الإسلام .. والمثقفون في الهند

في زيارة الإمام الأكبر شيخ الأزهر للهند، حرص عدد كبير من المثقفين والكتاب وأساتذة الجامعات والسفراء والمسئولين عن مراكز البحوث على الالتقاء به في حوار استمر أكثر من ثلاث ساعات في نيودلهي، قاده حفيد المهاتما غاندي راجموهان غاندي مدير مركز الدراسات والبحوث في العاصمة الهندية، والدكتور سلمان خورشيد حفيد المفكر والقائد الإسلامي الهندي المعروف ذاكر حسين، ودار الحوار صريحاً، حو القيم التي يمكن أن يقدمها الإسلام للعالم، في ظل التطورات العلمية وثورة التكنولوجيا والمعلومات، واتجاه الإنسانية إلى عالم جديد مع القرن الحادي والعشرين..


كانت القضية التي طرحها راجموهان غاندي أن القرن القادم يختلف عن كل العصور السابقة، سيكون العالم فيه عالماً جديداً في تقدمه العلمي.. في الطب والفضاء والكمبيوتر واستخدام الإنسان الآلي.


وسف تنتهي فيه بقايا العنصرية والاستعمار، وشيخ الأزهر – كما يعرفه العالم – قيادة روحية مؤثرة، ومفكر عالمي له مواقفه ورؤيته المتفتحة، كيف ينظر إلى هذا العالم الجديد، وكيف يقوم الإسلام في ظل هذه التطورات الجذرية التي ستؤدي إلى تغيير الأفكار وسقوط مسلمات وظهور مسلمات جديدة..


هذا السؤال على بساطته يعكس اتجاه كثير من المثقفين في العالم، يرى بعضهم أن الأديان يجب أن تقدم في صورة جديدة تناسب عقول القرن القادم، وهي عقول لا تقبل فكرة إلا إذا كان مقبولاً في ميزان العقل والمنطق، ومتفقاً مع حقائق ونتائج العلم الحديث، ويرى بعضهم الآخر – بالتلميح عادة – الإسلام مازال يقدم بنفس الأسلوب الذي كان يقدم فيه منذ قرون، وبنفس المنطق، دون تطوير.


ولقد كان شيخ الأزهر مقنعاً – كعادته – في إجابته، بأن تقارب المثقفين وأصحاب الفكر مهما اختلفت أديانهم وثقافاتهم ضروري في هذه المرحلة لمصلحة تطور البشرية والحضارة لكيلا يكون التقدم في القرن القادم تقدماً مادياً فقط، لأن البشرية ستظل محتاجة إلى إشباع الجانب الروحي، وستظل تتطلع إلى خالق هذا الكون ومعجزاته، وكلما ازداد الناس علماً ومعرفة بأسرار الكون ازدادوا إيماناً .. والعلم لا وطن له.. والأزهر يؤمن بالتطور وبأهمية ما تحققه البشرية من إنجازات في ميادين العلم والصناعة المختلفة، وكانت مفاجأة للمثقفين أن يستمعوا من فضيلته إلى عشرات الآيات من القرآن الكريم تدعو إلى العلم، وإلى التفكير، وإلى استخدام العقل والمنطق، كما كانت مفاجأة لهم أن يسمعوا من فضيلته شرحاً لدور الحضارة الإسلامية في تقدم العلوم، فكان من علماء المسلمين من قدم للبشرية إضافات ذات أهمية بالغة في تقدم الطب والفلك والتشريح والرياضيات .. وهكذا فالإسلام ليس ديناً جامداً، وهو – كدين- فيه ثوابت تمثل العقيدة المتصلة بالإيمان بالله وكتبه ورسله وبالآخرة، وتمثل أيضاً القيم التي هي جوهر الإسلام.. العدل..الصدق.. الأمانة .. نجدة المظلوم ومحاربة الظالم .. العلم .. هذه القيم لا تتغير .. أما شئون الدنيا فإن الإسلام لا يفرض عليها إلا أن تكون منضبطة بمعايير الأخلاق والقيم، وكل تطور يحقق مصلحة للناس فإن الإسلام يرحب به.. والإسلام ضد كل تطور يؤدي إلى نشر الحروب والخراب..


وكانت مفاجأة أيضاً حين سأل رئيس جامعة إليجار، هل من الممكن بحث فتح باب الاجتهاد، وكانت إجابة الإمام الأكبر أن باب الاجتهاد في الإسلام لم يغلق أبداً حتى تفكر في إعادة فتحه، وسيظل باب الاجتهاد مفتوحاً إلى يوم القيامة، لأن تطور الحياة المادية والاجتماعيات يطرح قضايا ومشاكل وأسئلة جديدة، فإذا أغلقنا عقولنا نكون السبب في ظهور تصادم بين الدين والحياة، ولكن الاجتهاد محصور في الأمور الفرعية، أركان الإسلام لا اجتهاد فيها، ولكن تنظيم الأسرة، أو المعاملات المالية الحديثة، أو نقل الأعضاء البشرية لإنقاذ من يشرفون على الهلاك بدونها.. مثل هذه الأمور هي التي يكون فيها الاجتهاد، وهي أمور لم يعرفها الأئمة الأربعة، كما ستجد أمور أخرى مع تقدم البشرية في العصور القادمة، وعلى علماء الشريعة والفقه في كل عصر أن يجتهدوا، والشرط الوحيد هو أن يكون الاجتهاد في الفروع التي يجوز فيها الاجتهاد، وأن يكون من يتصدى للاجتهاد ممن تتوافر فيهم شروط الاجتهاد، وهذا أمر طبيعي في عصر يؤمن بالتخصص.


ودار الحوار هكذا.. سألوا شيخ الأزهر هل يعارض الإسلام المساواة بين الرجل والمرأة في التعليم والعمل والحقوق السياسية، هل ينظر الإسلام إلى المرأة على أنها مخلوق أدنى ليست له إرادة،وليست له حقوق، وهل يرفض الإسلام الحوار مع غيره من الأديان والحضارات، وهل يدعو الإسلام أتباعه إلى قتل من يخالفهم في الرأي والعقيدة، وهل وسيلته في تغيير المجتمع بالديمقراطية أم بالعنف والقوة، وما هو معنى القول بأن الإسلام دين ودنيا، وما هي علاقة المسلم بغير المسلم في شريعة الإسلام..وهل دعوة الإسلام إلى التواضع أن يكون المسلمون في آخر الصفوف في هذا العالم، وأن تكون دعوته إلى القناعة دعوة إلى الاستسلام للفقر، ودعوته إلى السلام قبولاً بما يفرضه الأقوياء والاستسلام لهم..


أسئلة كثيرة تليق بهذا الحشد الكبير، الذي كان يمثل صفوة المثقفين المسلمين والهندوس والبوذيين، من حيث الديانة، كما كان يمثل اليسار واليمين في الاتجاه الفكري، وكلها كانت تدور في إطار رغبة حقيقية في المعرفة، وانتهى بتعبير الجميع عن تقديرهم لشيخ الأزهر في قدرته على شرح أفكاره بوضوح ومنطقية تصل إلى العقول، ورحابة صدره إذ لم يبد ضيقاً بأي سؤال، وبطرحه العقلاني للإسلام..


هذا الحوار – على أهميته – يلزمنا بأن نفكر: لماذا قصرنا في عرض الإسلام في مختلف أنحاء العالم بالأسلوب وباللغة التي يفهمها العالم.. نحن في عصر حوار الحضارات وحوار الأديان.. وفي الفاتيكان إدارة ضخمة لحوار الأديان يرأسها كاردينال مشهور حاصل على الدكتوراه أكثر من مرة ويجيد عدة لغات، وفي كل جامعات العالم تقريباً أقسام للدراسات الإسلامية تحتاج إلى تزويدها بالأبحاث والمراجع الحديثة.. كل ذلك يجعل واجبنا الآن أن ندعم الأزهر لهذه المهمة العالمية:


أولاً: نحتاج إلى مشروع كبير لترجمة أمهات الكتب الإسلامية إلى اللغات المختلفة.


ثانياً: نحتاج إلى جهاز ينظم ويدير ويعد للقاءات حوار مع الأديان المختلفة لعرض حقائق الإسلام ضد الأباطيل التي تروج ضده، ولتحديد نقاط الاتفاق بين الديانات المختلفة..


ثالثاً: نحتاج إلى إعداد كوادر للاشتراك في هذا الحوار العالمي بالمنطق الذي يتفق مع طبيعة العقل الغربي وباللغة التي يفهمها..


إننا نعد الدعاة لعرض الإسلام على المسلمين .. بينما يتطلع غير المسلمين إلينا لكي يفهموا عنا الإسلام.. ونحن نقول لهم إن عليهم أن يعرفوا الإسلام من مصادره الأصلية.. فماذا فعلنا نحن وماذا نفعل حين يأتوا إلينا ليعرفوا أن أكبر مؤسسة معبرة عن الإسلام في العالم هي الأزهر..؟

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف