قلـــق المســـتقبل

من الطبيعى أن يشعر الناس بالقلق فى أعقاب الثورات، لأنهم ثاروا على أوضاع يرفضونها، ونجحوا فى إسقاط نظام لم يعد قادراً على قيادة البلاد نحو التقدم، ولكنهم لم يحددوا بعد فى أى طريق يمكن أن تسير فيه البلاد، وإلى أين يمكن تصل، هذه المرحلة يسميها البعض مفترق الطرق، ويسميها البعض الآخر مرحلة التحول، وهى مرحلة توجد فيها فى السياسة بقايا النظام القديم وطلائع النظام الجديد، ويدور فيها الصراع بين هؤلاء وهؤلاء. ويستخدم كل فريق مالديه من أسلحة مالديه من قوة لاحتلال مقاعد القيادة، بقايا النظام القديم يرون أن الحل هو العودة إلى ما كان فيه من نظم وأفكار وتشريعات، وطلائع النظام الجديد يكافحون لتثبيت مواقعهم وتحقيق أحلامهم الثورية خطوة خطوة وبأسرع ما يمكن..
ومن هنا ينشأ «القلق»... وهو قلق طبيعى من نتاج المرحلة بما فيها من صراع، وهو قلق مشروع لا تمكن مواجهته بالإنكار أو بالاستنكار وهو قلق مفيد لأنه «وقفة مع النفس» وبحث عن الطريق واحتشاد للانطلاق..
وثورة 25 يناير بدأت بانتفاضة الشباب وتضحياتهم الغالية بالأرواح والعيون، كانت البطالة تغتال طاقة ومستقبل الشباب، وكان الاستبداد والحجر على العقول يكبل خطواتهم، وكان حرمانهم من المشاركة واستبعادهم من الحياة السياسية وعدم إعطائهم دوراً أو فرصة لخدمة بلدهم يدفعهم إلى التهميش، وكان شعورهم بغياب العدالة وإهدار الكرامة يضغط على أعصابهم.. ولهذا ثاروا من أجل العيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وبعد أن انضمت جماهير الشعب إليهم، وصل الجميع إلى مرحلة القلق بعد نجاح الثورة، وفى مرحلة التحول والانتقال. فى هذه المرحلة يشعر الجميع بالقلق فى ظل مجتمع يعيش أزمة الخروج من سنوات عجاف إلى مرحلة إعادة البناء. وعبّر الشباب عن شعوره بالقلق فى الاستفتاء الذى قام به مكتب الممثل الإقليمى لمنظمة الهجرة الدولية فى الشرق الأوسط حول تأثير الثورة على توجهات الشباب المصرى، تبين منه أن 15% من الشباب يدفعهم الوضع الحالى فى مصر إلى الهجرة. و41% من الشباب أكدوا أن أحداث العنف التى وقعت بعد الثورة ومازالت مستمرة لم تؤثر على قرارهم بالبقاء والمشاركة، مع أنه مازال يشعر بالقلق فيما يتعلق بالحصول على فرصة عمل، وبالنسبة للفساد وافتقاد الأمن، وضعف الأجور، وإصلاح المسيرة السياسية.. وفى المركز القومى للبحوث الإجتماعية بحث أشرفت عليه الدكتورة ريهام محمد محيى الدين خبير علم النفس، وقد تأكد أن ثورة 25 يناير لم تكن ثورة جياع كما يدّعى البعض، ولكن فى البداية ثورة شباب مفكر، وفاعل اجتماعياً وسياسياً، من المدونين على الإنترنت، والمشاركين فى شبكات التواصل الاجتماعى مثل الفيس بوك، وتويتر، وبعد بدء الشرارة الأولى للثورة انضم إليها جميع شرائح وطبقات الشعب المصرى الراغب فى التغيير..
وعندما سئل الشباب عن أسباب مشاركتهم فى الثورة جاءت النتائج كما يلى: لرفع الظلم والقضاء على الفساد بين رجال الأعمال والمسئولين فى الدولة، ولتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، ولوقف تدهور الأوضاع الاجتماعية مثل تدهور مستوى التعليم وعدم العدالة فى الأجور، وتأخر سن الزواج، وانتشار العنف والسلوكيات المنحرفة وانتشار الجرائم، وسوء معاملة الشرطة للمواطنين فى ظل قانون الطوارئ، وأيضاً جاء ضمن أسباب الثورة تدهور الأوضاع الاقتصادية وخاصة ارتفاع الأسعار وانخفاض الدخول، وزيادة نسبة الفقراء، وزيادة البطالة، والاستبداد السياسى والحجر على الرأى وكبت الحريات وتزوير الانتخابات.
qqq
والقلق الآن - بعد الثورة - له أسباب أخرى وهو - أيضاً - طبيعى ومشروع نتيجة التغيرات السياسية والاجتماعية والمشكلات العديدة التى تفجرت من نتاج المرحلة السابقة وانتشرت بسببها مظاهر البلطجية والانفلات الأمنى وتدهور الأخلاقيات وازدياد البطالة، وعدم القدرة على رؤية المستقبل، وعدم وضوح الرؤية سببه عدم كفاية المعلومات للتعرف على صورة المستقبل وما سيحدث فيه، وهل سيحقق للشباب تأمين العيش وتحقيق أحلامهم فى العمل والزواج والاستقرار. ويزيد من قلق الشباب ما يقرأه ويسمعه من المسئولين عن تدهور الحالة الاقتصادية وتوقف عدد من المصانع وحاجة البلاد إلى الاقتراض من الخارج وفرض ضرائب تضيف أعباء جديدة على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وكل هذه عوامل تدفع الأغلبية العظمى من الشباب إلى التمسك بالبقاء فى مصر مع استعدادها لتقديم التضحيات المطلوبة لاجتياز المرحلة الانتقالية الصعبة والوصول بالثورة إلى بر الأمان، وبطبيعة الأمور فإن هذه المشاكل وهذا القلق يدفعان قطاعاً من الشباب للتفكير والسعى إلى السفر إلى الخارج وهذه نسبة محدودة كما جاء فى بحث الدكتورة ريهام محمد محيى الدين على عكس ما هو سائد فى الإعلام، وهؤلاء الراغبون فى الهجرة قالوا إن ما يدفعهم إلى ذلك اختلال التوازنات الاجتماعية، والبطالة، والركود، بالإضافة إلى الإغراءات التى يتعرض لها من الفضائيات والإنترنت والفيس بوك وتويتر وقد وصل الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى إلى أصغر القرى فى مصر حاملاً كافة التطلعات ومخاطباً الرغبات المكبوتة، والأحلام التى يرى هؤلاء الشباب عدم إمكانية تحقيقها إلا فى الخارج وكل ما يراه ويسمعه عن الخارج جذاب وبراق من توافر فرص العمل وارتفاع مستوى المعيشة وزيادة الدخل والزواج والقدرة على الحصول على مسكن.
وأعتقد أن الأمر يحتاج إلى عمل لإزالة أو حتى تخفيف حدة القلق على المستقبل، وذلك أولاً: ببلورة رؤية واضحة للمستقبل الذى تسعى مصر إلى تحقيقه ومكان الشباب فى هذا المستقبل، وثانياً: بعمل سياسى وإعلامى منظم وصادق لتوضيح المشاكل والعقبات أمام مسيرة البناء والخطة الموضوعة لمواجهة هذه المشاكل والعقبات، وثالثاً: بإفساح المجال أمام الشباب ليحتل نصيباً من المقاعد القيادية تعطى الأمل للشباب عموماً فى أن الثورة أثمرت ولم يعد مستبعداً أو مهمشاً ومن الممكن أن يحصل على المزيد من الفرص وأن تتحقق مطالبه وآماله خطوة خطوة كلما تحققت زيادة فى الإنتاج وفى النمو الاقتصادى وكلما تحقق الاستقرار فى المجتمع ووجد السياح الأجانب والمستثمرون ورجال الأعمال أن المناخ فى مصر يضمن لهم الأمن والأمان فسوف يجنى الجميع ثمار الثورة. الإنتاج وفى النمو الاقتصادى وكلما تحقق الاستقرار فى المجتمع ووجد السياح الأجانب والمستثمرون ورجال الأعمال أن المناخ فى مصر يضمن لهم الأمن والأمان فسوف يجنى الجميع ثمار الثورة.

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف