نزعة العداء للعرب فى إسرائيل

تزداد في إسرائيل نزعة العداء للعرب يوما بعد يوم‏,‏ وتغذيها الحكومة الإسرائيلية التي تمارس هذا العداء عشوائيا ضد العرب في الأراضي المحتلةدبصورة ظاهرة ويومية‏..‏ وتشجيع الجماعات الصهيونية المتطرفة في ممارساتها العدوانية التي تشمل إيذاء الفلسطينيين دون سبب وتتدرج الي الفظاظة في معاملتهم الي الضرب والإهانة‏,‏ وهدم البيوت‏,‏ والحرمان من العمل والتعليم‏..‏ وتصل إلي حد القتل‏..‏

وهذه النزعة لكراهية العرب تظهر بشكل واح في الإعلام والثقافة في إسرائيل‏,‏ كما تظهر في الدراسات الاجتماعية الاكاديمية‏,‏ وفي كل هذه المجالات محاولات متعمدة للربط في الذهن الإسرائيلي بين الإرهاب والعرب وغرس فكرة أن كل عربي ارهابي بالضرورة وبالتالي فهو خطر علي كل إسرائيلي وعلي دولة إسرائيل‏..‏ والضربة الوقائية هي الأسلوب الأمثل للتعامل مع كل الإرهابيين العرب‏.‏

ورئيس الوزراء بنيامين نيتانياهو لا يخفي هذه الاتجاهات‏,‏ بل إنه يعمل بكل قوة علي تغذيتها وتعميقها وكتابه المشهور الذي اسماه محاربة الإرهاب هو في حقيقته دعوة إلي محاربة العرب‏,‏ وهو رسالة موجهة للغرب وللولايات المتحدة بالذات للتحريض علي اتخاذ سياسات ضد العرب‏..‏ ونيتانياهو يقدم في هذا الكتاب نظرية متكاملة لمحاربة ما يسمية الإرهاب الإسلامي ويحذر من أن هذا الإرهاب هو الخطر الأكبر الذي يواجه الغرب بعد انهيار الشيوعية وهو يعتبر كل الدول وكل الأنظمة العربية ارهابية يبدأ بالعراق وسوريا والسودان وليبيا وينتهي بالسلطة الفلسطينية ويقول إنه في منتصف التسعينات أصبح منفذو الإرهاب الدولي ومؤيدوه في الشرق الأوسط بعيدين عن التدمير أو الخضوع‏,‏ ونهض بعضهم مرة أخري وهم متأهبون لاستئناف وسائلهم الإرهابية القديمة في الخفاء وبحذر شديد هذه المرة‏.‏

ويحرض نيتانياهو أمريكا وأوروبا علي العرب والمسلمين فيقول إنه لا يمكن فهم إلي أي مدي تشكل الموجة الاسلامية خطورة وعداء للولايات المتحدة والغرب دون الوقوف علي جذور الكراهية العربية الاسلامية للغرب‏.‏

وكثيرون يعتقدون أن هذا العداء بسبب تأييد الغرب للدولة اليهودية وأن هذا العداء سيزول مع تحقيق السلام بين العرب وإسرائيل‏.‏ ولكن هذا الفهم بعيد عن الحقيقة لأن جذور العداء للغرب راسخة منذ مئات السنين لدي العرب والمسلمين وهذه الجذور تنمو حتي لولم تظهر دولة اسرائيل إلي الوجود‏.‏

ونيتانياهو يعتبر نفسه استاذا في العقيدة والشريعة الإسلامية والتاريخ الإسلامي ويوضح فلسفته في تغلغل العداء للغرب عند العرب والمسلمين ويعزف علي الأوتار الحساسة التي يعرفها لدي الأوروبيين والامريكيين‏,‏ فيقول إن التعليم الاسلامي والعربي هو أساس العداء للغرب‏,‏ لأن هذا التعليم يقنع العرب والمسلمين بأن المسلمين أمة ذات دين مقاتل‏,‏ وأن الرسول محمد وخلفاءه نشروا الاسلام وجعلوه قوة مسيطرة علي امبراطورية عظيمة‏,‏ وفتحوا الشرق الأوسط وفارس والهند وقلب آسيا وشمال أفريقيا وآسيا الوسطي وأسبانيا‏,‏ وتوغلوا حتي جنوب فرنسا‏,‏ ولولا أن دمر شارل مارتل العرب في موقعة بواتيه عام‏732‏ علي مسافة‏290‏ كيلو مترا فقط جنوب فرنسا لكان من المحتمل جدا أن تكون أوربا قارة مسلمة‏.‏ وظل العرب والمسلمون يتطلعون إلي حاكم يعيد إخضاع القوي الأوربية بصفة نهائية‏,‏ وقد وصلت جيوش السلطان العثماني إلي أبواب فيينا لولا أن تم وقف الزحف الاسلامي نحو الغرب عام‏1683.‏

يتحدث نيتانياهو عن حالة الارتباك والذل في العالم العربي والاسلامي بعد أن قامت الدول الأوروبية الكبري بتقسيم أراضي الامبراطورية العثمانية السابقة الي عدة كيانات تعسفية وقاموا بتقطيعها وإقامة حكام ساعدوا علي نشر التأثير الأجنبي في اقتصاد بلادهم‏.‏ فلا عجب إذن من الشعور المتزايد بالمرارة والذهول في العالم العربي وبعد فترة قصيرة من إقامة حكومات الحماية الأوروبية في العالم العربي برز تياران الأول هو تيار القومية الذي تزعمه عبد الناصر وحزب البعث ونيتانياهو يربط بين التيار القومي العربي والتيار القومي الألماني الذي نجح في توحيد الشعب الألماني المنقسم منذ القرن التاسع عشر وبدأ يبث الحياة في ألمانيا المدحورة بين الحربين وقاده هتلر‏.‏ وهو يربط بين هتلر وعبدالناصر ويستشهد بعبارات عبدالناصر بعد نكسة‏67‏ التي قال فيها‏:‏ الغرب الذي أوجد إسرائيل واحتقرنا قبل‏1948‏ ولم يضع مشاعرنا وأمننا وحقوقنا موضع اعتبار‏..‏ وإذا كانت دول الغرب قد سلبتنا حقوقنا وسخرت منا واحتقرتنا فعلينا نحن أن نعلمهم احترامنا وأن يعاملونا بجدية ويقول إن هذا المذهب الفكري هو الذي أوجد منظمة التحرير‏,‏ وبعد أعوام من الدعاية العربية ضد الصهيونية وضد الغرب أيضا تم نقل وجهة النظر العربية في أنه لولا دولة إسرائيل لكانت العلاقات بين العالم العربي والاسلامي وبين الغرب ممتازة‏.‏ ولكن الحقيقة أن عداء العالم الاسلامي للغرب ازداد علي مدار ألف سنة قبل اسرائيل‏.‏ والعالم العربي والاسلامي لا يضمر الكراهية للغرب بسبب إسرائيل بل يضمر الكراهية لإسرائيل بسبب الغرب‏,‏ ويذكر نيتانياهو عبارة ياسر عرفات إن منظمة التحرير الفلسطينية لا تعرض سلام الضعفاء وإنما سلام صلاح الدين لينسج من هذه العبارة همما ملخصه من أن سلام صلاح الدين كان خداعا تكتيكيا وبعده واصل المسلمون هجماتهم حتي أبادوا الوجود المسيحي في فلسطين‏..!‏

هكذا يكشف نيتانياهو عن تكوينه العقلي والعقائدي المعادي للعرب عداء لا أظن أنه يمكن أن يتنازل عنه‏,‏ فهو يطرح علي الإسرائيليين وعلي الأمريكيين والأوربيين نظريته عن العداء العربي التاريخي للغرب ويعتبر مظاهر العداء الاسرائيلي لا يرجع إلي أنها دولة عدوانية ولكن لأنها امتداد للغرب‏..‏ ونيتانياهو يحرض أمريكا والغرب علي عدم تصديق أن العرب يمكن أن يكونوا أصدقاء‏,‏ وأن الصديق الأوحد للغرب هو إسرائيل‏.‏

هذه الروح العدائية للعرب لا تظهر عند نيتانياهو وحده ولكنه يمثل حركة واسعة في الفكر والعقيدة الاسرائيلية السائدة الآن‏,‏ وهو يغذي هذه الاتجاهات بالقول وبالعمل‏,‏ويعمل علي تعميقها في المدارس ومناهج التعليم وفي الثقافة والاعلام‏..‏

ولابد من فتح هذا الملف بوضوح وصراحة‏..‏ لأننا جادون في السلام‏,‏ ونتعامل مع السلام بقلب مفتوح‏,‏ ونتمني لو تنتهي مرحلة العداء والجمود والتعنت التي تقودها الحكومة الإسرائيلية لتفتح الطريق أمام سلام حقيقي ودائم وعادل في المنطقة‏..‏ ولكن ما يفعله نيتانياهو والجماعات الصهيونية المتطرفة والأحزاب اليمينية لا يبعث علي الاطمئنان علي المستقبل‏.‏


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف