هذا القانون الأمريكى المشبوه

اعتمد الكونجرس الأمريكي مؤخرا قانون مكافحة الاضطهاد الديني‏,‏ بعد مقدمات مهدت له‏,‏ وهيأت الكونجرس لتقبل فكرة ان مصر من بين الدول التي يمكن أن ينطبق عليها هذا القانون‏,‏ رغم حذف الاشارة إلي مصر صراحة في الصياغة الأخيرة للقانون‏,‏ ويثير هذا القانون مشاعر المصريين‏..‏ ولهم الحق في ذلك‏.‏

من حق المصريين ان يشعروا بالغضب تجاه هذا القانون‏,‏ وماسبقه من مؤامرات ومناورات في الاعلام وفي كواليس السياسة الامريكية لتشويه صورة العلاقة بين المسلمين والمسيحيين المصريين في وطنهم‏,‏ مع ان الصداقة بين البلدين لاتحتاج إلي دليل لتأكيده‏,‏ ولكن إزدياد قوة ونفوذ اللوبي الصهيوني في الكونجرس‏,‏ وفي وسائل الاعلام‏,‏ وداخل البيت الابيض أيضا‏,‏ كان وراء الحملة الغريبة التي كان هدفها أختلاق قائع‏,‏ التهويل في تناول أحداث فردية لكي تبدو وكأنها سياسة عامة‏,‏ وكذلك فان استخدام عدد من المصريين المهاجرين في أمريكا من المغامرين‏,‏ والباحثين عن الثروة أو المكانة والراغبين في تقديم خدمات للوبي الصهيوني تفتح لهم الطريق في المجتمع الأمريكي‏.‏

وكانت البداية حملة صحفية ومنشورات أعقبتها لجنة استماع في الكونجرس‏,‏ ثم زيارة وفد كنائس نيويورك‏,‏ فلما أعلن هذا الوفد أنه التقي بقداسة البابا شنودة وبجميع المسئولين‏,‏ وزار مناطق عديدة في مصر فلم يجد اضطهادا ولاشعورا بالكراهية‏,‏ ووجد المصريين شعبا واحدا متماسكا‏,‏ ولافرق فيه بين مسلم ومسيحي‏,‏ جاء عضو الكونجرس الامريكي فرانك وولف الذي كانت مواقفه عدائية في أثناء زيارته لمصر‏,‏ وبعدها‏,‏ حتي انه هاجم كل من قابله في مصر وأكد له أن الشعب المصري نسيج واحد‏,‏ وسيظل كذلك لانه ليس فيه اختلافات ثقافية‏,‏ وكله من أصول واحدة‏..‏ ثم جاء هذا القانون الذي واجه معارضة في الكونجرس‏,‏ وتم تعديله لحذف الاشارة إلي مصر‏,‏ ولكنه مع ذلك سلاح سام في ترسانة اللوبي الصهيوني ان لم تستخدم اليوم فقد تستخدمه غدا‏,‏ ولذلك فان الدور علي الرئيس الأمريكي لايقاف هذا القانون أو للتصريح علنا بانه لاينطبق علي مصر‏.‏

ومن حقنا أن نشعر بالشك والقلق من هذا القانون ونحن نري ان فريقا آخر في الأوركسترا بدأ يعزف في بريطانيا نفس النغمة المسمومة‏,‏ ويصعد بها إلي درجة اللامعقول‏,‏ وذلك بمقال نشرته صحيفة صنداي تلجراف يوم الأحد الماضي وصلت فيها بالكذب إلي مداه‏,‏ وقالت ان المسيحيين في مصر يتعرضون للسجن والقتل والتعذيب‏,‏ إلي حد أنهم يصلبون علي أبواب بيوتهم‏,‏ وتدق أيديهم بالمسامير‏..‏ و‏....‏ و‏..‏ إفتراءات وقصص وهمية مختلقة لايمكن ان يصدقها إلي مخبول‏.‏

والقانون الأمريكي يمكن ان يتحول إلي سلاح سياسي لممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية علي الدول التي يمكن اختلاق اتهامات لها بممارسة الاضطهاد الديني‏,‏ ومن الممكن ايضا ان يكون سلاحا لتأليب أبناء الشعب الواحد‏,‏ وأثارة التفرقة في صفوفهم‏,‏ ودس عوامل التفرقة وإيجاد حساسيات دينية لا أساس لها‏..‏ هي في النهاية وسيلة لاضعاف مصر‏,‏ وتمزيق وحدتها‏,‏ وتفتيت صلابتها‏..‏ وهذا أمر محال لان وعي الشعب المصري علي مر العصور شديد اليقظة لمثل هذه المؤامرات‏,‏ وقد أحبطها منذ الاستعمار الفرنسي والاستعمار البريطاني‏,‏ ولم يبق في مصر إلا الشعب الذي صرح المندوب السامي البريطاني اللورد كليرن بان كل محاولاته للوقيعة بين مسلميه ومسحييه فشلت لان في مصر شعبا يعبد الله الواحد‏,‏ بعضه يعبد الله في المسجد وبعضه يعبد الله في الكنيسة‏,‏ والجميع يعيشون معا أخوة بلا أية بذور للعداوة‏.‏

لكن القانون الذي اعتمده الكونجرس يعطي الرئيس الامريكي صلاحيات وسلطات لمعاقبة الدول التي تري أمريكا انها تمارس الاضطهاد الديني‏,‏ وتكفي رؤية أمريكا دون التزام باقامة دليل علي ذلك‏,‏ ومفهوم الاضطهاد الديني وفقا لهذا القانون غامض وغير محدد‏,‏ مما يدل علي ان القانون ليس إلا ذريعة للتدخل الامريكي في الشئون الداخلية للدول‏,‏ وجعل الرئيس الامريكي رئيسا للعالم‏,‏ فيقرر هو فرض عقوبات أو رفع عقوبات تبعا للمصلحة الامريكية التي ينص القانون علي انها هي الاساس والدافع الوحيد‏,‏ دون خجل مما في ذلك من ازدواجية المعايير وعدم الموضوعية‏,‏ بدليل ان احدا لم يشر إلي إسرائيل وهي الدولة التي تمارس الاضطهاد الديني علنا وعلي أوسع نطاق‏,‏ كما لم يشر إلي الحكومة الصربية أو الدول الاخري التي تمارس الاضطهاد الديني ضد المسلمين والاسلام‏,‏ مما دعا منظمة حقوق الانسان الي اصدار بيان تعليقا علي هذا القانون قالت فيه ان ادعاء امريكا بانها المسئولة عن حماية الاقليات وحقوق الانسان في العالم ليس الا أكذوبة كبري ويكفي ان الأسلحة التي تستخدمها الدول لانتهاك حقوق الانسان‏,‏ ومنها اسلحة وادوات القتل والتعذيب التكنولوجية الحديثة هي صناعة أمريكية ابتداء من القنابل المسيلة للدموع وغاز الاعصاب والعصي المكهربة‏,‏ الي الرصاص المطاطي‏,‏ والعقاقير التي تجعل الانسان يفقد عقله وقدرته علي التفكير المنطقي‏,‏ او تجعله يدلي باعترافات دون وعي‏..‏ واسرائيل تستخدم كل هذه الوسائل الامريكية‏..!‏

ومن الغريب ان تفرض امريكا علي دول العالم قيم ومعايير من عندها‏,‏ وتستعمل الدين قناعا للمصالح الامريكية‏.‏

وفرض الهيمنة بالضغوط والتهديد‏..‏ يدين هذا القانون غير الاخلاقي‏.‏

وماذا نعمل والكونجرس الامريكي لايريد ان يفهم حقيقة الاسلام الذي يلزم اتباعه بالايمان بالرسل والرسالات السابقة علي الرسول محمد صلي الله عليه وسلم وهذا قمة التسامح بينما لايؤمن الغرب بالاسلام وكتابه ورسوله‏,‏ وفي القرآن الكريم‏:‏ قولوا آمنا بالله وما أنزل الينا وماانزل الي ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط‏,‏ وما أوتي موسي وعيسي‏,‏ وما أوتي النبيون من ربهم لانفرق بين أحد منهم‏..‏

وفي الدستور المصري تنص المادة‏46‏ علي الزام الدولة بكفالة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية‏,,‏ وفي قانون العقوبات المصري حماية قانونية لقدسية الآديان وفي المادة‏160‏ عقوبات لكل تشويش علي اقامة شعائر ملة أو احتفال ديني خاص بها أو تخريب او اتلاف او تدنيس مبني من المباني المعدة لاقامة الشعائر الدينية دون تفرقة بين الآديان مع تشديد العقوبة آذا كانت الجريمة من جرائم الارهاب‏.‏

اذا كان الكونجرس الأمريكي لايريد ان يفهم ذلك‏..‏ والايريد ان يدرك ان الاقباط في مصر لايندرجون في تعريف الاقليات ووضعهم ليس كوضع المسلمين في الفلبين والهند أو المانيا او امريكا نفسها‏.‏

ما ذنبنا اذا كان الكونجرس لايريد ان يفهم‏..‏؟


 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف