شهادة للعصر

ظهر في عيد الإعلاميين هذا العام أن جهود السنوات الماضية قد أثمرت في كل المجالات فلم يكن سهلات أن تتضاعف قوة إرسال الإذاعات والتلفزيون إلي هذا الحد ارسال الإذاعات والتلفزيون إلي هذا الحد أن تظهر في المحافظات قنوات تليفزيون خاصة تحقق الحلم في نشر المعرفة والثقافة والإسهام في التنمية الاجتماعية في الريف والصعيد ولم يكن سهلا أن تمتد القنوات الفضائية لتصل إلي أطراف العالم تحمل ثقافة وشخصية مصر الحضارية وتقدم الصورة الصحيحة لما يجري فيها ولم يكن سهلا إنشاء قمر صناعي مصري أو إدخال التكنولوجيا الحديثة في هيئة الاستعلامات لتساير العصر.


وكان وراء هذه الانجازات فكر وجهد وتخطيط ومثابرة ليست وليدة عام أو عامين ولكنها نتيجة تراكم العمل اليومي المنظم لسنوات عديدة.


وأن كانت قائمة الانجازات طويلة وتشرف كل من يعمل في الإعلام فإن أكبر تطور حدث في الإعلام المصري لم يكن في الأساليب والتكنولوجيا واتساع رقعة العمل فيما سميناه السيادة الإعلامية ولكنه كان في جوهر الإعلام المصري ذاته فقد كان في جوهر الإعلام المصري ذاته فقد تغير مفهوم الإعلام وتغير رسالته، وتغيرت العقلية التي تتولي الإعلام فلقد عشنا عصورا كان فيها المفهوم السائد للإعلام هو في حقيقته مفهوم الدعاية بمعني أن ينشر الإيجابيات ويخفي السلبيات ويقول نصف الحقيقة ويحجب نصفها الأخر ولا يقول الحقيقة إلا بعد أن يضيف إليها ويغير معالمها وكانت النتيجة أن المصريين والعرب العالم كانوا يبحثون عن الأخبار والحقائق المتعلقة بمصر في الإعلام الخارجي ومن يعطي نصف أذنه للإعلان المصري فلم يكن يفعل ذلك ثقة فيه أو التماسا للمعرفة ولكن فقط ليعرف كيف تعرض القاهرة الأمور وماذا تريد أن تقول وكانت قائمة المحظورات والممنوعات لا نهاية لها بحيث أصاب العاملين في الإعلام نوع من الشلل العقلي جعلهم يفضلون السلامة بترديد العبارات الإنشائية الجوفاء وهم يعرفون أنها لا تقول ولا تفيد شيئا ولا تجد أذانا أو عقولا صاغية ويعملون أن هناك ما يسميه علماء الاتصال الجماهيري فجوة التصديق بمعني أن الإعلام لا يجد من يصدقه وإذا فقد الإعلام لا يجد من يصدقه وإذا فقد الإعلام في أي دولة مصداقيته تحول إلي هراء وكلاء في الهواء الصمت أفضل منه.


ولابد أن نشهد أن الإعلام المصري تغير في فترة حكم الرئيس حسني مبارك وكان لذلك عدة أسباب أولها أن ظروف التخوف من أعداء الثورة أو أعداء الانفتاح أو أعداء السلام أو أعداء الانفتاح والسلام والتقدم وثانيها أن تحول المجتمع المصرى من المركزية في الاقتصاد وملكية الدولة لوسائل الإنتاج وقيامها بدور الصانع والتاجر إلي مرحلة أخرى فيها آليات السوق وإعادة القوة والكرامة إلي الفرد وإلي الملكية الفردية وهذا التحول اقتضي بطبيعته تحولا نحو التعددية الفكرية والسياسية وإطلاق الحريات وخاصة حرية الرأي ولم يعد تظهر أمراض الحساسية لدي المسئولين لمجرد نشر خبر لا يرضيهم أو رأي يخالف رأيهم أو نقد يوجه إلي أعمالهم وهذه مرحلة من النضج السياسي كان لابد أن تظهر نتائجها في الإعلام وثالث الأسباب وأهمها أن شخصية الرئيس حسني مبارك ليست تسلطية وهو لا يحتكر الحكمة ولا يجب أن تكون صورته كذلك بل أنه يلتمس الرأي من كل من لديه رأي وهو يؤمن بالتفكير الجماعي بالقيادة الجماعية ويرحب بالرأي المخالف ويستمع إليه بأكثر مما يستمع إلي تصفيق المصفقين.


وهذه العوامل مجتمعة غيرت جوهر الإعلام ولم يعد الهدف صياغة عقول المصريين في قالب واحد ولا دفعهم للتفكير وفقا للرأي الواحد بل أًبح الهدف هو أطلاق الملكات الفكرية وتشجيع المبادرة والابتكار والمحاولة والخطأ دون خوف أصبح الهدف تحريك عقول الناس علي أنها أدوات تفكير وليست مجرد أوعية لتلقي وترديد الأفكار الجاهزة انتهي عصر الضيق الرسمي بالإبداع والابتكار ولم يعد باب الاجتهاد السياسي مغلقا وانتهي عصر الأكراه علي اعتناق أفكار بالضغط المادي أو المعنوي وأصبح واجب كل مواطن أن يتعرف علي آراء عديدة مختلفة ويختار لنفسه الرأي الذى يعبر عن مصالحه وأرادته ويعكس وعيه لم تعد رسالة الإعلام أن تفكر للناس ولكن أن تعرض عليهم الأفكار المتعارضة ليختاروا لم تعد الرسالة خدمة الحكومة وحدها علي أنها دائما علي صواب ولا يأتيها الخطأ من بين يديها أو من خلفها ولكن أصبح مسموحا بل ومطلوبا توجيه النقد للعمل العام بهدف التصحيح وتصويب المسار وكشف الأخطاء.


في عصور سابقة كان الإعلام يعمل في اتجاه واحد من الحكومة إلي الشعب وأصبح الأن يعمل في اتجاهين من الشعب فأصبح الإعلام هو الجسر الذى يوصل بين الحكام والمحكومين ومجال التفاعل بين القيادة والقاعدة أصبح الإعلام أحدي الوسائل الأساسية لمشاركة الشعب في القرار بما أصبح للإعلام من قوة تأثير وقدرة علي الضغط في الاتجاه الصحيح.


في عصور سابقة كانت هناك السوق السوداء في كل السلع المهمة وكانت هناك أيضا السوق السوداء للإعلام حيث تختفي الحقيقة ويحاول الناس الوصول إليها بالشائعات والإذاعات الأجنبية الآن مع السوق المفتوحة وزوال الحواجز الجمركية بالتدريج تزول أيضا الحواجز الجمركية بالتدريج تزول أيضا الحواجز علي المعرفة ويصبح ممكنا تداول الحقائق علنا وتصحيح ما قد يقع فيه الإعلام من أخطاء وهي أخطاء واردة تحدث في العالم كله ولا تؤدي إلي ضيق بحرية الإعلام.


خلاصة القول أن التقدم التكنولوجي والمنهجي في الإعلام العربي ما كان ممكنا أن يحقق هذه المصداقية داخليا وخارجيا إلا يفضل التقدم السياسي الديمقراطي في مصر ومادامت القيادة السياسية في مصر الآن تؤمن بحق المواطنين في المعرفة وإبداء الرأي بحرية والمشاركة في اتخاذ القرار ولا تضيق بالرأي الأخر وتري أن المواطنين شركاء وليسوا رعايا وأن مستقبل البلد ليس مسئولية جماعة وحدها ولكنه مسئولية الجميع دون تفرقة مادام الأمر كذلك فمن الطبيعي أن تنشط العقول وأن يعايش المواطنون القيادة في مواقع العمل وهي تفكر أمامهم بصوت عال ليفكروا أهم أيضا ويشاركوا.


ونتيجة لهذا تغير الجوهر وأصبح الإعلام المصرى قوة تسهم في إيجاد قوة أكبر هي قوة الرأي العام وأصبحنا نستمتع إلي رئيس الدولة لأول مرة منذ قرن من الزمان وهو يقول لا استطيع أن أقبل أن أفعل كذا لأن الرأي العام لن يتقل ولن يوافق..

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف