شيخ الأزهر في ألمانيا (2)

 كان ترحيب السلطات الألمانية بالإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر ترحيبا فوق العادة، ليس فقط لأن هذه أول زيارة يقوم بها شيخ للأزهر إلي ألمانيا، ولكن أيضا لأن الإسلام أصحب موضوعا لجدل في المجتمع الألماني، ولأن هذا المجتمع مشغول الآن بإيجاد صيغة للتعامل مع الإسلام والمسلمين بعد أن وصل عدد المسلمين إلى أربعة ملايين تقريبا.


        وقد عبر عن هذا المعني وزير الخارجية كلاوس كينكل في لقائه مع الأمام الأكبر حين قال له أن ألمانيا عاشت دائما دولة مسيحية ولم تعرف حضارة إلا الحضارة الأوروبية ولا ثقافة إلا الثقافة الأوروبية ولكن ألمانيا الآن فيها ملايين من المسلمين لهم حضارة وثقافة وعقيدة مختلفة ونريد أن نوجد صيغة جديدة للتعايش مع دين آخر وينصهر الجميع في مجتمع واحد نحن نبحث كيف نتجنب الصراع الذي يقول المفكر الأمريكي هنتنجتون أنه صراع حتمي بين الغرب والإسلام ولذلك فأننا نتطلع إلى أن نستطيع إلى نصائحكم، ولكي نوجد جسور تعاون مع الأزهر باعتباره أعرق وأكبر مؤسسة إسلامية تحظي باحترام العالم الآسلامي ولكي نعرف أكثر عن الإسلام من مصدر بعيدا عن الفكر الغريب المشوه للجماعات المتطرفة ونحن نتابع أفكاركم التي تتفق مع العقل وتدل على أنكم قيادة روحية مؤثرة تتمتع بسعة الافق وتساير تطورات العصر.. فأنتم صورة مشرقة للإسلام وللمسلمين، ونرجو أن تنتشر مبادئ التسامح واحترام العقل ورفض التعصب التي تدعون إليها.


        والملحوظة الأولي أن القضايا التي يثيرها المسلمون في ألمانيا معظمها قضايا فرعية لا تدخل في جوهر العقيدة والحكم فيها يختلف بحسب الزمان والمكان، ولكنهم يجعلون منها مشكلات كبري تنذر بتصادم وتدفع في نفوس الألمان مخاوف على حاضر ومستقبل بلادهم إذا استمرت هذه الروح المتشددة.


        وربما كانت أهم المشاكلات أن المسلمون في ألمانيا معظمها قضايا فرعية لا تدخل في جوهر العقيدة والحكم فيها يختلف بحسب الزمان والمكان، ولكنهم يجعلون منها مشاكلات كبري وتنذر بتصادم وتدفع في نفوس الألمان مخاوف على حاضر ومستقبل بلادهم إذا استمرت هذه الروح المتشددة.


        والنوم المبكر جزء من طبيعة الحياة الألمانية والقوانين والتقاليد تفرض التزام الهدوء وتمنع رفع صوت الراديو أو التليفزيون بحيث يصل إلى الجار. والبوليس الألماني يأخذ بجدية شديدة أي شكوي تصله من شخص يزعجه أي صوت يصدر من مسكن جاره لأنه يتعلق بحق المواطن الألماني يأخذ بجدية شديدة أي شكوي تصله من شخص يزعجه أي صوت يصدر من مسكن جاره لأنه يتعلق بحق المواطن الألماني في الراحة في ظل هذا النظام الصارم يصمم المسلمون على استخدام مكبرات الصوت بأعلي صوت في الفجر وبقية الصلوات وحين يطلب الجيران مراعاة حقهم في الراحة يثيرون أزمة على أن ذلك عدون على حقهم في ممارسة شعائر دينهم بحرية.


        ومع أن وزارة الأوقاف المصرية تصدر تعليمات إلى المساجد بعدم رفع مكبرات الصوت لأن عبادة الله لا تحتاج إلى ذلك فأن ما يقال في مصر دون حرج حين يقال في ألمانيا يواجه بالرفض ويقول المسلمون للألمان أن الآذان بمكبرات الصوت والمشرفين على المساجد ولم تصل هذه الاجتماعات إلى نتيجة. فانتهزت قيادة الكنيسة فرصة وجود الأمام الأكبر لتدعوه إلى اللقاء ولتسأله عن الشعائر الواجبة للصلاة عن المسلمين وعن الحدود الممكنة لحل هذه المشكلة.


        وكم كانت سعادة القيادة التي التقت بالأمام الأكبر حين سمعت منه إن الإسلام بأمر اتباعه بألا يؤذوا غيرهم وألا تكون شعائر دينهم مصدر ضيق للآخرين، وأن أوقات الصلوات معلومة بالدقيقة والثانية، ونحن في عصر يملك فيه كل إنسان منها يدق له في اللحظة التي يريدها، فلا حجة لمن يريد أن يؤدي الصلاة في أوقاتها جماعة في المسجد.. ثم أن من حول المسجد من غير المسلمين فلمن يرتفع صوت مكبرات الصوت فضلا عن أن الكمال في العبادة يقتضي الحرص على النظام العام والهدوء والسكينة ويكفي أن يكون مكبر الصوت داخل المسجد وبالقدر الذي سيمح بأن يكون الصوت مسموعا لمن هم في داخله.. لأن الإسلام ينهي عن إيذاء الجار بأي صورة من صور الإيذاء المادي أو المعنوي.


        هذه المسألة البسيطة كانت نموذجا لعشرات المسائل من أمثالها التي تحولت إلى مشكلات يواجهها الألمان بالحيرة والقلق ولا يعرفون كيف يتصرفون تجاهها خوفا من أن يكون في ذلك اعتداء على حقوق المسلمين.


        والمشكلات كلها نتيجة عدم وجود دارسين للإسلام، والاعتماد على المتطوعين والهواء وأكثر من يعتمد على فتاوي وآراء سماعية أو على كتب من تأليف الهواة والمتطوعين أيضا ولا يجيدون البحث في مصادر الفقه المعتمدة.


        وجاءت جولة الإمام الأكبر فرصة لتقديم حقائق الإسلام وأحكامه الصحيحة للمسلمين في ألمانيا أولا ولغير المسلمين ثانيا، وبلغ حرص الجميع على سؤاله ومعرفة رأيه أن كان فضيلته يقضي اليوم كله من الصباح إلى ساعة متأخرة من الليل في لقاءات وحوارات فضلا عما أعده المتربصون من ألغام في هذه اللقاءات.


        كان هناك من يتصورون أنهم يستطيعون احراج الأمام الأكبر أن الأزهر لا يصادرا فكرا ولا يصدر أحكاما بالكفر ولكن هذا الموضوع أثير أمام القضاء ولا أحد في مصع يستطيع أن يتدخل في سلطة القضاء وقد انتهي بحكم قضائي ويستطيع أبو زيد أن يعود إلى مصر حرا في أي وقت.


        وكان السهم الثاني عن قضية سلمان رشدي وقال الأمام الأكبر لكل من أثارها، أن سلمان رشدي كاتب كان مغمورا وبلا موهبة أراد الشهرة والمال برواية هزيلة ملأها بالقذف في الرسول صلي الله عليه وسلم وآل بيته.. وأنا حق القتل ولكني أطالب بتشكيل لجنة يشترك فهيا ممثل عن اليهود والمسيحيين والمسلمين ليسألوا سلمان رشدي ما الدليل التاريخي على الاتهامات التي وجهتها إلى الرسول صلي الله عليه وسلم فإذا انتهت هذه اللجنة إلى أنه كاذب فيكفينا ذلك وسيذهب هو وفكره الفاسد إلى النسيان كما ذهب غيره ممن حاربوا الإسلام وفشلوا ولا يستحق أكثر من ذلك وهو أقل من أن نشغل به أنفسنا والإسلام دين لا يخشي عليه من أعدائه ولو اجتمعوا مهما استخدموا من وسائل ومهما وجدوا من دعم.


        وكان هناك مستشرق من أصل عربي بدأ بالهجوم على حد الردة باعتبار عدوانا على حرية الإنسان في الاختيار وكانت إجابة الإمام الأكبر أن المسألة ليست بالأهمية التي يرددها الغربيون فعدد الذين ارتدوا منذ عصر الرسول إلى اليوم لا يمثل شيئا ذا قيمة بينما عدد الذين يدخلون الإسلام ولا يسيء إليه فليذهب ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، أما من يخرج ويتحول للإساءة إلى الإسلام والاعتداء عليه فأن من حق المسلمين أن يدافعوا عن دينهم ويتخذوا الوسائل لحمايته.


        وهكذا كانت جولة الإمام الأكبر سعيا لنشر مفاهيم الإسلام الصحيح بين المسلمين وغير المسلمين ومواجهة أصحاب النيات الخبيثة الذين يجيدون فن الحرب الباردة حتى تبدو أفكارهم المسمومة مقبولة للعقل الغربي.. وكشفا عمن يربطون بين الإسلام والعنف والإرهاب.


        وهكذا كانت الجولة تأكد إن الإسلام قادر على الوصول إلى العقل العربي وإقناعه بالمنطق الذي يفهمه إذا خاطبه داعية متفتح وموسوعة الثقافة مثل شيخ الأزهر الحالي الذي أثمرت جولته القصيرة أكثر مما أثمرت جولات عشرات قبله.

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف