تعرض هذه الأيام في القاهرة مسرحية جميلة باسم وداعا يا بكوات هي الحلقة الثانية من عمل درامي كبير في الجزء الأول كانت المسرحية تناقش الاتجاه السائد في ذلك الوقت للعودة للحياة في الماضي بالقيم والأفكار التي لم تعد صالحة لهذا العصر ويرفض مجرد التفكير في تغيير الحاضر أو الاستعداد للمستقبل أما في المسرحية الجديدة ففيها مناقشة لما ينطوي عليه المستقبل من مخاطر علي العقل والروح وعدوان علي إنسانية الإنسان باسم العلم والتقدم والحرية.
ومؤلف المسرحيتين – لينين الرملي يريد في النهاية أن يوجه الدعوة إلي المصريين ويقظهم من سباتهم لكي يفكروا في المستقبل وينشغلوا به دون أن يغفلوا الماضي أو الحاضر دون تنازل عن القيم الدينية والأخلاقية والروحية التي تمثل صلب البناء الحضاري للمصريين والعرب بالطبع.
وهذه الفكرة التي تطرحها المسرحية تمثل نداء الضمير والإحساس بأن العالم يستعد لدخول رحالة جديدة سوف ينقسم فيها إلي المتقدمين ومتخلفين ولن يكون فيها مكان للمتخلفين ونحن نشهد بدايات هذه المرحلة في عمليات التصفية والإبادة التي تحدث في إفريقيا وغيرها ولابد أن نحدد مكاننا في أفريقيا وغيرها ولابد أن نحدد مكاننا في تلك المرحلة القادمة.
هذا الإحساس العام بالخطر القادم مع السنوات القادمة والذي يمثل هاجسا لدي المثقفين المستنيرين هو ذاته الذى يشغل الدولة الآن لحسن الحظ والدليل علي ذلك الوثيقة التي تبلورت أخيرا باسم مصر والقرن الحادي والعشرين وفيها اجتهاد فكري ملحوظ لرسم إطار العمل للاستعداد للمرحلة الجديدة التي توشك البشرية أن تبلغها وتحديد الطموحات وأن كانت هذه الوثيقة وثيقة فكرية في المقام الأول تسترشد بها الخطط التي تضعها الحكومة والهيئات المختلفة وتبدأ هذه الوثيقة بسؤال بالغ الأهمية هو ما الذي يتعين علي مصر أن تحمله معها من القرن العشرين وما الذى ينبغي أن تترك والسؤال علي بساطته يحتاج إلي جهد كبير للإجابة عليه لأن لدينا ميراثا ضخما من الأفكار والمبادئ بعضها لا يمكن التخلي عنه وإلا يكون قد تخلينا عن هويتنا وحقيقة وجودنا وبعضها الأخر يمثل قيدا علي الحاضر والمستقبل ولابد من التخلص منه وأن كان ذلك سهلا بالقول إلا أنه صعب جدا في العمل لأن التغيير الكبير له دائما معارضون وأكثر الناس يفضلون بقاء الحال علي ما هو عليه وهذه هي العقبة التي واجهت جميع الأنبياء والمصلحين.
ولكن إذا كان المجتمع المصرى الآن قد وصل إلي الدرجة التي شعر فيها المثقفون بضرورة التغيير والاستعداد للمستقبل فإن ذلك يلقي عليهم مسئولية قيادة تيار الوعي المؤيد للجمود والارتباط بالماضي.
يضاف إلي ذلك أن القيادة السياسية مؤمنة بالتغيير والعمل للمستقبل وهي علي وعي بأن الدول النامية لن تجد لنفسها الحماية في عالم سوف يقوم علي المنافسة الشرسة في ظل الحرية التجارة التي تعطي الأفضلية للدول التي سبقت إلي المقدم.
والمفتاح الحقيقي لتقدم مصر وهو ارتباطها بالعالمين العربي والإسلامي ولها فيهما مكان متميز ولذلك فإن البداية هي التصدى لكل الأفكار التي تطالب بأن تتقوقع كل دولة عربية وإسلامية داخل حدودها علي ظن أن ذلك يمكن أن يحفظ لها ثرواتها ويحميها من العدوان بينما تمثل هذه العزلة خطرا عل ثروتها وأمنها القومي علي السواء وإذا كانت رحلة الاستعمار قد نجحت في تمزيق الوطن العربي والإسلامي وجعلت كل دولة تخوض تجاربها وحدها فإن هذه النزعة الانعزالية سوف تكون بمثابة قرار بالانتحار ولا ينبغي أن نعطي أهمية كبيرة للأصوات التي تحاول أن تلقي الظلال علي دور مصر ومكانها بهدف عزلها وتحييدها عن محيطها الطبيعي ومنها من القيام بدورها القيادي وعلي الطليعة الواعية من المثقفين والسياسيين أن تتصدي لهذه النزعة الانتحارية بكل قوة والتي لا تخدم إلا أعداء العالمين العربي والإسلامي.
والخطوة العملية الأولي لتحقيق القوة في القرن القادم هي الاستمرار في سياسية إصلاح التعليم التي تهدف إلي تغيير النظم والمناهج لتؤدي إلي تخريج أفراد قابلين للتدرب علي مهن مختلفة ومواصلة الخطوات الناجحة التي تمت في ربط التعليم بالبحث العلمي لتخريج أجيال من العلماء قادرين علي الإضافة والابتكار في مجالات العلوم والتكنولوجيا لكي تنتهي ولو علي المدي الطويل مرحلة الاعتماد علي استيراد التكنولوجيا من الآخرين.
أن المجتمع المصري الأن بعد سنوات من العمل الجاد في الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي أصبح في وضع يستطيع معه أن يقوم بعملية فرز في وضع يستطيع معه أن يقوم بعملية فرز لما لديه والتخلي عن كل ما يعوق تقدمه وبناء عقل جديد يعتمد علي التفكير العلمي والمنطقي وليس علي الخرافة والوهم ويبحث عن حلول للمشاكل في معامل العلماء وليس في خيالات الجالسين في استرخاء علي المقاعد الوثيرة وينشر فلسفة للحياة تنمي في العربية الإيجابية في التفكير واحترام العمل والارتباط بالأهداف العامة والدقة في تطبيق القوانين، وعدم تبرير الأخطاء والتماس الأعذار للمخطئين.
ولعل هذه هي الصورة التي كان يقصدها الرئيس مبارك وهو يتحدث في عيد العمال عن بناء مصر جديدة فإن فكرة البناء الجديد في ذاتها تعني هدم القديم الآيل للسقوط وإقامة صرح جديد علي أساس جديدة وهذا الأساس هو الفكر والثقافة وفلسفة الحياة وهذه هي القوي التي يجب أن تزود بها أولا لكي تكون الطاقة التي تحرك المجتمع كله.
وبدون فكر جديد وفلسفة جديدة للحياة فإن العمل مهما كان مخلصا ومهما بذل فيه من جهد سيكون دائما معرضا للانهيار شأن كل بناء يقوم بغير أساس.
ومن هنا أقول أن مسرحية لينين الرملي تفتح أمامنا أبوابا للتفكير في صورة المستقبل يجب أن يشارك فيها المجتمع لتكون الشغل الشاغل للمصريين الآن.