سلبيات وإيجابيات التعليم
خلال هذا العام جاءت إلى مصر بعثة من الأمم المتحدة قضت فيها شهرين كاملين لدراسة ما تحقق وما لم يتحقق في تجربة إصلاح التعليم في مصر، ولم تدع هذه اللجنة مسئولا أو خبيرا أو مهتما بالتعليم إلا وقابلته واستمعت إليه. ولم تدع محافظة لم تزر مدارستها من حلايب إلى السلوم ورفح. ولم تدع تقريرا أو دراسة أو رسالة دكتوراه تتصل بالتعليم إلا واطلعت عليها.. وبعد أن أنهت مهمتها وغادرت مصر أرسلت تقريرها أخيرا عن تقييم التجربة المصرية في تطوير التعليم.
وهذا التقرير الان أمام رئيس الوزراء وهو تقرير مفصل انتهي بعبارة قالت فيها اللجنة التي ضمن أكبر خبراء التعليم في العالم. أن تجربة إصلاح التعليم نجحت في مصر بكل المقاييس، وأنها تمثل نموذجا للدول التي تسعي إلى تغيير وتطوير التعليم، وأن ادلعم السياسي والمالي من الرئيس حسني مبارك هو الذي أعطي قوة الدفع لإنجاح هذه التجربة التي إذا أعطيت بضع سنوات أخري بنفس الحماس والإيقاع ستصبح قصة نجاح كبري لمصر.
وأهم ما في هذا التقرير ثلاث نقاط رئيسية:
الولي: أن نجاح الإصلاح في مجال التعليم لا يتحقق عن طريق وزارة التعليم وحدها ولكنه مسئولية الدولة كلها ولابد أن يشارك المجتمع في هذه العملية الكبري، لأن تربية وتعليم الإنسان فيهذا العصر لم تعد تتم في المدرسة وحدها، وقد أصبح الإعلام ووسائل الثقافة والأندية والتجمعات الشبابية المختلفة مؤثرة في تكوين شخصية الإنسان بالإضافة إلى دورة الإسرة وعلى ذلك فإن نجاح أو فشل إصلاح التعليم يتوقف على التكامل والتعاون من المجتمع كله للتربية وتكوين الإنسان وهو في مرحلة الدراسة وأهم من ذلك أن مدي نجاح يتوقف بالدرجة الأولي على الإدارة السياسية والقرار السياسي لإن إصلاح التعليم يحتاج أصلا إلى أموال كثيرة جدا في مجتمعات تعاني أصلا من أزمات اقتصادية وقد يدفعها ذلك إلى التراجع بالتعليم إلى آخر القائمة الأولويات أما في حالة مصر فإن الرئيس بنفسه هو الذي رفع قضية إصلاح التعليم من قضية خبراء ومعلمين إلى أن أصبحت قضية سياسية وكان هذا أول عوامل النجاح.
والنقطة الثانية أنه حتى مع توافر الإرادة السياسية والقرار السياسي فإن تنفيذ في إصلاح التعليم في مصر اتسم بالجدية والانضباط وتم بإيقاع سريع لم يحدث مثله في أي بلد آخر في العالم فقد قفز عدد المدارس من 25616 مدرسة عام 1991 إلى أن أصبح 30570 مدرسة في عام 1996 أي أن هناك ما يقرب من خمسة آلاف مدرسة أضيفت في خمس سنوات أما المباني الجديدة للمدارس فقد حققت أرقاما لا مثيل لها لأن عدد المدارس التي أنشئت في مصر في مائة عام كانت 6092 مدرسة من عام 1981 إلى عام 1991، بينما أنشئت في خمسة أعوام فقط 6500 مدرسة من عام 92 إلى عام 96 وأنشئت 7500 مدرسة إلى السنوات الخمس التالية من عام 92 إلى 97 وهذه المباني إذا حسبت أعمال الحفر والخرسانة وحجم العمالة فيها فإنه تزيد على أعمال السد العالي فقد كانت أعمال الحفر في السد العالي 13.50 مليون متر مكعب بينما بلغت في المدارس حوالي 20 مليون متر مكعب. وكانت أعمال الخرسانة في السد العالي مليونا و 309 آلاف متر مكعب وبلغت في المدارس 10.50 مليون متر مكعب وأكثر من ذلك فإن مساحة المدارس التي أنشئت في برنامج مبارك تساوي 10 أمثال مساحة الهرم الأكبر أما الحجم فإن حجم مباني الهرم 2.6 مليون متر مكعب وحجم المدارس التي أنشئت 74 مليون متر مكعب، وكذلك فإن أعداد الطلبة المستفيدين من التغذية في المدارس زادت بنسبة 250% تقريبا من عام 91 حتى عام 96 وزادت البعثات الخارجية للمعلمين من 70 بعثة عام 93 فأصبحت 991 بعثة عام 96 وهذه أول مرة يتم فيها إيفاد معلمي التعليم العام في بعثات إلى أمريكا وفرنسا وإنجلترا لاكتساب خبرات جديدة والإطلاع على أحداث وسائل التعليم.
وأخيرا جاء مشروع إدخال الكمبيوتر في المدارس الذي تم تطبيقه في 4 آلاف مدرسة ويشمل الكمبيوتر ووسائل تعليمه بالليزر ومعامل حديثه وشبكة الألياف الضوئية التي جعلت وزارة التعليم تعقد مؤتمرات وندوات واجتماعات وبرامج تدريب في القاهرة وتشارك فيها 20 مديرية تعليمية في 20 محافظة في وقت واحد وبذلك يتم تدريب عشرات الآلاف في وقت واحد، ويتم العمل على توحيد الفكر بين العاملين في هذا القطاع وتبادل الرأي في لحظات.
يقول التقرير أيضا أن إصلاح التعليم لم يقتصر على زيادة مباني المدارس والوسائل التكنولوجية والتغذية ولكنه شمل أيضا إعداد وتدريب المعلمين وتطوير المناهج ويشيد التقرير الدولي بالأسلوب الذي اتبعته مصر في تطوير المناهج لأنه لم يتم على أيدي الخبراء وحدهم ولكنه تم من خلال مؤتمرات اشترك فيها مع خبراء التعليم أساتذة الجامعات ومراكز البحوث ونقابة المعلمين.
والنقطة الثالثة أن السلبيات الموجودة في التعليم هي من بقايا وتراكمات عصور سابقة مثل الدروس الخصوصية التي لم تظهر الآن وكلنها كانت موجودة قام وزير التعليم بتعرية هذه الظاهرة وكشفها وإعلان الحرب عليها فأصبحت حديث المجتمع كله. وهذه بداية الشعور بضرورة تضافر الأسرة مع وزير للقضاء عليها. خاصة أن هناك مجموعات متطورة في المدارس تعطي دروسا إضافية لن يحتاج إليها وتزيد دخل المعلم الذي يسعي إلى الزيادة ويتبقي دور الأسرة من السلبيات أيضا وجود مدارس مكدسة بالتلاميذ وأن كان التكدس فيها يقل الآن بنسبة النصف عما كان عليه منذ خمس سنوات مع استكمال برنامج بناء المدارس ستنتهي هذه المشكلة.
هكذا تأتي الشهادة لمصر من بعثة دولية تدرس تجارب العالم وتعلم أن مصر هي الأولي.
وقبلها جاءت شهادة المؤسسات الدولية بنجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي. وفيكل يوم تأتي شهادة نجاح لسياسات الرئيس مبارك وللمصرين الذين يثقون في قيادته يخلصون في العمل معه.