كيف يفكر نيتانياهو

لا نستطيع أن نفهم عقلية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو دون أن نقرأ كتابه المهم "مكان بين الأمم: إسرائيل والعالم، ومنه نستطيع أن نرى كيف يفكر الرجل الذي يقود بلاده الآن في وقت دقيق، ونعرف لماذا جعل عملية السلام تتوقف وتتدخل في طريق مسدود.


مناورات نيتانياهو وأساليبه في الخداع والمراوغة والكذب تبدو واضحة في هذا الكتاب، فهو يشرح بالتفصيل كيف يمكن قلب الحقائق وتزوير التاريخ، والدفاع عن الباطل بثقة وإيمان تدعو الجميع إلى تصديقه.. وهو يسخر ممن يقولون أن للشعب الفلسطيني حقوقاً في "أرض إسرائيل".. ويستهين بمن يرددون أن إسرائيل تمارس الظلم على الفلسطينيين بسيطرتها على شعب آخر واحتلال أرضه، ويؤكد سذاجة القائلين بأن السلام يمكن تحقيقه بانتهاء الاحتلال الإسرائيلي الأراضي العربي أو حتى بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، وهو يخصص صفحات الكتاب للادعاء بأن هذه الأفكار ليست إلا من قبيل الدعايات والأكاذيب العربية، ويوجه الاتهامات التي تصل إلى الاتهام بالخيانة لليهود الذين يبدون تفهماً للمطالب العربية ويرى إنهم يمثلون حركات يسارية متطرفة تحقد بشدة على الصهيونية وأهدافها.. وهو يردد إيمانه بأن تقدم الحركة الصهيونية يتوقف على قمع العرب الذين يطلب عليهم اسم الشعب الفلسطيني ويحذر من أن تريد الادعاءات العربية في العودة إلى حدود 67 وإعطاء حقوق لما يسمى الشعب الفلسطيني ويحذر من أن ترديد الادعاءات العربية في العودة إلى حدود 67 بما فيها هضبة الجولان التي لا يوجد فيها عرب تقريباً "!".


..وهو يظهر مدى عمق إيمانه  "بالحق اليهودي التاريخي" في الضفة الغربية، وأن بقاءها مرتبطة بقلب أرض إسرائيل يمثل مبدأ أيديولوجياً وأمراً إلهياً لدى قسم كبير من الجمهور الإسرائيلي.. وهو يهاجم اتفاق أوسلو والانسحاب من غزو وأريحا، ويعارض الذين قالوا إن غزة ليست ذات قيمة أمنية أو تاريخية بل هي عبء ومصدر للإزعاج لإسرائيل، ويشير إلى خطورة ذلك على أمن ومستقبل إسرائيل لأن فيه قبولاً بتسليم مناطق إستراتيجية في وسط البلاد وشمالها لسيادة عربية، وفيه أيضاً تهاون بالرابطة "الوطنية" العميقة مع هذه "الأجزاء" من البلاد، التي تشكل "قلب الوطن اليهودي" واستهانة بمطلب الاستيطان اليهودي الواسع في هذه المناطق.


ونيتانياهو يدعو في هذا الكتاب إلى رفض المحاولات التي تغرس الشعور بالذنب في نفوس اليهود نتيجة اغتصاب أراضي الغير، ويطالب بإزالة هذه الآثار النفسية، التي تسعى إلى خداع اليهود وإقناعهم بأن قضية العرب عادلة تاريخياً وأخلاقياً وتقوض الإيمان بعدالة قضية اليهود وينبه إلى أن تنازل دولة إسرائيل عن المبادئ الصهيونية التوسعية يعتبر تنازلاً عن مصدر حياتها، ويمثل بداية الذبول اللحن اليهودي.. فليس صحيحاً الافتراض القائل بأنه يمكن إصلاح الظلم الذي لحق بالعرب عن طريق إعادة الضفة الغربية إلى حكم العرب، "إذا لم يكن هنالك حق لليهود في الاستيطان في الخليل وفي بيت لحم، فلن يكون لهم الحق في البقاء في حيفا ويافا! وأن من شأن التنازل عن الضفة الغربية تعزيز المطالبة العربية بالجليل والنقب ومناطق أخرى في دولة إسرائيل، وهو يرفض تماماً تسليم الأرض الفلسطينية للفلسطينيين بزعم أن هذا "تسليم لهذه المناطق إلى قوى الإرهاب والإسلام الأصولي، وأن الاستمرار في تطبيق اتفاق أوسلو سيؤدي حتماً إلى تطويق إسرائيل بحزام من قواعد الإرهاب الإسلامي هدفها الوحيد القضاء على دولة إسرائيل.. في هذا الكتاب يخصص نيتانياهو صفحات عديدة لتنفيذ "الدعاية العربية" التي تدعي أن للعرب حقوقاً في أرض إسرائيل، ويعرض "النظرية الصحيحة" وهي حق الحركة الصهيونية في كل "أرض إسرائيل"، ويعرض ما يسميه نظرية سياسية وأمنه ملخصها أن بقاء دولة إسرائيل وتحقيق سلام حقيقي مع جيرانها رهن بأمرين.. الاستيلاء على الأرض وعدم "التفريط" فيها واستخدام القوة لإجبار العرب على قبول النظرية الإسرائيلية.. وهو يخصص فصلاً يسميه "مسألة القوة اليهودية" يشرح فيه مفهومه عن القوة.. وهي القوة الشاملة.. القوة العسكرية والاقتصادية، ولكن الأهم منهما القوة السياسية والقدرة على الاقتناع وإقناع العالم بعدالة قضية إسرائيل في اغتصاب أراضي العرب وتشريد الفلسطينيين والقضاء عليهم، وممارسة الضغوط عليهم بكل قوة لإجبارهم على الرحيل لأن هذه أرض إسرائيل ولا تحتمل أن تعيش عليها أمتان في وقت واحد، وينادي بضرورة أن يمارس الإسرائيليون الضغوط وتعبئة القوة لتحقيق أهدافهم وهذا – في نظره – جزء طبيعي وحتمي من الصراع المستمر من أجل البقاء.


ونيتانياهو يدعو اليهود إلى الثقة في أن النزاعات السياسية والدينية في الشرق الأوسط لن تنتهي في المستقبل المنظور إلا إذا قبلنا فكرة أن نهاية التاريخ تقف على الأبواب، وأن عهد عودة المسيح تقترب، وإنه من السذاجة تصديق أن العرب يريدون السلام، ويحذر نيتانياهو من رغبة بعض اليهود في رؤية نيتانياهو من رغبة بعض اليهود في رؤية نهاية الصراع بسرعة ويتصورون إمكان تحقيق حالة السلام التي تنبأ بها الأنبياء في آخر الزمان، وينتهي إلى أن هذا الأسلوب غير سياسي، وغير واقعي، وخطير، وهي في النهاية نظرية خيالية، وكأننا نعيش في الغرب الأمريكي وليس في الشرق الأوسط..


هكذا يفكر نيتانياهو، وهذا هو مكنون عقله كما عرضه في كتاب كبير مدعم بالأكاذيب والغطرسة والقدرة الفائقة على تحدي الحقيقة.


ولكي نتعامل مع نيتانياهو لابد أن نقرأ هذا الكتاب، بدقة لنعرف أن هذا رجل لا يؤمن بالسلام ولا يريده.. وإيمانه الأقوى بقدرة الكذب والتبجح على الانتصار على الحق والعدل.. وهو لا يؤمن بشيء اسمه الشرعية.. الشرعية الوحيدة التي يتحدث عنها هي شرعية القوة.


ولابد أن نعيد النظر في أساليب التعامل مع مثل هذه العقلية التي تعيش خارج التاريخ.


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف