كان الاهتمام الكبير من الحكومة الألمانية بزيارة شيخ الأزهر إلي ألمانيا دليلا جديدا إلي أهمية الدور المحوري لمصر الذي يشع تأثيره في دوائر سياسية وروحية وثقافية وكان فضيلة الأمام الأكبر خلال الجولة الواسعة التي قام بها نموذجا نادرا جعل كثيرا من كبار المفكرين والأساتذة الألمان يقولون لم نكن نعرف أن الإٍسلام دين ينطوي علي كل هذه القيم الرفيعة والإيجابية ولم يسبق أن التقينا برجل دين له سماحة الدكتور محمد سيد طنطاوي وقدرته علي الإقناع بمنطق بسيط يصل إلي أبسط العقول ويقنع حتي أشد المكابرين عنادا وقال بعضنا بعد أن استمتع إليه الأن استطيع أن أقول أن الإسلام أشرق من جديد في أوروبا وأن السحب الدعائية التي كانت تغطي جوهره قد انقشعت.
كانت الزيارة بدعوة رسمية من الحكومة الألمانية وكان البرنامج حافلا التقي فيه فضيلة الأمام الأكبر بالرئيس الألماني ووزير الخارجية وبعدد من رؤساء البرلمانات والحكام والوزراء في المقاطعات التي زارها كما التقي مع أكبر الأساتذة والعقول في الجامعات ومراكز البحث المتخصصين في الدراسات اللاهوتية والاستشراق ومع المسئولين في المراكز الإٍسلامية وقيادات الكنائس المصرية والألمانية وممثلين عن الجالية المصرية والعربية واشترك في ندوة علمية موضوعها أوروبا والعالم الإسلامي.
في كل هذه اللقاءات كانت هناك موضوعات محورية تشغل الألمان يريدون أن يتعرفوا علي رأي الأمام الأكبر فيها وعلي رأس الاهتمامات التي ظهرت في كل اللقاءات رأي الأزهر في نظرية المفكر الأمريكي صمويل هنتنجتون عن صراع الحضارات علي مدي التاريخ كانت تعيش في صراع إلي أن تقضي حضارة علي أخري فينشأ الصراع مرة خري مع حضارة جديدة وهكذا وبعد أن أنهار الاتحاد السوفيتي وانتهي صراع الحضارة الغريبة معه أصبح الصراع القادم هو صراع الحضارة الغربية مع الإسلام باعتباره قوة صاعدة تسعي إلي فرض وجودها بالعنف و يستطيع الغرب أن يتفادي هذا الصراع.
ويبدو أن المفكرين في ألمانيا بدأوا يشعرون بالقلق ويخشون أن يتحقق صدق هذه النظرية ولذلك بدأت مراكز البحث وأجهزة التفكير تبحث عن الوسائل التي يستطيع الغرب بها أن يتفادى هذا الصراع خاصة وفي ألمانيا أربعة ملايين مسلم معظمهم من الأتراك يعتبرهم البعض قنابل موقوتة لأنه يرفضون الاندماج في المجتمع الألماني ويعيشون في أحياء خاصة بهم ويحتفظون بتقاليدهم ويتحرشون بغيرهم وكما قال أحد كبار المستشرفين الألمان أن ألمانيا عاشت عمرها وهي دولة مسيحية لم تعرف إلا ثقافة وحضارة الغرب المسيحي لكنها الأن ملزمة بالتعامل مع حضارة وثقافة مختلفة ومع عقيدة أخري هي الإسلام ليس لها سابقة تعامل معها من قريب إلي هذا الحد والمشكلة ليست في أن المسلمين يزداد عددهم ويرتفع صوتهم مطالبين بحقوق متساوية مع سائر المواطنين الألمان ولكن المشكلة أن هؤلاء المسلمين يتكاثرون واصبح في ألمانيا إلي بلد مسلم أو علي الأقل أن تصبح دولة مفروضا عليها أن تقبل ازدواج الديانة فيها.
والقضية الثانية التي تشغل المفكرين والساسة الألمان هي الإرهاب وظواهر العنف في العالم الإسلامي وهم يريدون أن يتأكدوا هل هذا العنف والتدمير نابع من طبيعية عقيدة الإسلام وتنفيذا لمبادئ هذا الدين وهل القتل والتخريب هما الوسيلتان المعتمدتان في الإسلام لتحقيق الأهداف النبيلة التي يريدون تحقيقها؟
ويضاف إلي ذلك قضايا أخرى عديدة كان واضحا أن الجميع يريدون أن يعرفوا فيها موقف الإسلام وموقف الأزهر بالذات باعتباره المؤسسة الكبرى التي حفظت الإسلام أكثر من ألف عام باساتذتها وتلاميذها وحرصها علي الفهم المعقول للإسلام.
وكان فضيلة الأمام الأكبر واضحا في مناقشته لنظرية صراع الحضارات وقال أنها مجرد اجتهاد من باحث أمريكي لا ترقي إلي مستوي النظرية لأنها لا تستند إلي حقائق كافية ولكنها قائمة علي انطباعات وأراء سريعة ولو تعمق الباحث لرأي أن الحضارات تتعاون ولا تتصارع ويغذي بعضها بعضا فالحضارة الإسلامية أخذت من الحضارة اليونانية والحضارة الغريبة قامت علي العلوم والأفكار التي أخذتها من الحضارة الإسلامية والصحيح أن يقول أن الحضارات في العصر الحاضر سوف يزداد التعاون بينها مع ازدياد التقدم وتزايد الاتصالات والانتقال والإسلام بالذات ليس دين عنف أو عدوان ولكنه في حقيقته دين تعاون مع كل الناس وكل الأمم وهذا أمر مهم للمسلمين أن يتعاونوا علي البر والتقوي لا علي الإثم والعدوان والله يأمر المسلمين إلا يعتدوا ولا تعتدوا أن الله لا يحب المعتدين ويعلمهم الله أنه سبحانه جعل الناس شعوبا وقبائل ليتعارفوا ولا يمكن عقلا أن يكون هناك دين من عند الله يقوم علي الاعتداء علي الأخرين أو يأمر أنصاره بالعنف أو الظلم.
وكان الاهتمام كبيرا في الدوائر الجامعية والسياسية والصحفية بنظرية الدكتور محمد سيد طنطاوي عن حوار الحضارات أو تعاون الحضارات في مواجهة النظرية الأمريكية الغريبة عن حتمية صراع الحضارات وكان ذلك محور أحاديث الأمام الأكبر في لقاءاته مع رئيس الجمهورية ووزير الخارجية وأساتذة الجامعات والاستشراق.
كما كان حديثه عن سماحة الإسلام موضوع محاورات طويلة فقد أفاض في شرح حقائق ومبادئ الإسلام وبين أن الإسلام يدعو إلي الحرية الإنسانية وإلي العدالة في كل أمور الدنيا لأن الحياة بين الأفراد وبين الدول لا تستقيم إلا إذا قامت علي العدل مع إشارة إلي أهمية السلام في الشرق الأوسط وتأكيد أنه لن يكون سلاما ولن تكون له مقومات الحياة ولن يرضي به الناس إلا إذا قام علي العدل أولا.
وكان فضيلة شيخ الأزهر مقنعا للغاية وهو يتحدث إلي الألمان بأحاديث طويلة عن العقيدة والشريعة وعن الفقه والاجتهاد وعن المعاني التي اختلطت في أذهان الأوروبيين عن الاجتهاد أو الجهاد أو الأصولية وفي النهاية لم يعد هناك من يختلط في ذهنه الإرهاب بالإسلام ولم يعد احد يقول أن أوروبا يجب أن تحذر من الإسلام القريب منها جغرافيا علي الضفة الأخري من البحر الأبيض المتوسط والذي يقتحم عليها أرضا في فرنسا وألمانيا وغيرهما والذى يهدد بتدمير الحضارة الغربية.
كان شيخ الأزهر كما قال أستاذ في اللاهوت رائعا في توضيح حقيقة الإسلام علي أنه دين السماحة الذي يمكن أن يضيف إلي حضارة الغرب من القيم الأخلاقية والروحية ما تحتاج إليه ولا يمكن أن تكون هذه الرسالة السماوية قائمة علي الإرهاب واعتقد أن زيادة شيخ الأزهر لألمانيا تحتاج إلي وقفة وتحليل يفيدنا في رحالة الدفاع عن الإسلام في مواجهة الهجمة الشرسة التي تأتي من مصادر ملعونة يحركها أعداء الإسلام.