الأزهر وحوار الأديان

  في نهاية جولة الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي في ألمانيا أقيمت ندوة جمعت أكبر المستشرقين الألمان وأساتذة اللاهوت وممثلي الكنائس، وكان موضوع الندوة أوروبا والعالم الإسلامي وكان واضحا أن الهدف الأساسي منها هو طرح أوجه الخلاف والتخوف بين أوروبا والإسلام كما يراها الألمان ليعرفوا موقف الأزهر منها، وردود فضيلة الأمام الأكبر عليها ربما لكي يحسبوا بعد ذلك حسابهم، هل الحوار والتعاون بين أوروبا والإسلام أمر ممكن أم أن الصراع بينهما محتوم كما يعلن صمويل هنتجتون وفوكو ياما وغيرهم من مفكري وفلاسةف الغرب.


        وكانت القصة الأولي هي الحوار هل الإسلام يقبل الحوار مع من يختلف معه أم يعتبر الآخرين كافرين ويحرم التعامل معهم وهذه الفكرة شائعة في الإعلام اغربي وهل الأزهر باعتباره أكبر مؤسسة إسلامية مستعد للاشتراك في الحوار بين الأديان وبين الحضارات أو أنه سيعتبر ذلك أمرا محرما شرعا وفقا للفكرة السائدة في الغرب من أن الأزهر مؤسسة جامدة وسلفية ورافضة للتطور ولمد اليد للآخرين، وهل لدي الإسلام ما يقدمه في هذا الحوار كدين، وكحضارة وثقافة أم أنه مجرد عقيدة يدين بها مليار إنسان ولا تملك الحجة أو المنطق أو الفكر القادر على الصمود في حلقة الحوار والمواجهة.


        كانت هناك أسئلة كثيرة وأوراق عمل كلها تدور حول هذه التساؤلات وتضيف إليها بشكل مباشر أو بتشكيل غير مباشر ولكن موقف الأمام الأكبر من هذه القضية كان واضحا في حديثه ويتلخص فيما يلي:


·        أن الأزهر باعتباره أقدم وأكر مؤسسة إسلامية وتتبعه جامعة الأزهر ومراكز بحوث لديه حصيلة من الدراسات والأفكار يستطيع أن يقدمها ويطرح فيها الرؤية الإسلامية للعالم ولحقيقة الإيمان ولعلاقة المسلم بغيره من غير المسلمين سواء في الدول الإسلامية حيث الأغلبية المسلمة والأقلية غير المسلمة أو في دول العالم غير الإسلامية حيث المسلمون هم الأقلية.


·        وأن الأزهر كمؤسسة رسالتها شرح حقيقة الإسلام للمسلمين ولغير المسلمين ليست مهمة تحويل غير المسلمين إلى المسلمين والإسلام لن ينقص الديانات الأخري وكذلك فإن الضغط على أناس وأكراههم على اعتناق دين معين لا يؤدي إلى وجود مؤمنين صادقين ومخلصين لهذا الدين ولكنه يؤدي إلى وجود منافقين يعلنون الإسلام ويضمرون العداء له وفي هذا خطر على الإسلام والمسلمين. ولذلك فإن الإيمان إذا لم يكن نابعا من القلب والضمير وعلى أساس الاختيار الحر والمعرفة الكاملة فلا قيمة له ولا يستحق السعي إليه.


·        وأن الأزهر كمؤسسة إسلامية دورها الحفاظ على نقاء شريعة الإسلام والدفاع عنها في مواجهة أعدائها والمسيئين إليها، يدرك أن هؤلاء فريقان فريق من الغربيين درسوا الإسلام بعضهم درسه بهدف اختيار المداخل للهجوم عليه فهؤلاء لا فائدة من الحوار معهم، لأنهم يريدون دائما أن يثبتوا لمن يستعملهم أن يؤدون واجهبم في الإساءة إلي الإسلام بعقلية غريبة عن الجذور والتراث واللغة التي لا يمكن فهم الإسلام دون معرفتها معرفة جيدة هؤلاء يقعون في أخطاء وأوهام ويفهمون بعض الأمور على غير حقيقتها، وهؤلاء يفيد الحوار معهم وليس بقصد تحويلهم إلى مسلمين ولكن بصد مساعدتهم على معرفة احقائق الإسلام كما هي دون خلط أو سوء فهم,.


·        وإن الإسلام دين واضح ليست فيه أسرار يختص بها بعض الناس دون سائر الناس وليست فيه طلاسم يصعب فهمها وليست فيه أسرار أعطاها الله لبعض الصفوة وحرم الآخرين منها ولكن كل مخلص غير متحيز يستطيع أن يعرف كل شيء عن الإسلام ومن ناحية أخري فإن التسامح في الإسلام ومن ناحية أخري فإن التسامح في الإسلام في جوهر العقيدة والأمر الإلهي للمسلمين لا أكراه في الدين فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر أنك لن تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ومن جانب آخر فإن جوهر الإسلام أن اختلاف العقائد لا يعني وجود عازل يمنعهم من التعامل والتعاون فقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم يتعامل مع النصاري واليهود وكان يرتدي ملابس مستورة من بلاد أديانها مختلفة وفي بداية الهجرة أمر المسلمين بالهجرة إلى الحبشة ليكونوا في حماية حاكم مسيحي ورأي أنهم سيجدون الأمان عنده أكثر مما يجدونه وهم في وطنهم بين أهليهم وتطبيق ذلك قائم الأن في مصر مصر مجتمع فيه المسلم والمسيحي، والمبدأ الذي يعيش به المصريون هو الدين لله والوطن للجميع وهو مبدأ معبر عن موقف الإسلام والمصريون يعيشون معا في بيوت متجاورة وهم شركاء في أعمالهم التجارية وفي الأرض الزراعية وفي كل أمور حياتهم وليس في ذلك حرج أو حساسية وإذا ظهرت قلة منحرفة متعصبة أو تسعي إلى إيذاء أصحاب الدين الآخر فهم مجرمون أو مرضي أو مصابون بالهوس الديني وهم في النهاية شذوذ عن القاعدة وبدلا من أن تركزوا على الشذوذ أنظر إلى القاعدة العريضة والملايين يتعايشون منذ 1400 عام وحتى اليوم في أخوة كاملة.


·        وأن الحوار لكي يحقق نجاحا لابد أن نحدد ما هو الهدف.. هل الهدف أن يقول أصحاب كل دين نحن أصحاب الدين الأفضل وأنتم أصحاب دين زائف أو نحن على حق وأنتم على باطل أن كان هذا هو الهدف فسيكون ذلك حكما بفشل الحوار منذ اللحظة الأولي وأن كان الهدف هو الحث عن القواسم المشتركة بين الأديان وما أكثرها فسيكون حوارا ناجحا لأن كل الأديان من عند الله والله واحد وليس هناك آله لكل دين ومادام الله واحد فمن الممكن أن يلتقي البشر وهم مخلوقاته على المبادئ المشتركة ويتركوا أوجه الخلاف ليكون الحكم فيها لله والله يحكم بيننا يوم القيامة فيما كنا فيه مختلفين.


·        وليس معني ذلك أن الأزهر يريد أن يتفادى أو يتهرب من مناقشة العقائد فالدراسة مقارنة للأديان لا بأس بها ولكن فقط نفضل أن يكون ذلك بين العلماء والمتخصصين وليس بين العامة الذين يحكمون مشاعرهم ولا يحكمون المنطق والمنهج العلمي ونحن مستعدون في هذا المجال وقادرون على المضي في مثل هذا الحوار بمثل ما تريدون.


·        وأن الغرب المسيحي بحضارته يعترف أنه بدأ النهضة بالعلوم التي نقلها عن المسلمين والآن نقول أن العالم الإسلامي يحتاج إلى أن يرد الغرب الدين الذي عليه ونأخذ منه العلوم الحديثة لأن العلم والحضارة ملك للبشرية وليست حكرا لجانب الأكبر إلى المستشرقين وعلماء اللاهوت الألمان في موضوع يطول فيه للحديث.

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف