ما الجـــديد... ؟

كان رد الفعل الشعبي في العالم العربي أكبر مما يجب لمجئ بنيامين نينانياهو رئيساً للوزراء وانحياز الشعب الإسرائيلي إلى اليمين المتطرف المعادي للعرب ممثلاً في الليكود، لاشك أن الرأي العام العربي على حق ي اعتبار التغيير السياسي في إسرائيل خطوة إلى الوراء ولكن ليس إلى الحد الذي عبر عنه البعض بأن عودة الليكود "زلزال" سياسي في المنطقة، أو أنه "انقلاب سياسي" في إسرائيل على سياسة السلام.


هناك علامات يمكن أن تؤدي بنا إلى الوصول إلى إدراك ما حدث بحجمه الصحيح لكي يكون الانزعاج والتشاؤم في الجانب العربي بالقدر الذي يتناسب مع الحقائق..لا أكثر.. ولا أقل.


أولاً: إن الوضع السياسي في إسرائيل يسمح بانتقال السلطة، وقد تم تداول السلطة بين العمل والليكود أكثر من مرة، بل وحدث أن اقتسم العمل والليكود فترة الحكم فيما بينهما..


ثانياً: أن الفوارق بين العمل والليكود ليست جوهرية، كلاهما يرفض إعادة القدس ويدعي أنها ستظل عاصمة إسرائيل، وكلاهما يرفض إقامة الدولة الفلسطينية أو السماح بوضع يمكن أن يؤدي على المدى الطويلة لإقامة هذه الدولة، وكلاهما يضع إستراتيجية مستوحاة من أساطير التوراة وخيالات الماضي وأوهام القوة والسيطرة والانفراد بقيادة المنطقة، على أن تكون إسرائيل في المستقبل هي القيادة والسيطرة، ويكون للعرب ما هو دون ذلك.. والتصورات الإسرائيلية ليست خافية ولا سرية.. دعك من بروتوكولات حكماء صهيون والتلمود والخطط السرية للمنظمة الصهيونية العالمية، ويكفي إعادة قراءة البرنامج الانتخابي لكل من بيريس ونيتانياهو في الانتخابات الأخيرة، وكتابيهما الشهيرين عن الوضع المستقبلي لإسرائيل، لتدرك أن الفارق ليس كبيراً كما يتصور البعض.


ثالثاً: أن حزب العمل هو الذي أسس إسرائيل، وهو الذي شكل العصابات الإرهابي التي قتلت العرب وأقامت المذابح لهم وحروب إسرائيل شنها على العرب حزب العمل.


رابعاً: أن عملي السلام بدأت والليكود في الحكم ومهما تكن بشاعة أفكار ومواقف نيتانياهو فلن تكون أبشع من بيجين وشامير، وقد وقعت اتفاقات السلام في هذا العهد وتم تنفيذها.. حقيقة إنها نفذت على الطريقة اليهودية.. ولكنها في النهاية نفذت..!


خامساً: إن فكرة وجود حمائم وصقور في إسرائيل هي نوع من الوهم، أو وهم تصنيف من الكتب وليس من الواقع، فليس لمجرد أن حديث بيريس عن السلام أكثر وحديث نيتانياهو عن القوة والاحتلال أكثر يكون هذا من الحمائم وذاك من الصقور، لأن حكم الحمائم هو الذي شهد مجزرة الحرم الشريف، واعتقال الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ الفلسطينيين، وهدم البيوت الفلسطينية، وحصار الفلسطينيين في مناطق ضيقة والتضييق عليهم إلى حد التجويع، والخشونة في معاملة رئيس السلطة الفلسطينية، وإغلاق الجامعات والمدارس العربية لتضييع فرصة التعليم على الشباب العربي، وعمليات الموساد القذرة بالقتل والاغتيال، وأخيراً بمذبحة قانا التي تضمنت عدواناً على الأمم المتحدة، لا يجرؤ عليه إلا خارج على القانون مستهتر بالشرعية الدولية، وعدواناً على القيم الإنسانية بقتل المدنيين بالجملة عمداً ومع سبق الإصرار، فضلاً عن العدوان على الأرض العربية اللبنانية بالتحدي الذي تمت به.. وكل هذا فعله حزب العمل وبأوامر من مباشرة من حمامة السلام شمعون بيريس.. فماذا يمكن أن يفعل نيتانياهو أكثر من ذلك.


سادساً: إن الدهشة لا مبرر لها من الانحياز الأمريكي لإسرائيل، وتلبية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون لكل ما تطلبه إسرائيل وأكثر حتى أطلق عليه بيريس اسم "الولد المؤدب المطيع لإسرائيل".. فهذا الموقف معلن قبل مجئ المستر كلينتون، وقد جاء إلى السلطة بناء على برنامج معلن ألتزم فيه صراحة بالانحياز لإسرائيل، وأعلن فيه صراحة أن إدارة بوش أضرت ضرراً بالغاً بعلاقات أمريكا بإسرائيل وأخطأت حين مارست الضغط عليها لتقديم تنازلا في عملية السلام، وتجاهلت المقاطعة الاقتصادية العربية لإسرائيل، ورفضت طلب إسرائيل الحصول على مساعدة كبيرة لتوطين المهاجرين اليهود، وباعت أسلحة للعرب، وقال كلينتون من قبل أن يكون رئيساً: "ليست هذه هي الطريقة التي يعامل بها صديق دائم، وديمقراطية مستقرة"..وتعهد بإعطاء مساعدات مالية لإسرائيل.. وقد فعل..


وفي البرنامج الانتخابي للفترة الأولى، وللفترة الثانية أيضاً التزام بأن "القدس هي عاصمة دولة إسرائيل"، ولابد أن تبقى مدينة غير مقسمة، مفتوحة للناس من مختلف الأديان..". أما الفلسطينيون فقد قال عنهم بصراحة كاملة: لهم الحق في المشاركة في تقرير مصيرهم، وليس لهم الحق في إنشاء دولة فلسطينية مستقلة.. وذلك "فإننا نعارض إنشاء دولة فلسطينية".


فكر كلينتون واضح.. فهو يقول: "للولايات المتحدة مصلحة حيوية ليس في أمن إسرائيل فقط، بل أيضاً في التعاون الإستراتيجي بين بلدينا في المنطقة، وستعمل إدارتنا على تخزين المعدات العسكرية في إسرائيل، وتعزز التعاون في مجال الإمداد والتموين، ونؤيد احتفاظ إسرائيل بتفوق عسكري نوعي على أي اتحاد محتمل بين خصومها العرب، ونقدر الضربة الجراحية التي قامت بها ضد المفاعل النووي العراقي عام 191.. وأعظم موارد إسرائيل يتمثل في نبوغ شعبها، وقد استفادت أمريكا دائماً من هذا النبوغ، ولذلك يجب أن تعمل لجنة مشتركة أمريكية إسرائيلية للتكنولوجيا الراقية لتعمل في مجال البحث والتطوير لتكنولوجيا القرن الحادي والعشرين.


ما الجديد الذي جاءت به الانتخابات الإسرائيلية..؟


كل ما في الأمر أن نيتانياهو يتحدث بصراحة تقترب من الوقاحة.. وبيريس كان يتحدث بلغة دبلوماسية مراوغة .. هذا يعمل بوجه مكشوف.. والآخر يرتدي الأقنعة.


وكلاهما لم ولن يقدم أي تنازل إلا بالقدر الذي يجد نفسه مضطراً له.. ولن يكون أي منهما مضطراً إلا إذا وجد أمامه العرب في حالة أخرى.. بوضوح: التغير من الجانب الإسرائيلي لن يتحقق أبداً إلا كرد فعل اضطراري للتغير الذي يحدث على الجانب العربي.. وإذا لم يتغير العرب.. فلماذا تتغير إسرائيل..؟ ولماذا تتغير أمريكا..؟


إذا أردنا واقعاً جديداً في المنطقة فلابد أن نوجد واقعاً عربياً جديداً أولاً.. وإذا عجز العرب فهل من حق العاجز أن يطلب إلا الصدقة..؟ والأرض لا تمنح إحساناً وشفقة..


الجديد على الجان العربي هو الشيء الوحيد الذي سيؤدي إلى ظهور الجديد على الجانب الإسرائيلي والأمريكي.


وهذه هي الفكرة التي تجعل الرئيس مبارك يتحرك بسرعة وبقوة على الجانب العربي وندعو الله أن يوفق ويجد الفهم والاستجابة.

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف