من الذي يواجه الإرهاب ..؟!

انتهز البعض حادث الاعتداء على السياح الأخير في شارع الهرم، واعتبروا فرصة للنيل من جهاز الشرطة والتهجم على سياسات "جنرالات" وزارة الداخلية، وكما هي العادة السائدة الآن في كل حوار، فإن لعبة خلط الأوراق، وخلط الحقائق بالأكاذيب والبدء بمقدمات صحيحة والانتهاء إلى نتائج مغلوطة ومضللة.. هذه اللعبة تمت ببراعة واستخدمت بذكاء وبإلحاح بهدف الإيحاء بقوة حجة أصحابه، وسلامة مقصدهم..


ولكن هذه اللعبة خطيرة لأنها تجعل جهاز الشرطة الذي يقف في خط الدفاع الأول ضد الإرهاب ويقدم كل يوم شهداء للواجب أكثرهم من القادة.. يقف في موقف الدفاع عن النفس من هذه الهجمات.. ويواجه الضغط من جانبين: من المشككين في قدرته من ناحية، ومن التكتيكات والأسلحة الجديدة التي يجد الإرهاب من يزوده بهما لتحقيق هدف إستراتيجي كبير يتجاوز حادث اعتداء أو تفجير.


والموقف الآن لا يتحمل إساءة الجو الديمقراطي الذي يسمح بحرية التعبير والنقد، ويسمح أيضاً بحرية العدوان والتجاوز اعتماداً على أن الضمير الوطني في النهاية هو الذي سيضع الحدود والخطوط الحمراء لما هو نافع وما هو ضار وما هو لصالح البلد، وما هو ضد مصالحه.


وجهاز الشرطة الذي بذل خلال السنوات الماضية جهوداً تفوق طاقة البشر، يدرك بالقطع أن الحماية الحقيقية له هي المساندة الشعبية له، والتأييد العام بشجاعته وتفانيه، والتقدير من القمة والقاعدة للعمل المضني والتضحيات الغالية في عمل متصل ليل نهار وبدون إجازات في الوقت الذي ينعم فيه الجميع بالإجازات الطويلة والاسترخاء وبمواجهة عصابات غامضة تجد التمويل والتخطيط من الخارج لأهداف سياسية معروفة، ويتم تجنيد عناصر جديدة غير معروفة وليست لها سجلات ويكفي مراجعة كميات الأسلحة التي تم ضبطها خلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية لندرك مدى الكارثة التي كان يمكن أن تحدث للشعب العربي لولا يقظة رجال الشرطة وشجاعتهم وحسن إدارتهم للمعركة مع الإرهاب يكفي أيضاً أن نراجع قوائم الإرهابيين الذين نفذوا العمليات الخطيرة لتدرك أننا لسنا أمام تنظيم واضح المعالم له سمات خاصة تميزه ولكننا أما شراذم متفرقة من مجرمين يعانون أساساً من اختلالات في الشخصية تدفعهم إلى ارتكاب الجرائم والخلط الذهني بين الجريمة والبطولة.. وبين صورة الجرم الذهنية وصورة البطل والخلط من ناحية أخرى بين النضال من أجل قضية صحيحة عادلة والعدوان تحت غطاء قضية باطلة وزائفة ولا أحد منهم يملك القدرة العقلية أو الذكاء أو البصيرة ليكتشف ما وراء الستار الخداع الظاهر ليكتشف أن كل حادث إرهابي هو لطمة موجهة للوطن وللشعب ولن يدفع ثمنها إلا الشعب.. إلا إذا كان عداء الإرهاب للشعب وهذه هي الحقيقة الجوهرية الكامنة وراء ما يقال من نظريات وفلسفات وادعاءات ليست إلا ستاراً من الدخان لإخفاء الحقيقة المرة وهي أن كل ما يجري هو مخطط ينطوي على العداء لمصر كوطن وللمصريين كشعب والهدف هو القضاء عليهما عاجلاً أو آجلاً ولصالح من.. هذا هو السؤال الذي لم يسأله إرهابي لنفسه.


في هذه الظروف نحتاج إلى تأكيد حقائق مبدئية وبديهية، ولكنها يمكن أن تغيب عن العيون وراء سحابات الدخان التي يطلقها البعض:


الحقيقة الأولى: أن جهاز الشرطة أعطى ويعطي بإخلاص ووطنية وكفاءة هي موضع احترام وتقدير الشعب المصري كله.. وفي كل مناسبة فإن الرئيس مبارك يعلن ذلك باسم الشعب..


الحقيقة الثانية: أن النقد الذي يوجه يجب ألا ينال من ثقة هؤلاء الرجال الشجعان، ولا من روحهم المعنوية.. وهم في قلب معركة ليست سهلة يواجهون فيها المجهول.. ويجعلون من صدورهم دروعاً لكل المواطنين الأبرياء.


الحقيقة الثالثة: أن ما حققه جهاز الشرطة ليس قليلاً .. بل هو عمل كبير بأي مقياس.. وهناك دول تدرس وتستفيد من التجربة المصرية، وخطط جهاز الأمن الناجحة لمحاصرة الإرهاب.


الحقيقة الرابعة: أن أي مفكر محترم على إلمام ببعض الحقائق عن الإرهاب في كل دول العالم، وبخاصة الدول الديمقراطية الكبرى، يدرك أن القضاء الكامل الشامل على الإرهاب وعلى كل منظماته.. وكل أفراده.. وكل روافده.. وكل أنصاره في الداخل والخارج شيء لم يتحقق في أي بلد.. لا في أمريكا...ولا في بريطانيا .. ولا في ألمانيا.. ولا في فرنسا.. وكل ما تحقق هو ضرب منظمات الإرهاب ضربات قاتلة.. ومحاصرة نشاطها.. وتتبع الفلول.. وترقب ظهور براعم إرهابية جديدة تعززها البؤر العديدة المعروفة وغير المعروفة.


الحقيقة الخامسة إن اقتلاع الجذور ليس من مهام أجهزة الأمن، ولكنه من مهام أجهزة الفكر والسياسة..لأن الجذور ليست إلا فكراً وعملاً سياسية .. فهل قامت المؤسسات المسئولة عن الفكر والسياسة بدورها..؟ بصراحة.. هل قامت المؤسسة التعليمية في المدارس والجامعات بدورها؟ هل قامت المؤسسة الإعلامية بدورها كاملاً وتغلغلت في فكر الجماهير أم أن بعض الأحاديث والبرامج في التليفزيون فيه الكفاية ..؟ وأين الأحزاب والنشاط الجماهيري والتحرك لحصار بؤر الإرهاب وجماعات الإرهابيين، لقد استطاعت تونس أن تحاصر الإرهاب في كل القرى بفضل يقظة الحزب وفاعليته.. وكذلك فعلت سوريا.. والمسألة عندنا ليست مسئولية حزب واحد، ولكنها مسئولية كل الأحزاب.. فماذا فعل كل حزب.. وما هي نتائج عمله..؟ وبصراحة أكبر هل قامت المؤسسة الدينية بالدور كاملاً.. هل واجهت..؟ هل حركة الفكر الديني في البلد كلها في الاتجاه الصحيح، وكشفت زيف الادعاءات التي تستر وراءها الإرهاب..؟


هناك أدوار يجب أن نحددها ويتحمل كل منا مسئوليته عنها..أدوار التربية والتحقيق والوقاية وتجنيد الشباب لتوظيف طاقته، فيما يفيد البلد، ويساعد على البناء.. هذه الأدوار لا تدخل في اختصاص أي جهاز للأمن في العالم.. فأجهزة الأمن ليست أجهزة دعوة، ولا هي أجهزة حوار أو تربية اجتماعية أو ثقافية أو غيرها.. الدور الوحيد لجهاز الأمن هو تعقب الجريمة.. ليس وهي في العقول.. ولكن حين تصبح في السلوك.. في التخطيط.. والتنظيم.. وارتكاب الجرائم.. وضبط مرتكبيها إذا وقعت .. وليس هناك جهاز أمن في العالم استطاع حتى الآن منع ارتكاب الجرائم بنسبة مائة في المائة.


وحتى هذا الدور الأمني المتخصص لا يستطيع جهاز الأمن أن يقوم به وحده بغير مساندة من كل الناس ومؤسسات المجتمع كلها..


وهذه هي البداية الصحيحة للقضاء على الإرهاب.


 


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف