانا بولس, إلخ ويقول مدير المنظمة إن الشرطة تزعم أن كل الحالات التي حدثت وتحدث ما هي إلا حالات فردية وأخطاء من عدد من ضباط خارجين علي الالتزام بالأوامر, اما اعتداءات الشرطة علي المواطنين كما يذكرها التقرير فهي: اطلاق النار علي اشخاص بدون مبرر قوي, والضرب المبرح, والخنق, والتعذيب البدني المؤلم, وغيرها من اعتداءات تمثل خرقا للمعاهدات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان, واعتداء علي القوانين الفيدرالية والمحلية, وخيانة لثقة المواطنين في هؤلاء الضباط في انهم يعملون لحمايتهم وأمنهم والمحافظة علي حقوقهم.
يشير التقرير ايضا الي ان الكونجرس اصدر امرا الي وزارة العدل بتقديم احصائيات, وتقرير سنوي, عن حالات استخدام الشرطة للعنف الزائد عن الحد, ولكن ذلك الأمر لم ينفذ, ولم تصل الي الكونجرس اية معلومات رغم مرور اربع سنوات علي صدور هذا الأمر.
كما يشير التقرير الي سوء اوضاع الأقليات في امريكا وتعرضهم لانتهاكات لحقوق الإنسان تفوق بكثير ما يتعرض له الأمريكيون البيض, ويشرح كيف يتعرضون لمعاملة من الشرطة فيها قسوة شديدة وتمييز, وتوجه اليهم اهانات عنصرية, ومن المعتاد ان تنالهم اعتداءات بدنية بسبب وبدون سبب..! ومن القصص الكثيرة في التقرير حالة السيد لويما التي وقعت في نيويورك العام الماضي الذي تعرض للضرب ولانتهاكات جنسية في مركز الشرطة, ومع ذلك لم تلتفت السلطات لاحتجاجات منظمات حقوق الانسان. ولذلك تطالب منظمة هيومان رايت ووتش بتعيين مدع خاص يتمتع بالاستقلال لا يتأثر بالاعتبارات والعلاقات الشخصية وبفساد الاجهزة, علي غرار المدعي المستقل كينث ستار الذي تولي التحقيق في فضيحة كلينتون ـ مونيكا.
ويقول التقرير ان الإعلام الأمريكي ينشر ويذيع عن جرائم ترتكبها الشرطة ضد المواطنين. ولكن التحقيقات التي تتم داخل جهاز الشرطة لا تنتهي الي ادانة احد, ولا تطبق الشرطة نظام الإنذار المبكر للتعرف علي الضباط المثيرين للمشاكل وابعادهم عن التعامل مع الجمهور, ومع كل ذلك فقد اضطرت ادارات الشرطة في بعض المدن الأمريكية الي الاعتراف بمسئوليتها عن التجاوزات التي ارتكبها الضباط, ولكن ذلك لم يحدث الا في حالات قليلة جدا, ولذلك فإن الضباط الأمريكيين لا يخشون الحساب, والعقاب!.
ويتحدث التقرير عن حالة التوتر التي سادت مدينة نيويورك نتيجة انتشار حالات اعتداءات الشرطة ونتيجة انتشار الفساد في جهاز الشرطة بالمدينة, ونتيجة لذلك شكلت لجنة تحقيق علي مستوي عال سميت لجنة مولن المستقلة للتحقيق في وقائع الفساد, واثبتت اللجنة في تقريرها الارتباط بين الفساد والمعاملة الوحشية, وقدمت اللجنة توصيات للعلاج لم تنفذ. والتقرير ملئ بالحقائق والأحداث التي وقعت في كل مدينة من المدن الأربع عشرة وهي حالات لا يمكن ان يصدقها احد ممن يقرأون ويسمعون عن ان امريكا هي قلعة الديمقراطية والحرية الشخصية وحقوق الإنسان في العالم.. ويتابعون ما تفعله امريكا من انتهاكات لحقوق الإنسان في عدد من دول العالم باسم حماية حقوق الإنسان..!
وهذا التقرير قد يكون مفاجأة لنا, لأن منظمات حقوق الإنسان المصرية التي تتلقي مساعدات أمريكية, تنظر الي ما يحدث في مصر والعالم العربي بمنظار مكبر جدا, وتنظر الي ما يحدث في امريكا بمنظار مصغر جدا, بل ولا تلتفت اليه, ولو كانت هذه المنظمات حريصة حقا علي حقوق الإنسان في كل مكان لوضعت التضامن مع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في أمريكا ضمن جدول أعمالها..
ولا أعرف إن كان مناسبا ام لا ان يتبني لوبي مصري في مجلس الشعب والمنظمات غير الحكومية كشف انتهاكات حقوق الانسان في امريكا والدفاع عن حق الشعب الأمريكي, وحق الأقليات التي تعيش فيها في أن تعيش حياة ادمية لائقة وأن تجد الأمن والعدالة واحترام القانون من الشرطة الأمريكية.
ولا أعرف ايضا لماذا يسكت الإعلام المصري عن عرض مثل هذا التقرير الذي ارسله المدير التنفيذي لمنظمة هيومان رايت الي كل من يهمه الأمر في جميع انحاء العالم..!