يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نيتانياهو يريد أن يأخذ من العرب "الأمن" و"السلام" بالكامل وفوراً، ويعطيهم حقهم في "الأرض" و"السلام" بالتقسيط، وفي كل قسط يقتطع جزءاً من التزامات إسرائيل بحيث يخرج العرب في النهاية بصفقة المغبون.
ويبدو أيضاً أن السيد نيتانياهو قد وضع صيغة جديدة للسلام غير معلنة، ولكن الأفعال تكشف عن بعض جوانبها يوماً بعد يوم.
وجانب من هذه الإستراتيجية الإسرائيلية الجديدة كشفته صحيفة بديعوت أحرونوت الإسرائيلية حين فضحت قيام السلطة الإسرائيلية بحقن الأطفال الفلسطينيين الذين يقذفون الحجارة على قوات الاحتلال الإسرائيلي بفيروس الإيدز، وأن هناك أكثر من 300 طفل فلسطين ظهرت عليهم أعراض المرض ويعانون عذاب آلامه التي لا تطاق، وفي نفس الوقت امتنع المحامون الإسرائيليون عن رفع دعاوي أمام القضاء الإسرائيلي لصالح آباء هؤلاء الأطفال بحجة أن الاتفاقات مع الفلسطينيين تتضمن النص على عدم جواز الطعن أمام القضاء في الجرائم التي ارتكبتها السلطة الإسرائيلية طوال سنوات الاحتلال للأرض الفلسطينية منذ عام 1967.
ولو أن هذا النص – إن كان موجوداً – لا يمنع من اللجوء إلى القضاء لأنه نص باطل و"منعدم" لمخالفته للقانون الدولي ولحقوق الإنسان، إلا أن المشكلة ليست في إمكان أو عدم طلب التعويض، المشكلة إننا أمام سلوك إسرائيلي يستلزم وضعه في حجمه ومكانه الصحيحين سياسياً، والنظر إلى ما سيحدث في الغد وما يمكن أن يصيب العرب جميعاً – وليس الفلسطينيين وحدهم – على المدى الطويل في ظل الاطمئنان العربي، وفتح الحدود، وتبادل السلع، واستيراد مواد غذائية من إسرائيل يأكلها الأطفال والشباب والشيوخ دون تفرقة، مما يستوجب وضع إستراتيجية دفاعية ما دامت إسرائيل تستخدم هذه الأسلحة للقضاء على "الخصوم"!.
وهذه الواقعة بالذات تفرض على المثقفين العرب أن يوصلوا صوتهم إلى المنظمات والهيئات وقادة الرأي في العالم للمطالبة بمحاكمة على غرار محاكمة "نورمبرج" التي حاكمت مجرمي الحرب النازي على ما ارتكبوه من جرائم أثناء الحرب كانت أقل بشاعة مما ترتكبه إسرائيل أثناء السلام.. يضاف إلى ذلك أن عدد الجواسيس الإسرائيليين الذين تم ضبطهم في مصر وحدها وصل إلى سبعة جواسيس، ولا أحد يعرف كيف سيصل العدد بعد ذلك، وكم هناك من جواسيس لم يتم ضبطهم بعد.
ولا ننسى أن إسرائيل أقامت معسكرات اعتقال على غرار معسكرات النازي ملأتها بآلاف من النساء والشبان الفلسطينيين وترفض الإفراج عنهم حتى اليوم رغم أن ذلك منصوص عليه في الاتفاقات ورغم تعدد تصريحات المسئولين الإسرائيليين بقرب الإفراج عن بعضهم بالتدريج.
والقائمة طويلة وآخرها حوادث الطرود المتفجرة التي توجه إلى مكتب جريدة "الحياة" في الولايات المتحدة وبريطانيا، وهي تعيد إلى الذاكرة ما كانت تفعله المنظمات الصهيونية في الأربعينيات لتهديد المسئولين البريطانيين والضغط عليهم للإسراع بفتح باب هجرة اليهود إلى فلسطين دون أي ضوابط، وبدأت بإرسال 8 رسائل متفجرة إلى لندن في 4 يونيو عام 1947، وأعلنت السلطات البريطانية أن نتائج التحقيق أثبتت أن هذه الرسائل كانت "محاولة من جانب الإرهابيين اليهود لتخويف بعض المسئولين في بريطانيا" وفي 5 يونيو 1947 ضبطت سكوتلانديارد رسائل متفجرة إلى لندن في 4 يونيو عام 1947، وأعلنت السلطات البريطانية أن نتائج التحقيق أثبتت أن هذه الرسائل كانت "محاولة من جانب الإرهابيين اليهود لتخويف بعض المسئولين في بريطانيا" وفي 5 يونيو 1947، وأعلنت السلطات البريطانية أن نتائج التحقيق أثبتت أن هذه الرسائل كانت "محاولة من جانب الإرهابيين اليهود لتخويف بعض المسئولين في بريطانيا" وهي تعيد إلى الذاكرة ما كانت تفعله المنظمات الصهيونية في الأربعينيات لتهديد المسئولين البريطانيين والضغط عليهم للإسراع بفتح باب هجرة اليهود إلى فلسطين دون أي ضوابط، وبدأت بإرسال 8 رسائل متفجرة إلى لندن في 4 يونيو 1947، وأعلنت السلطات البريطانية أن نتائج التحقيق أثبتت أن هذه الرسائل كانت "محاولة من جانب الإرهابيين اليهود لتخويف بعض المسئولين في بريطانيا" وفي 5 يونيو 1947 ضبطت سكوتلانديارد رسائل متفجرة أخرى كانت إحداها موجهة إلى وزير الخارجية البريطاني ارنست بيفن، والثانية إلى آرثر جرينوود وزير الدولة، والثالثة إلى انتوني ايدين وكان في ذلك الوقت وزير الخارجية السابق، وفي اليوم التالي 6 يونيو 1947 ضبطت 9 رسائل أخرى متفجرة، وألقى البوليس البلجيكي القبض على يهوديين كانا يحاولان تهريب 6 رسائل متفجرة موجهة إلى شخصيات بريطانية بارزة، ثم تبين بعد ذلك أن الذي قام بصنع المتفجرات في هذه الرسائل كان يعقوب إلياف خبير القنابل في عصابة ستيرن وأعترف لصحيفة "صنداي تايمز" بذلك ونشرت اعترافه يوم 24 سبتمبر 1972 أي بعد مرور 25 عاماً، وكان إسحق شامير أحد ثلاثي قيادة شتيرن. وهذه المعلومات وغيرها موثقة بتواريخ النشر والمصادر في كتاب الباحث المعروف وليد الخالدي المنشور في لندن عام 1992 بعنوان "فلسطين: ميلاد جديد"، الذي أشارت إليه صحيفة "الحياة" ذاتها، وتعيد هذه الواقعة إلى الذاكرة أحداث فضيحة لافون التي دبرها مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في الخمسينيات لإساءة العلاقة بين مصر والولايات المتحدة بتوجيه رسائل متفجرة إلى السفارة الأمريكية وحرق المكتبة الثقافية الأمريكية، وتكشفت أسرار الفضيحة كاملة بعد ذلك، ولكن محاولات إغلاق الملفات وإدعاء الحاجة إلى فتح صفحة جديدة أسدلت الستار عليها ظناً بأن الذاكرة العربية المشهورة بالضعف يمكن أن تنساها ضمن أشياء وحقائق كثيرة نسبتها.
ولماذا نستبعد أن يكون انفجار الأتوبيس في قلب دمشق، وانفجار سيارتي أتوبيس في تل أبيب، وقد تم ترتيبهما بحيث لا يصاب أحد من الإسرائيليين فيهما وتلصق التهمة بالفلسطينيين "الإرهابيين" وحدهم..
وقد تكون الإستراتيجية الإسرائيلية الجديدة هي إقامة "السلام في ظل الرعب العربي" بحيث تحصل إسرائيل على مطلبها في "الأمن" وتقدم للعرب في المقابل "انعدام الأمن" والحياة في قلق وتوتر دون أن يكون الفاعل ظاهراً.
ونحن نستمع بكل احترام إلى الذين يرون أن نبات إسرائيل طيبة، وأن حسن النية ينعكس في تصريحات القادة وأولهم نيتانياهو الذي يعلن كل يوم أنه يسعى إلى السلام، ونستمع أيضاً من نيتانياهو إلى تصريحات بأن التوسع في إقامة المستوطنات سوف يستمر، وأنه لا تفاوض على القدس. وإن إخلال الخليل وتسليمها إلى السلطة الفلسطينية مستحيل لأن فيها 200 إسرائيلي لهم الحق في المدينة ومن أجلهم تبقى قوات الاحتلال الإسرائيلية في المدينة ولها الحق في التدخل في أي وقت، ونقرأ فلسفة نيتانياهو وعقيدته التي سجلها في كتابه الشهير "مكان بين الأمم" ويقول فيه أن القوة هي حجر الزاوية، ويجب على الشعب اليهودي أن يرفض الادعاء العقيم الذي يردده اليسار الإسرائيلي إذا تنازلت إسرائيل عن أجزاء ذات أهمية في جدارها الواقي فإنها ستكسب قوة أخلاقية تضمن لها تأييداً من الدول الكبرى، إذ أن الضعف لا يكسب شيئاً، وأن التنازل سيكون سبباً في عدم اكتراث العالم بإسرائيل، الفكر الجديد الذي جاء به نيتانياهو هو أن الصلة بين الأخلاق والسياسة وهم لا يستمسك به إلا الضعفاء، وإن الاستسلام لفكرة "الحقوق" والقانون هي بداية النهاية لإسرائيل، وأن القوة، ولا شيء غير القوة هي التي تعبر عن "روح إسرائيل"..وأن القوة، ولا شيء غير القوة، هي التي تعبر عن "روح إسرائيل".. وأن القوة هي التي تضمن استمرار الدعم الأمريكي والعالمي لإسرائيل بصرف النظر عن الحقوق والأخلاق، وحين تصبح إسرائيل قوة عسكرية وقوة اقتصادية عظمى سيطلب الجميع ودها مثلما حدث لتايوان وكوريا وكان سبب نجاحهما في التغلب على العزلة السياسية القوة الاقتصادية.
ثم يكشف نيتانياهو عن بعد آخر في إستراتيجية هي رفض الحقوق العربية، لأنه "لن تتوقف مطالب العرب من إسرائيل إذا تركت الضفة وغزة مثلما لم تتوقف المطالبة بعد إخلاء سيناء إذا أعطيناهم المناطق التي احتلتها إسرائيل في 1967 سيطالبون بالقدس الشرقية، وبحق العودة، وباستقلال عرب الجليل والنقب وما شابه ذلك..سلسلة لا تنتهي من الطلبات التي ستعرض إسرائيل لخطر فادح، وسنضطر أخيراً لدفع هذا الخطر باللجوء إلى الدفاع عن وجودها، وأن العالم الذي اعتاد رؤية إسرائيل معتدية سيصفق لها على كل انسحاب من المناطق التي يطلبها العرب، ولكن لابد أن يأتي يوم تقرر فيه إسرائيل رسم خط لا تستطيع الانسحاب منه ستتوقف صيحات التأييد.
ويتساءل نيتانياهو: الإدعاء بن التغيير في العالم جعل الأعداء أصدقاء فلماذا يجب أن تبقى إسرائيل بالذات ظاهرة شاذة، إذن فلنفتح الأبواب، ونعانق أعداءنا ونعيش معاً بهدوء وسعادة من الآن وإلى الأبد.. ولكن هذا الادعاء لا يستطيع أن يثبت أن سقوط نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا والتغيير في مناطق كثيرة من العالم يعني إمكان حدوث ذلك في الشرق الأوسط.
ليس بعد ذلك إيضاح: يتغير العالم.. تسقط الأنظمة العنصرية.. أما إسرائيل فستبقى كما هي..
هذا الفكر مع ما يعلنه نيتانياهو عن رغبته في تحقيق السلام، يعني أن إسرائيل أصبحت لديها صيغة جديدة للسلام بينما العرب مازالوا على نفس الصيغة القديمة، ونحن الآن أمام مفهومين للسلام مختلفين، بل متعارضين ومتناقضين.. ولا يمكن أن يتحقق السلام في ظل هذا التناقض، فإما أن تغير إسرائيل هذا المفهوم للسلام، وإما أن يغير العرب مفهومهم ليسير الطرفان بوضوح على سياسات واحدة.. وإلا فكيف يمكن أن يكون حال ومستقبل السلام القادم..؟