في كل مناسبة تتاح فيها الفرصة لعرض حقائق الإسلام أمام غير المسلمين في الغرب نستمع إلى الشكوى من عدم وجود مراجع كافية عن الإسلام ..هناك بالطبع مئات الدراسات والكتب من تأليف المستشرقين، بعضهم منصف ومحايد وبعضهم يتناول الإسلام من موقع العداء والخصومة، وفريق ثالث يدعي البراءة والحياد ويتسلل بأفكاره العدائية بهدوء ويدس السم في العسل.. وهناك بعض الجهود التي تبذل من هيئات إسلامية، ولكنها جهود مبعثرة.. وقليلة.. ومعظمها موجه إلى المسلمين ويفترض معرف وثقة القراء ابتداء.. ولا يخاطب غير المسلمين ممن لا يعرفون وبالتالي يتشككون فيما نعتبره نحن من المسلمات.
ومن الغريب أن الكتب والدراسات تصدرها الهيئات الإسلامية باللغة العربية، ونادراً ما تصدر كتب بلغات أجنبية وبمنهج يتفق مع عقلية أصحاب هذه اللغات.. وقد لمست ذلك بنفسي – حين أتيحت لي جول مع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر في زيارته للولايات المتحدة، وكل من استمع إليه من الأمريكيين كان يطلب في النهاية قائمة بالكتب التي يمكنه الرجوع إليها، خاصة أن الإمام الأكبر في كل مناسبة يقول: إن الغربيين يأخذون معلوماتهم عن الإسلام عن غير المسلمين ومن مصادر غير صحيحة، وإذا أردتم أن تعرفوا الإسلام على حقيقته فأرجعوا إلى المصادر الصحيحة..
وهناك جهود كبيرة يقوم بها باحثون مسلمون لعرض الإسلام برؤية عصرية تبين أنه بالفعل دين صالح لكل زمان ومكان، وأنه الدين الذي يضمن العدالة والحرية والتقدم للإنسان الفرد، وللمجتمعات، وللبشرية كلها، ولكن هذه الكتب تظل حبيسة اللغة العربية لا تتاح فرصة فهم ما فيها إلا لمن يجيد اللغة العربية.. وهذا تقصير كبير من جانب كل هيئات الدعوة الإسلامية.. وأعتقد أنه أن الأوان لإنشاء هيئة إسلامية لترجمة الكتب والمراجع القديمة والحديثة التي تمثل الأساس السليم لفهم حقائق الإسلام بعيداً عن الدعايات المؤيدة والمعارضة.
وبعيداً عن التحيز مع أو ضد الإسلام.
وأعتقد أن أهم كتاب صدر في الفترة الأخيرة في هذا المجال هو كتاب "عالمية الإسلام" للكاتب والمفكر الكبير الدكتور شوقي ضيف، رئيس مجمع اللغة العربية، والأستاذ الذي تتلمذ عليه مئات الأساتذة والباحثين، وفي هذا الكتاب شرح بسيط.. وواضح.. ومختصر.. لروح وجوهر الإسلام يكشف عن حقيقة هذا الدين، وهو أنه الدين الذي يملك الحلول الصحيحة لمشكلات البشرية في هذا العصر.. وأنه الدين الذي يتفق مع درجة التطور التي بلغتها البشرية ويساعد على دفعها نحو مزيد من التطور.
في هذا الكتاب يناقش الدكتور شوقي ضيف الأسس التي يقوم عليها الإسلام كدين مؤسس لحضارة خصبة سادت العالم في فترات مزدهرة من التاريخ، ثم انتكس بفعل عوامل خارجية أبرزها الاستعمار.. وأهم هذه الأسس:
* الحرية الدينية: فالإسلام هو الدين الذي لا يقوم على الإكراه أو القهر أو العنف، وحرية العقيدة في ظله مكفولة لكل أصحاب العقائد والديانات والملل سواء كانت سماوية أو غير سماوية.. ولذلك فإن الإسلام هو الدين الوحيد الذي عاش في أرضه كل أصحاب الملل وتكفل المجتمع الإسلامي كله بحماية عقائد ومعابد وأموال غير المسلمين، وكفل لهم إنشاء محاكم خاصة، وأسماهم الإسلام "أهل الذمة" إشارة إلى إنهم في ذمة الإسلام وحمايته.. وبعض الباحثين الغربيين يتصورون أن هذه التسمية تتضمن التقليل من شأنهم بينما الحقيقة أنها تعني مسئولية الدولة الإسلامية عن غير المسلمين والتزامها بتوفير الأمن وضمانات الحماية لأموالهم وأعرافهم وكل ما يخص عقائدهم، ويشير الدكتور شوقي ضيف إلى التعايش المادي بين المسلمين وغير المسلمين في المجتمع الإسلامي القديم والحديث عن الزراعة والتجارة والصناعة، وفي الفكر والثقافة، وفي الحياة الاجتماعية، وهو دور حضاري يمكن أن يكتب فيه الغربيون مجلدات!.
* احترام العقل: فالأساس في الإيمان بالإسلام هو العقل، ولذلك لم يؤيده الله بمعجزات مادية حسية مثل الديانات السماوية السابقة.. وهو دين يرفض الخرافة وكل ما يتعارض مع العقل.
* والإسلام دين يرتبط بالعلم.. لا يعاديه ولا يعارضه كما يظن ويروج الجاهلون والمغرضون.. والقرآن فيه إشارات تلفت إلى العلوم الطبيعية والطبية والفلكية ودعوة للبحث فيها واكتشاف ما خفي منها.. ولأن المسلمين الأوائل فهموا هذه الإشارات فقد توسعوا في نقل كل العلوم والفلسفة والتراث الفارسي والهندي واليوناني.. وأنشأ المسلمون مكتبات عامة ليس لها مثيل.. وأنشأوا الجامعات والمدارس والمعامل.. وظهر فيهم علماء أضافوا الكثير من الاكتشافات والاختراعات تمتلئ بها كتب التاريخ ويعترف بها علماء الغرب.. وإن كان بعضهم قد تأثر بالخصومة التي حدثت بين العلم والكنيسة في القرن الـ16 والـ17 فظن إنها تكررت في الإسلام.
والإسلام يجعل للمرأة مكانة لا تقل عن مكانة الرجل..
شاركت المرأة في النهضة العلمية والاجتماعية..
* الإسلام يحمي العدل الاجتماعي ويقدم الحل الواقعي لمشكلة الفقر.
* والإسلام يرفض فكرة وجود وساطة أو وسطاء بين الله والبشر.. فالعلاقة مباشرة.. وإيمان الناس أو كفرهم.. واختلافهم في اعتناق أديان شتى.. كل ذلك ليس من شأن البشر.. وليس لإنسان أن يحكم أو يحاكم إنساناً آخر على عقيدته.. والله وحده هو الذي يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون.
ومن هنا كان الإسلام – بحق – دين التسامح إلى الحد الذي يفسح في المجتمع الإسلامي مكاناً للوثنيين أيضاً ويكفي فهم الآية: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون".. وهل يوجد تسامح مثل هذا التسامح..؟ إن الله يطلب من المسلمين أن يتسامحوا مع المشركين بحيث يتصدقون على فقرائهم كما يتصدقون على فقراء المسلمين.
ليس هدفي أن أعرض الكتاب بالتفصيل، وهو يستحق ذلك بالفعل.. ولكن هدفي أن أقول: إن مثل هذا الكتاب يجب أن يكون في يد كل شاب وشابة في مصر والعالم العربي والإسلامي.. ويجب أن يترجم إلى كل اللغات..
هدفي أن أقول: إن الدفاع عن الإسلام يجب أن يكون بعمل إيجابي وفي الاتجاه الصحيح.