الفخ الإسرائيلي الجديد

بدأت تتضح في إسرائيل ملامح مؤامرة جديدة فقد نصبوا للعرب والمسلمين فخا جديدا هو تحويل الصراع العربي الإسرائيلي من صراع سياسي حول حقوق العرب في استرداد أرضهم المحتلة بحرب 67 إلي أن يصبح صراعا دينيا بين اليهودية والإسلام يتبادل فيه الطرفان الاتهامات والاهانات لعقيدة ومقدسات كل منهما.


هذه المحاولة الخبيثة قائمة الأن في إسرائيل وتزداد درجة حرارتها يوما بعد يوماً علي أمل أن يكون رد الفعل العربي والإسلامي هو الرد بالمثل وتبدأ حلقة جديدة من حلقات الحروب الدينية القديمة لا يريدها العرب والمسلمون ولا يفكرون فيها ولا هي من مصلحتهم ولا من مصلحة دينهم. ولكنها تحقق لإسرائيل أهدافا كثيرة أولها أبعاد الصراع عن محوره الحقيقي وهو الأرض والحقوق السياسية وثانيها هو إشعال النار وحين يدخل المسلمون في هذا الفخ الجديد فما أسهل قلب الحقائق وإقناع العالم بأن المسلمين هم الذين بدأوا الحرب الدينية وإن الإسلام دين يعادي الأديان الأخرى ثم يصلوا في النهاية إلي إثبات الخرافة التي يروجون لها وهي أن الإسلام هو العدو القادم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.


المؤامرة بدأت علي يد امرأة إسرائيلية متعصبة دينيا، وتنتمي إلي أحدى الجماعات المعروفة بالهوس والتي تمار الإرهاب، وتسعي إلي إثارة العداء علي أساس عقائدي وديني وهذه الجماعات كثيرة ومنتشرة بعضها يطالب يقتل كل المسلمين وبعضها يسعي إلي هدم المسجد الأقصى ويعلن أن ملك اليهود لن يقوم إلا علي إنقاض المسجد القدسي وإقامة الهيكل مكانه وبعضها يعلن أن رقم 7 هو رقم النصر لليهود في 1897 بدأ الإعلان عن المشروع الإسرائيلي وإقامة الدولة في مؤتمر بازل الشهير وفي 47 أعلن عن بدء أول مرحلة لإقامة الدولة وفي 67 توسعت إسرائيل واستولت علي الأراضي العربية وها هي الأن في 97 والخرافات والأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل وفي عقول أبنائها كثيرة سجل بعضها روجية جارودى في كتابه المعروف.


المهم أن المؤامرة بدأت في ليلة بملصقات علي حوائط مدينة القدس فيها رسم خنزير كتبوا عليه محمد ويكتب أوراقا علي الأرض بلسانه كتبوا عليها القرآن وفي الصباح عرضت محطة تليفزيون سي أن . أن ومحطة تليفزيون يورو نيوز صورا لهذه الملصقات نقلتها محطات التليفزيون في كل الدول العربية والإٍسلامية وتطوعت وكالات الإنباء الغربية بتوزيع هذه الصور في كل أنحاء العالم لتلتقط الصحف في الدول العربية والإسلامية الطعم وتنشرها وتكتب تعليقات نارية عليها تثير الجماهير وتخرج المظاهرات الغاضبة من الهند إلي اندونيسيا إلي القاهرة إلي الداخل الفلسطيني ولكن هذا ليس هو الهدف أنه الخطوة الأولي لإيجاد المناخ المناسب للوصول إلي الهدف الحقيقي.


الهدف الحقيقي هو أن تصل إلي المسلمين رسالة مضمونها أن إسرائيل توجه إهانات إلي ديانتهم وبما أن التعصب والهوس الديني موجود في كل مكان فلن يعدم المسلمون من يتصدي لهذه الحملة بحمله مضادة ليتحدث عن أكاذيب في التوراة وعن تحريف وتغيير تم علي مر العصور فيها وعن طبائع اليهود وعن مواقفهم مع أنبيائهم وعدائهم لغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى الذين يسمونهم الأغبار ويعتبرونهم كفارا ويرد عليهم اليهود ليزداد المسلمون هياجا ثم تشتعل نار الحرب الدينية في المنطقة.


هنا نحتاج إلي وقفة بسرعة وقبل أن نبتلع الطعم أو تقع في الشرك لنؤكد حقائق جوهرية لا يجوز أبدا أن تغيب عن أذهاننا لحظة.


الحقيقة الأولي: أن جوهر الصراع في الشرق الأوسط ليس الصراع بين ديانات مختلفة ولكنه صراع سياسي بالدرجة الأولي ليس بين اليهود والمسلمين ولكنه بين الحركة الصهيونية السياسية الاستعمارية التوسعية التي تريد احتلال أراضي العرب والتوسع علي حساب الحقوق العربية وبين العرب الذين يطلبون حقهم الطبيعي المشروع في استعادة أرضهم ويجب أن يظل الخلاف محصورا في هذا الإطار السياسي لا يتجاوزه ونعلن ونؤكد لو أن إٍسرائيل التزمت وأعادت الأرض العربية فأن العلاقات معها يمكن أن تكون طبيعة والعكس صحيح.


الحقيقة الثانية: أن الإسلام كدين لا يعادي بطبيعته الأديان الأخرى بل بالعكس ليس مسلما من لا يؤمن بالأنبياء السابقين علي محمد صلي الله عليه وسلم جميعا وبالكتب السماوية السابقة علي القرآن الكريم وليس هذا اختيارا نابعا من تكوين حضارى متسامح ولكنه تنفيذ الأمر إلهي ولا يمكن إنكاره.


فالإسلام ليس أسما لدين خاص وإنما هو أسم الدين المشترك الذي جاء به كل الأنبياء وهذا ما يردده القرآن علي لسان جميع الرسل ابتداء من نوح وأمرت أن أكون من المسلمين ويعقوب ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون وأبناء يعقوب قالوا نعبد إلهك واله أبائك إبراهيم وإسماعيل وأسحق ألها واحدا ونحن له مسلمون وموسي عليه السلام يا قوم أن كنتم أمنتم بالله فعليه توكلوا أن كنتم مسلمين وشريعة الإسلام كما علمنا الله في كتابه شرح لكم من الدين ما وصي به نوحا والذي أوحينا أليك وما وصينا به إبراهيم وموسي وعيسي أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه والمسلمون يرددون أمر الله لهم قولوا أما بالله وما أنزل ألينا وما أنزل إلي إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسي وعيسي وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فالمسلمون حين يتحدثون عن الأنبياء والرسالات يقولون لا نفرق بين أحد منهم فلا يستطيع مسلم أن يوجه إهانة إلي نبي أو كتاب أو دين وإلا خرج علي الإسلام.


والمسلمون يعلمون من كتاب ربهم أن الله هو الذى نزل الأديان ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ويعلمون أن اختلاف الأديان ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ويعملون أن اختلاف الأديان سيظل إلي يوم القيامة كما قال لهم ربهم ولا يزالون مختلفين ويعملون ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعا.


وعلي ذلك فإن الموقف الإسلامي السليم هو عدم الرد علي الإهانة بإهانة لأن المسلمين لا يمكن أن يذكروا اليهودية إلا علي أنها دين انزله الله ولا التوراة إلا علي أنها كتاب من الله ولا موسي عليه السلام إلا بأنه نبي الله أما عبث اليهود بدياناتهم فهذا شأنهم.


وحسابهم فيه مع الله ونحن مثل رسولنا نصدع بأمر الله لست عليهم بمسيطر.


لذلك أقول أن الغيرة علي الإسلام لا تكون بتقديم صورة عنه تظهره أمام العالم في صورة الدين العدواني الذى ينطوي علي كراهية الديانات الأخرى وأهلها وهذا عكس الإسلام الصحيح وهذا ما تريد المؤامرة الإسرائيلية الجديدة أن تجر المسلمين إليه.


الحقيقة الثالثة والأخيرة أن الصهيونية العالمية بسيطرتها علي الإعلام الدولية قادرة علي قلب الحقائق وإقناع الرأي العام في أوروبا وأمريكا بالنظرية التي يروجون لها الأن بقوة وهي أن الإسلام هو العدو الذي يهدد العالم المتحضر وأن المسلمين ليسوا إلا متعصبين ومتطرفين وليس لديهم وسيلة للتعامل مع من يختلف معهم إلا القتل والتفجير والخطف والسرقة.


والصهيونية علي امتداد تاريخها هي التي تبدأ وتجرد العرب إلي الفخاخ ثم تظهر العرب علي أنهم هم الذين بدأوا وأن العدوان جاء من جانبهم ولعلنا مازلنا نذكر عدوان 56 وعدوان 67 وفي كل المراجع يعتبرون كلا منهما حربا دفاعية أمام عدوان العرب وتلاميذ إسرائيل يدرسون في مدارسهم أن سوريا أرادت احتلال تل أبيب في 67 وتشريد الإسرائيليين فاضطر الإسرائيليون إلي الدفاع عن أنفسهم واحتلوا الجولان.


هذا هو المنطق الإسرائيلي المقلوب فاحذوره.

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف