التعليم وجماعات المصالح

مع انفتاح المجتمع المصري علي التيارات العالمية وتحوله من النظام الشمولي إلي التعددية وآليات السوق لابد أن نتوقع ظهور جماعات المصالح أن تستخدم كل الأسلحة بما في ذلك الأسلحة الظاهرة والخفية وحتي الأسلحة غير الأخلاقية وغير المشروعة فهذا ما حدث ويحدث في كل المجتمعات المفتوحة التي يتاح فيها لذوي المصالح المشتركة أن يتجمعوا ويكونوا جماعات ضغط ويستخدموا كل الوسائل والمنابر بما في ذلك الإعلام ولابد أيضا أن نتوقع أن تكون بعض هذه الجماعات وليست كلها صدي لجماعات ومصالح في الخارج سواء كانت دولا تسعي إلي التأثير علي آليات المجتمع المصرى أو الشركات عابرة للقارات هدفها غزو السوق المصرية وقتل الصناعات المصرية أن أمكن كل هذه أمور واردة ليست فيها ما يدعو إلي الانزعاج مادامت لدينا اليقظة والمقدرة علي إدراك ما وراء كل حملة ودعوة و إعطاء الفرص المتساوية للمخلصين ليعبروا عن مواقفهم ومصالحهم وهم أيضا ومصالحهم بالطبع مرتبطة بمصالح الوطن لأنهم لا يحملون جنسية غير الجنسية المصرية وليست لهم أرض يمكن أن يهربوا إليها ولا حماية خارجية يمكن أن يستندوا إليها.


وارد أيضا أن يمتد نشاط أصحاب المصالح إلي كل المجالات دون تفرقة فهم يعملون أساسا في الاقتصاد وهذا يجعلهم يمدون أيديهم إلي الصناعة والزراعة والبنوك والبورصة لكنهم لابد أن يمدوا أنظارهم إلي ما حولهم علي أمل أن يحكموا سيطرتهم علي كل المجالات وأهمها بالقطع التعليم والثقافة والإعلام لأن هذه المجالات الثالثة هي التي تجعلهم قادرين علي إعادة صياغة المجتمع كله وفقا لمصالحهم وإعادة بناء عقول الشعب وفقا للمبادئ والقيم والأخلاقيات التي يريدون أن ينشروها لتكون المناخ الملائم لإقامة إمبراطوريتهم.


ونظرة سريعة إلي ما يجري تكشف لنا بعض أهداف النشطاء في هذه المجالات الثلاثة فالحملة علي التعليم وعلي وزير التعليم في هذه الأيام بالذات هدفها الحقيقي التشكيك في نجاح مشروع مبارك لجعل هذا العقد هو عقد التعليم والتشكيك في جدوي الجهود التي تبذل والتي تتمثل في مضاعفة ميزانيات التعليم أكثر من خمس مرات وإنشاء 7500 مدرسة ونشر أجهزة الكمبيوتر وتكنولوجيا التعليم وتغيير المناهج وإعادة تأهيل المدرسين ليسايروا الفكر والأسلوب التربوي ومشاركة الأباء مع المدرسين والتلاميذ في تخطيط وإدارة التعليم.


هناك من يشكك في ذلك كله لأنه يريد أن تخلو له الساحة بعد أن تحول التعليم الخاص إلي تجارة تحقق أرباحا تفوق ما تحققه تجارة المخدرات والسوق السوداء بعد أن نجحت الحملة لتشوية التعليم الحكومي ونشر فكرة أنه تعليم ناقص وأن تكلفة الدروس الخصوصية وفيه تجعله أكثر تكلفة من التعليم الخاص وبعد أن أصبحت مصروفات التعليم الخاص بالدولار وليست بالجنية ووصلت إلي عشرة الأف دولار في السنة وأكثر وكذلك بعد أن ظهرت الجامعات الخاصة التي أصبحت هي الأخرى تجارة بدليل أنها أنشئت كشركات لربح وليست كجمعيات الخدمة كما كان في الأربعينات والخمسينات وبدليل أن تمويل هذه الجامعات يعتمد علي قروض من البنوك بفوائد مركبة تضاعف قيمتها كل خمس سنوات بعد أن توغل تجار التعليم كان لابد أن يكونوا جماعات التعليم كان لابد أن يكونوا جماعات للضغط تعبر عن مصالحهم في اتجاهين في اتجاه تشويه التعليم الحكومي والقائمين عليه والمسئولين عنه والتشكيك في السياسات والتنفيذ، خاصة إذا وجدوا حرصا علي جانب وزير التعليم عل يوضع ضوابط أو وضع حد أدني لأخلاقيات العمل وضمانات للجدية في التعليم والاتجاه الثاني هو نشر حملات دعائية تتخذ صيغة غير مباشرة لاقناع الرأي العام المصري بأن تجارة التعليم الجديدة هي الأجدى والأنفع والأكثر قدرة علي أعداد أبنائهم للتعامل مع ظروف المجتمع المصرى الجديدة التي سيتضح معالمها في المستقبل القريب.


وفي الإعلام تتجه جماعات المصالح الأن إلي الدعوة وبقوة وباستخدام أسلحة مسمومة لتخويف كل من يفكر في الاعتراض علي خصخصة الصحف القومية الكبرى وإنشاء قنوات تليفزيون محطات إذاعة تجارية للقطاع الخاص للترويج للفكر الجديد وللتعجيل بهدم المجتمع الحالي وكذلك في الثقافة فإن الدخول من باب الدين لنشر أفكار غريبة من ناحية وهدم منظومة القيم الاجتماعية والثقافية للمجتمع المصري والسعي إلي إدخال قيم جديدة هدفها تفكيك الأسرة ونشر الأباحية والتشكيك في جدوي الأخلاقيات المتوارثة والتبشير بقيم وأخلاقيات وأفكار المجتمعات الأمريكية والأوروبية ونشر قيم السلبية واللامبالاة وعدم أهمية الارتباط بالأرض والوطن والبحث عن المصلحة والمتعة ولو عند أعدائه وهكذا.


تبدو هذه المحاولات في شكل طبيعي وكأنها جزء من الجدل والحوار القائم بين القديم والجديد في مرحلة التحول أو كأنها صراع أفكار بين أنصار التجديد وأنصار الجمود أو كأنها تعبير اتجاهات الطليعة المعبرة عن الأفاق الجديدة التي تتجه إلي مصر في الارتباط بالعمل ومدي الجسور إلي كل انحائه دون خشية كما يعبرون عنها بكلمة العولمة أو باتهام كل من يعارضهم بأنه لا يفهم حقيقة وأبعاد وحجم التغير في العالم.


ولا شك أنه من الطبيعي أن تكون في المجتمع حركة وتفاعل بين الأفكار وصراع بين المصالح المختلفة والمتضاربة في بعض الأحيان والطبيعي أن تحسم هذه الصراعات من خلال التفاعل والبقاء للأصلح ولكن المشكلة أن أصحاب المصالح أوشكوا الأن أن يحكموا سيطرتهم علي منافذ العقل المصري بالارتباط بأصحاب أقلام وبإدخال بعضهم شركاء في المصالح وبالتضييق علي أصحاب الفكر الحر النزيه واتهامهم باتهامات كثيرة بأساليب يترفع عن مجاراتها الكثيرون.


ومن هنا تظهر أهمية تنقية أجواء الاختلاف في الرأي والالتزام بمبدأ أخلاقي يطبقه أصحاب المصالح في الغرب هو أن يعلن كل صاحب رأي حقيقة توجهه وارتباطاته فمن كانت له مصالح في مصر وحدها لا يتساوي مع من يضع قدما في مصر وقدما خارجها ولا تعتبر مصر إلا الدجاجة التي تبيض له ذهبا ويمكن أن يذبحها إذا توقفت.


والقضية تحتاج إلي شرح واهتمام.


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف