التعليم في بريطانيا... وعندنا !!

عندما كنت في لندن الأسبوع الماضي استمعت إلي وزير التعليم ديفيد لنكت يعلن بوضوح أن حكومة العمال الجديدة ستبدأ تنفيذ سياسة جديدة لتغيير التعليم وأن التعليم في المدارس والجامعات ستكون له أهداف قومية جديدة للسنوات الثلاثة القادمة للقضاء على التخلف الدراسي ورفع كفاءة التعليم ومستوي أداء المدرسة لدورها التعليمي والتربوي لإعداد البريطانيين للعصر الجديد القادم.


        أعلن وزير التعليم أمام مجلس العموم في جلسة ساخنة كان من حظي أن أحضرها عن تشكيل لجنة استشارية عليا يرأسها أحد كبار الأساتذة المعروفين هو البروفسور دافيد رينولدر لتقدم توصياتها وتتابع تنفيذ السياسة الجديدة وقال الوزير في امتحانات نهاية التعليم الابتدائي العام الماضي لم يستطع سوي 55 في المائة فقط من التلاميذ الوصول إلى المستوي الذي يتناسب مع أعمارهم في الرياضيات ولم يحصل سوي 75% منهم على درجات معقولة في امتحانات اللغة الإنجليزية وقال الوزير أن المستوي الذي وصلت إليه المدارس هو ما جعل حكومة العمال تعلن أن برنامجها يتلخص في التعليم .. التعليم... التعليم كي تؤكد عزمها وتصميم كل أعضائها على أن يكون التعليم هو مسئولية الحكومة وليس مسئولية وزير التعليم وحده. ومعني هذا الهدف أن تحاسبوا الحكومة على مستوي التعليم ولذلك فإن الإرادة السياسية العامة يجب أن تضع أمامها وهي تغير التعليم أن تحقق المستوي.. المستوي .. المستوي.


        وقال الوزير أيضا أن هدف تغيير التعليم ورفع مستواه هدف صعب، ولكن يجب أن تكون لدينا أهداف مرحلية واضحة ومحددة تحدد مسار عملنا لرفع المستوي التعليمي في المدارس بعد أن دلت كل المؤشرات على أن خريجي المدارس البريطانية أقل في مستواهم من مستوي المنافسين لنا في دول آخري... ولابد أن يكون سعينا جادا لتحقيق شعار: نحن شعب له مستقبل عظيم، ويجب أن نعد الأطفال هم المستقبل ذاته ولابد أن يرتفع المعلمون إلى مستوي هذه المسئولية ويتعاونوا معنا لتحقيق الهدف..وقد بدأت الحكومة في تنفيذ السياسة الجديدة وأصبح هناك وزير دولة مختص بالإشراف على تنفيذ برنامج رفع مستوي التعليم الابتدائي وهو ستيفن بايرز وهو ملتزم بتنفيذ الإستراتيجية التي أقرتها الحكومة وضمن هذه الأهداف تعويد التلاميذ على استخدام عقولهم ولم تعد لديهم قدرة إلا على الضغط على أزرار الآلات الحاسبة لتعمل بدلا من عقولهم.


        وأعلن الوزير أن اللجنة العليا لتطوير التعليم وضعت أمامها التجارب الناجحة في كل دول العالم وفي المدارس البريطانية المتفوقة للاستفادة بها جميعا، وهي تضع موضع الاختبار الأساليب التقليدية في التدريس بحثا عن أساليب عصرية جديدة.


        يلفت النظر إن شعار التعليم .. التعليم.. التعليم ... الذي أعلنه حزب العمال في الانتخابات التي فاز بها فوزا كاسحا أصبح الآن هو شعار الحكومة والجامعات ومجلس العموم ومراكز البحث.. وأن هذا الهدف تحول من شعار إلى إستراتيجية وأهداف محددة وبرامج تفصيلية ولجان مسئولة.. وتستطيع أن تلمس أن المجتمع ابريطاني كله يعمل ويشارك ويتحمس لهذا الهدف.


        وهذه هي نقطة الاختلاف بيننا وبينهم، فقد سبقنا بريطانيا في إعلان أن التعليم هو المشروع القومي لمصر في هذا العقد، وتم بناء 7500 مدرسة وعقد مؤتمران لتطوير التعليم برئاسة السيدة سوزان مبارك حددا اتجاهات التطوير ويبدأ العمل بالمناهج الجديدة هذا العام.. وزادت الموازنة التعليم خمس مرات.


        ولكن مازال هناك من يقلل من شأن هذه الانجازات ويشكك فيها ومع أن منظمة اليونسكو قررت منذ عامين تقديم جائزة خاصة للرئيس حسني مبارك في احتفال كبير في جنيف حضره الأمين العام للأمم المتحدة، وأعلنت المنظمة العالمية أن مبارك هو أول رئيس دولة يعطي التعليم في بلاده كل هذا القدر من الاهتمام ويحقق فيه كل هذه النجاحات إلا أن لدينا من يشكك في صحة أحكام اليونسكو.


        وفي تقرير اليونسكو الأخير أشادة بما تحقق في التعليم على أساس أنه تجربة نجاح حقيقية تحتاج بنجاح حقيقة تحتاج إلى متابعة واستمرار كي تحقق أهدافها. إلا أن بعض كتابنا الأفاضل رأوا أن منظمة اليونسكو قالت عنا مالا يستحق.


        وأيضا حين خصصت محطة تليفزيون الـ سي . أن . أن برنامجا عن القفزة في التعليم في مصر بالمناهج والمباني والمعامل الجديدة وإدخال الكمبيوتر والانترنت في المدارس. قال هؤلاء الكتاب الأفاضل أن الـ سي . أن . أن. كاذبة.


        ليس المهم أن هؤلاء من يشوه الانجازات في قطاع التعليم بالذات لأهداف لا تبدو وطنية أو موضوعية، وقد تنكشف الأهداف الحقيقية لها مع الأيام... ولكن المهم هو أن معركة تطوير التعليم في بريطانيا تختلف عن معركتنا في أن معركتهم هي معركة المجتمع كله.. الحكومة المعارضة.. الخبراء  والكتاب والجامعات ومراكز البحث. الحصافة والتليفزيون. المعلون والآباء. بل أن التلاميذ أيضا أصبحوا يشعرون أن هناك معركة يخوضها المجتمع من أجلهم ولرفع مستواهم وتحسين مستقبلهم.


        الجميع هناك متحمسون ويشاركون وعندما نترك المعركة لوزير التعليم ووزرائه كلهم معركة لات خص المجتمع كله.


        مع أن تطوير التعليم يجب أن يتحول إلى معركة أكبر وأهم من معركة تعمير منطقة توشكي الذي نطلق عليه مشروع القرن. لأن مشروع القرن الحقيقي هو في إعداد الإنسان المصري أعداد جيدا يجعله قادرا على التعامل مع علوم العصر ومع حقائق وأجهزة واكتشاف مذهلة تحققت، وهناك ما هو أكثر وأخطر سوف يتحقق في القريب والشعب الذي لن يتقدم بالتعليم سوف يتخلف كثيرا وقد يستحيل عليه تعويض ذلك في المستقبل مهما فعل لأن الهوة ستكون ساحقة.


        مما نحتاجه الآن هو أن نجعل تطوير التعليم معركتنا، والنجاح فيها نجاح لنا.. مادام البعض لديه حساسيته من أن تحقق وزارة بعينها هذا النجاح. ولابد أن يتقدم كل من يستطيع أن يشارك بالعمل بدلا من أن يلقي بالطوب على الذين يعملون والذين يعملون والذين ينطبق عليهم قول الدكتور طه حسين حين كان وزيرا للتعليم، أنهم لا يعملون ويسوؤهم أن يعمل الآخرون ولا ينجحون ويسؤوهم أن ينجح الآخرون.


        فليكن التعليم معركتنا الكبرى فليس لدينا وسيلة أخري وليس لدينا سواه طوق نجاة من الغرق مع المتخلفين والجاهلين الذين يجرفهم طوفان القرن القادم.


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف